18 ديسمبر، 2024 9:55 م

الشاعر أحمد علي السالم أبو كوثر.. والهيام في الموصل الحدباء

الشاعر أحمد علي السالم أبو كوثر.. والهيام في الموصل الحدباء

ظلت الموصل على الدوام حاضرة في اذهان من عاشوا تفاصيل بيئتها الثرية، تحضرا، ورقيا، وحسا مرهفا.. فتغنوا بأمجادها.

ولعل لتموضعها المكاني على ضفاف دجلة الخالد،قبالة ربوة البوسيف بالتواءاتها المتهدجة،في توأمية عجيبة مع شطآن النهر الساحرة، وطقسها الخلاب، ذي الرببعين ،أثرا بالغا، في تثوير إبداعات،وشحن مشاعر ابنائها من الشعراء والأدباء، بإرهاصات الرقة،والإبداع، وانثيالات فيوضات انتمائهم للمكان، والبيئة،والإنسان معا.

على أن غابات الغرب، وأحراش الطرفا،وأسراب النوارس، ربما شكلت هي الأخرى بامتدادها الطبيعي على ضفتي النهر الازلي، المنساب من جوانح الموصل حتى اطراف ديرة جنوب الموصل، بتماثل يرتقي الى درجة التطابق، آصرة تواصل مكاني وجداني، فكانت بتلك الشواخص الساحرة، مصدر إيحاء غني لمشاعر الشعراء الجياشة،التي تفاعلت مع عناصر هذا الفضاء المفتوح، بتناسل صور جميلة، من الغزل العذري بتلك الميساء الممشوقة.

والشاعر المبدع.. احمد علي السالم.. ابوكوثر..كعنصر حي من عناصر كائنات تلك البيئة، ببعدها الريفي من أطراف جنوب الموصل، المتعاشق عضويا مع بعدها الحضري،قد تفاعل ابداعيا مع مشهد حركة ذلك الحال،ما جعل عشقه للموصل الحدباء ايقونة حب أزلي، استقرت في صلب عملية التشكل الشعري لتجلياته الوجدانية،التي تجسدت في نظم قصيدته الرائعة (سينية الحدباء)،لتعكس اندماجه، وتماهيه العاطفي، مع كائنات بيئته الموحية له، ريفا، ومدينة ،وتوازيه الروحي مع مجسمات المكان، التي تفوح بصدق انتماء الشاعر لموصله الحبيبة، عندما يقول:

وفي عيوني ترى الحدباء شاخصـة ام الرمــاح وعهــدي ناسـها ناســي

حورية الجيد في سـيمائها حــــدب كأنـــها مــلك يـرنــو لـجــلاســــي

غفت على النهر واهتزت جوانبها بالورد والكرم والصفصاف والاس

ام الربيعين مــا ابهــى مــرابعــها ومــــا ارق هـــواها والـهوى قاسي

ويبدو انه عندما اراد استحضار الماضي كنوع من الحنين الى مرموزاته الموصلية، يوم كان يسكنها للدراسة ،فذلك لأنه لا يريد لماضيه أن يغادر عالم حاضره، لاسيما وان ماضيه الجميل قد سكن الذاكرة،واستطاب الإقامة الدائمة في دهاليزها العميقة، فاستحال عليه الإفلات منها،حتى مع حقيقة يقينه بأن الماضي بهيئته التي يحن اليها لن يعود، فهو مثل ماء نهر دجلتها المنساب مع مجراه الازلي، لا يرجع اليها بعد ان غادر الى اطرافها باتجاه المصب، الى حيث لا رجعة،بعد ان تزاحمت خيالاته بالخواطر الموجعة :

وهمت واحتشد الماضي بـذاكرتــي وزاحمـتني خيالاتـي وأحـداسـي

وعاد بي خاطري والقلب يوجعنـي الى عهود الصبا والراح والكاس

ولا جرم ان استغراق الشاعر احمد علي السالم،في الماضي بهذه الارتجاعية التلقائية،يضمر رغبته الصريحة لتعويض حاضره المقفر بانزياحه المكاني بمرور الزمن عن فضاء لوحة المدينة الجميلة،والتشبث بالماضي كحلم وردي يتطلع اليه،حتى ولو جاء بصيغة استذكار عاطفي ،مع يقينه بصعوبة الوصول اليه. لكن حبه للموصل الحدباء يظل متلبسا ذاته الوجدانية،حيث نتلمس ذلك بوضوح في قوله :

يميل قلبي لها والروح تعشقها ممشوقة القد مثل الغصن مياس

اميرة كالزلال العذب صافية كأنـها درة في كــف غطـــاس

انها إلفة عجيبة بين الشاعر احمد علي السالم،ومحبوبته الموصل الحدباء،التي يميل اليها دوما قلبه،وتعشقها ابدا روحه،فلا ينفك يتغنى ببهائها في مجالس الدواوين،وفي المقابسات الشعرية التي تجري عادة في المناسبات العامة في ربوع ديرته جنوب الموصل. ولعلها ظاهرة اجتماعية ثقافية،تستحق التأمل،وتسليط الضوء عليها من قبل المهتمين بالأدب، والثقافة، والتراث،من الباحثين، والأكاديميين، والكتاب، وغيرهم .