ولد الاديب العراقي الدكتور برهان شاوي في الكوت عام 1955 , وحصل على شهادة الدكتوراه في فن السينما عام 1986 في موسكو, ويساهم في الحياة الفكرية العراقية بنشاط كبير,فقد أصدر العديد من المجاميع الشعرية والدراسات الاعلامية والادبية, اضافة الى مقالاته وكتاباته في الصحف والمواقع الالكترونية المختلفة, وصدرت له قبل فترة رواية أثارت ردود فعل واسعة في الاوساط الادبية. و ساهم د. برهان شاوي كذلك في عملية ترجمة الشعر الروسي المعاصر من الروسية الى العربية, وقد اصدر كتابا يضم قصائد للشاعرة الروسية آنا أخماتوفا , وكتابا آخر يضم قصائد للشاعر اوسيب ماندلشتام, وهو الكتاب الذي نتناوله في مقالتنا هذه.
صدر هذا الكتاب بطبعته الاولى عن دار نشر ( الجمل ) في المانيا, وأذكر باني استطعت الحصول عليه في بغداد وتحدثت عنه بشكل سريع وعابر في محاضرة القيتها بكلية اللغات في جامعة بغداد عنوانها ( الشعر الروسي بترجمة الدكتورة حياة شرارة), واعود اليوم, وبعد مرور حوالي 15 سنة, للحديث عن هذا الكتاب في طبعته الثانية, التي صدرت عام 2009 عن دار الاصداء للطباعة والنشر والتوزيع, ولا توجد اشارة الى مكان هذا الاصدار.
يعد هذا الديوان – حسب علمنا – أول كتاب بالعربية للشاعر الروسي اوسيب ماندلشتام, ويقع الكتاب في 151 صفحة من القطع المتوسط ويضم – مقدمة وتعريف بالشاعر ومختارات نثرية ومختارات شعرية. يشير د. شاوي في المقدمة الى طبيعة شعر ماندلشتام, الذي – ( يصقل الحجارة الصغيرة الناعمة), ويؤكد – وهو على حق – بان شعره صعب جدا, وبالتالي فهو عصي على الترجمة, ويختتم مقدمته مشيرا الى ( عبثية أية ترجمة لاشعار ماندلشتام ونقلها الى غير لغتها الروسية الاصلية), ومع ذلك, فان د. شاوي حاول واستمر في محاولته بترجمة اشعاره, ونعتقد بانه قد نجح في محاولته تلك.ينتقل المترجم بعد المقدمة الى تعريف وجيز جدا بالشاعر ومسيرته,منذ ولادته في عام 1891 الى وفاته في معسكر الاشغال الشاقة في سيبيريا عام 1938, حيث رميت جثته مع بقية جثث السجناء الميتين ( في قمامة المعسكر).ونود هنا ان نشير فقط الى مسألة غير دقيقة (ربما تكون خطأ مطبعياعلى الاغلب )ورد ت في ذلك التعريف الوجيز, وهو ما جاء في النقطة الخامسة حول التحاقه في قسم اللغة الرومانية بجامعة بيتربورغ, اذ ان هذا القسم هو قسم اللغات الرومانو-جرمانية وليس قسم اللغة الرومانية,وهو قسم يختص بدراسة مجموعة من اللغات الاوربية بشكل عام , ولا زال هذا القسم العلمي موجودا لحد الان في تلك الجامعة , وفي جامعات روسية عديدة اخرى.
في الجزء الخاص بالمختارات النثرية, يقدم لنا د. شاوي ترجمة لمقالين من مقالات ماندلشتام, الاول بعنوان ( حول طبيعة الكلمة) والثاني بعنوان ( عن المحاور ). المقال الاول نشره ماندلشتام في كراس صغير عام 1922 بعنوان – (عن النهلستية الداخلية في الادب الروسي), ثم نشره فيما بعد بعنوان ( حول طبيعة الكلمة), وهو مقال رائع يتناول الادب الروسي, وهل هو أدب معاصر ومتفرد, وما هو وجه التفرد فيه, وما هي السمات الجوهرية( او ما يسمى بالمقاييس) لهذا التفرد, ولا يمكن لنا ان نعرض موجزا لتلك الطروحات الفلسفية التي جاءت في ثنايا ذلك
المقال المعمق, والذي يتوقف ماندلشتام فيه عند اسماء كثيرة في الادب الروسي والعالمي ويحللها ويتناول ( سحر اللغة ) و ( سلطة الكلمة ) وعلاقة الادب بهما, الادب الذي ينظر اليه ماندلشتام باعتباره – ( درس, وشارع, بينما علم اللغة هو محاضرة جامعية). ان قراءة ذلك المقال من قبل القارئ غير المتخصص هي عملية صعبة ومعقدة تماما , وحسنا فعل د. شاوي , عندما كتب بعد ذلك المقال هوامش بلغت ( 61) نقطة, أعطى للقارئ فيها شروحا تفصيلية ومعلومات وافية عن كل اسماء الادباء الذين تناولهم ماندلشتام وعن كل المفاهيم التي جاءت في متن ذلك المقال, بما فيها المدارس الفكرية الروسية والعالمية. ان تلك الهوامش التي جاءت من الصفحة رقم 33 والى الصفحة رقم 43 تمثٌل واقعيا عملا علميا كبيرا قام به د. شاوي متطوعا لخدمة القارئ والتعريف بمضمون مقال ماندلشتام, و في الوقت نفسه يعد هذا العمل اغناء للمكتبة العربية بشكل عام.
اما المختارات الشعرية, فقد بدأت بقصائد من ديوان ( الحجر ) , ثم من ( قصائد من بريستيا), ثم مختارات من اشعار 1921-1925, ثم من الاشعار الموسكوفية 1930-1937, ومن اشعار فارونش ( المدينة التي تم ابعاده اليها في آخر سنوات عمره) والتي ارسلوه منها الى معسكرات الاشغال الشاقة ( والتي افتتح فيها قبل سنوات قليلة تمثال رائع له ).
نقدم للقارئ فيما يأتي قصيدة من ديوان ( الحجر) بترجمة د. شاوي, ونعقبها بترجمة نفس تلك القصيدة ( وعن الروسية ايضا) للباحث السوري د. ابراهيم استنبولي,وهو من الباحثين المعروفين في مجال ترجمة الادب الروسي, ويمكن للقارئ ان يقارن الترجمتين, وهما يمثلان اجتهادين مختلفين لنص واحد, ويبينان صعوبة ترجمة الشعر بشكل عام , وترجمة شعر ماندلشتام بشكل خاص. ونترك للقارئ الحكم النهائي.
القصيدة بترجمة د. برهان شاوي
أرقٌ من الرقة
وجهك,
أشدٌ بياضا من الابيض
يداك,
ومن العالم كله
بعيدة أنت,
وكل شئ فيك
لا مفر منه!
لا مفر منه, ألمك,
واصابع كفك الدافئة,
وصوتك الهادئ,
وحديثك الذي لا يطوي كآبة,
وعمق عينيك.
+++++++++++++++++++++
القصيدة بترجمة د. ابراهيم استنبولي
ألطف من اللطف- وجهك,
وأكثر بياضا من الابيض- يدك,
وانت بعيدة عن مجمل العالم,
وكل ما فيك- مما هو لا مفر منه.
ومما لا مفر منه-
حزنك,
واصابع يديك الملتهبتين,
والصوت الناعم لاحاديثك غير الشهية,
والبعد في مقلتيك.
نترك القارئ ليحكم بين الترجمتين.
اما أنا فاميل الى ………..