23 ديسمبر، 2024 7:03 ص

الشاعر جابر محمد جابر وحيدا في الأزقة يغني !

الشاعر جابر محمد جابر وحيدا في الأزقة يغني !

عندما تتناسل الحروب ولم يعد للعراقي أفاق تتسع سوى الخيبات والمرارة وظلام طويل أمده، يحلق بنا الشعر فوق البلاد التي اتجهت بسرعة نحو الفوضى …. ولأننا جميعا نثير الرثاء والشفقة خيمت تلك الأجواء المشحونة بالاضطراب الفاضح على المجموعة الشعرية.

«وحيدا في الأزقة أغني» للشاعر العراقي جابر محمد جابر، كتب التقديم د سمير خليل ووصفها ان (الوحدة الموحشة تتلبسه وهو يغني في الأزقة بلا أذن تسمع غناءه أليس ذلك إحباطا مأساويا لا حدود له؟).

وشأنه شأن أي من عراقيي (الداخل) وجد الشاعر نفسه وجها لوجه في مواجهة الحقيقة المروعة لشراسة الحرب وهمجيتها (بنادقنا / محشوة بالوحشة / القطارات العائدة / من بساتين الحرب / تنزلق عند مرايا الحرب / وتختفي عند وديان الرأس). ص 41

وجابر محمد جابر يعرف كيف يتعامل بحرفية شاعر ومهارة فنان، ففي خزين مملكته الشعرية ما يكفي لكي يسمح لعواطفه بالتسرب إلى نصوصه وهو الحنون الدافئ الذي يبحث عن فجر حقيقي وعن الحب وزبائنه (الحب /مقهى شعبي / زبائنه عصافير / من عسل) أو (كل قلب …. له مفتاح / إلا قلبي بلا باب / يدخله الضوء / فما حاجته للمصباح). ص 64

وفي ظل غياب أي منطق سليم قادر على تفسير الإحداث التي تهشم القناعات بالاستقرار والسلام وسطوة المشهد السريالي فقد كان قلقا وحزينا على (صديقي بحار جائع / جمع إحزانه وباعها / على أرصفة الموانئ /ابتاع بثمنها / شارعا / اسماه / الشارع الجائع). ص 65

ولم يغلق باب الألم بالشمع الأحمر أو محى الصور التي تسيطر على مخيلة قلقلة من ثقل ووطأة الظروف والحياة التي تحاكي الجحيم في لهيب دقائقها، ورغم عذرية الريح (لكنها … مزروعة بالذعر / الغابة ترقص من البرد / الصحراء باعت جدرانها / بمزاد الإلهة / والذئب / يقرأ لنا سورة يوسف).

وإذ نشعر بعذوبة النصوص ورقتها لذا كانت السلاسة ظاهرة في أسلوبه وهو يكشف للقارئ عن تجواله في الأماكن التي تمسك بها الذاكرة بقوة مستسلما لسكرة محترمة أي يقصد الوصول بها حد الثمالة في البار المشهور في مدينته.

( اصطحب نومه / إلى بار سعد / استسلم لسكرة محترمة / كانت يداه نافذتين / وعيناه …… ملطختين بالحروب / هو …… يحتفظ بأرشيف أحلامه / أهديته قدمي / يتجول بها / في حدائق القسوة ). ص30

والشاعر جابر واحد من أكثر الشعراء تميزا ومن أوائل من كتب قصيدة النثر منذ بداية السبعينيات من القرن الماضي وظل وفيا لهذا الجنس الأدبي فاعتمدت مفرداته على الحياة اليومية بتفاصيلها المتشعبة … وينطلق من الإحساس بالفاجعة الكبرى لوطن أريد له إن يظل صوت الرصاص ملعلعا فيه دائما والرجاء فيه مفقود حين تعذر ان يكون الحلم صنو الحقيقة. وما دامت الحرب (امرأة عاهر / لا تستقر/ في سرير نظيف) هي أيضا أي الحرب القبيحة ومعترفا بالكره المتبادل ما بين الحرب والشعر (الحرب / لا تحب الشعر / لأنه يفضحها). ولان الحرب لا تخلف إلا رماد الأمنيات كان منشار الغياب والنزوح والهجرة القسرية والأحلام الممنوعة من التفكير حاضرة بقوة (الأحلام بلا رقاب / والأيام مرتوية بالحمى / تسافر نائمة / مجتازة حدود الشهوة).

ويذكر انه صدرت للشاعر خمس مجاميع شعرية «قصائد ملعونة» 1977و»دف الثلج» 2000 و»تعاويذ هرمة» 2003 و»أحلام مبللة» 2007 و»دوائر مربعة» 2013