23 ديسمبر، 2024 1:14 م

الشاب العراقي ، والأفق المُظلم

الشاب العراقي ، والأفق المُظلم

لستُ هنا بصدد تعداد مثالب وتقصير وجرائم الحكومة بحق المواطن وقد ملأت الدنيا ، حتى طرقت أذان (الأسكيمو) !، الحكومة التي من المفترض انها أتت لأجله ، حكومة من البلادة والفساد والغباء بحيث لم تعد تقوّمها لا مظاهرات ولا أحتجاجات ولا كتابات ، فهنالك جرائم خطيرة بحق الشباب بعيدة المدى والنتائج ، هذه الشريحة المهمة بل الأساسية قد تم أقصائها من كل نواحي الحياة ، واُبخِسَ حقها واُبعِدَت عن البناء ورَسم المستقبل والمشاركة في الحياة السياسية ، لتُترَكَ الى مصير أسود مجهول .
يرسم الشاب مستقبله بالذات في السادس الأعدادي ، بناءً على نتائج الأمتحان الوزاري اللانزيهة ، ومن الخطأ تقرير مصير طالب ما لبقية حياته ، بناء على فصل واحد من الأمتحانات ، وأذا كانت الذمم والضمائر تُباع وتشترى ، فما بالك بأسئلة الأمتحانات ؟! ، هذا يعني أن الغني يستطيع شراء الأسئلة (بدفاتر) ، وأن أبنه سيضمن أعلى المعدّلات وأن كان نزقا وغبيا ، وسيحصل على أفضل الكليات ، وسيؤثر على انسيابية القبول ، وسيزيح جانبا الطالب النزيه الصادق والساعي بجد ، وسيكون ذووه ملزمين بأرساله الى كليه أهلية بأجورها المرتفعة التي تشكل عبئا قاسيا على ميزانية الأسرة ، وسيبقى ذووه  رازحون تحت وطأة تلك المصاريف ، طيلة سني هذه الكلّية ، ظنا منهم  ، أن المكافأة الكبرى تكمن في تخرج أبنها ، ليصابوا بعد ذلك بخيبة أمل العمر ! ، فلا وظائف ولا توظيف ، لأن سيد الموقف هو غياب التخطيط ، والعشوائية والفساد ، وان (رشحت) من هنا وهناك بعض  فرص التوظيف ، والتي غالبا ما تكون غير نزيهة هي الأخرى ، بناء على (مزاد) بدفع (المقسوم)  لتأكيد التوظيف ، تجد هنالك شرطا من أن المتقدم للوظيفة ، يجب أن يكون خريج كلية حكومية !.
والأن ضعوا أنفسكم مكان ذلك الطالب المتخرج ، وهو يرى طموحه يتلاشى ، وأن المواد الدراسية التي مرّت عليه ، طيلة سنوات الدراسة ، فأتعبت عينيه ليتخرّج وهو يرتدي النظارات ، لم تكن سوى لعنة ومضيعة للوقت ، عندها يبدأ صراعا محموما في داخله ، بين كونه في سن الزواج وتكوين اسرة ، وبين ضيق ذات اليد ، وهو يرى (الدولة) قد خذلته ، وأشاحت بوجهها عنه ، وقد وظفت لديها حملة الشهادات المزورة ، من المحسوبين والمنسوبين على (الحُجّاج) والحيتان ، أو من يدفع أكثر ، وهو يرى أصلا ، أن رواتب الموظفين  الحكوميين ممن سبقوه ليست راسخة وثابتة كما كان يعتقد ، وليست بمأمن عن الأستقطاعات !، وسيعيش حالة من التمزق بسبب التناقض الصارخ بين المبادئ التي تربى عليها ، وواقع الحال الفاسد والمرير الذي لا يرحم ، وسيجد نفسه أمام مفترق طرق ، أما الأنخراط في الأرهاب ، وفي هذه الحالة تكون الدولة هي من أذكاه أصلا ، بقصر نظرها وأهمالها  وفسادها وغياب تخطيطها ، أو التكالب على الشركات الأهلية القليلة لعدم وجود تنمية في البلد ، التي تطالب أصلا بسنوات من الخبرة ، وهي لا تتوفر عند الخريجين الجدد (أو مَن تخرّجَ مِنذ عدة سنوات بلا وظيفة) ، والمحظوظ منهم ، سيتقاضى أبخس الرواتب بشكل لا يتناسب مع الجهد والخبرة والشهادة ، قد يبلغ ربع راتب نظرائه في الدول (المحترمة)  حسب قاعدة العرض والطلب ، وبدون قانون أو نقابة تحميه ، أو أن يلتفت شمالا ، الى حيث الماكنة الرأسمالية ، بطرقها المليئة بالالغام ، وبحارها التي افترست الكثير من شبابنا وهي تقول (هل من مزيد)؟!، مثلما حصل لجاري الشاب ، وقد بيعت اعضاءه ، فشبابنا رخيص أمام منظمات الجريمة المنظمة ، وتجّار الأعضاء البشرية ، قد أوغلوا ابتزازا وتقتيلا في شبابنا  لعلمهم أن دبلوماسيتنا مشلولة شللٌ تام لا تقوى حتى على الكلام ! ، وأن لا أحد من وراء شبابنا سيقيم الدنيا على تلك المنظمات ولا يقعدها !.
شريحة الشباب ، هي المعول عليها ، بطموحها وأيمانها وحداثتها وعنفوانها ، ومبادئها التي لم تتلوث بعد ، هي الدماء الجديدة في شرايين هذا البلد التي تمنع هرمه وشيخوخته وموته مثلما هو ميت الأن !، وها هي لا تستطيع مزاحمة الديناصورات المترهّلة التي جاءت من عصور ما قبل التاريخ برؤوسها الخاوية الا من الأنتقام والمؤامرات ، والحيتان ذات الجوع المزمن ،  فكيف لا يتحوّل الشباب الى قنابل موقوتة لا تنقصنا ؟! .
لا أقول أن الدولة ملزمة بتعيين كل الخريجين ، لكن البلد جائع الى درجة الأحتضار، الى تنمية حقيقية وجذرية ، ستستقطب كل الخريجين ، وهو بحاجة الى توظيف كل الطاقات الشبابية ، وفي كافة القطاعات المهمَلة ، والعمل مثل خلايا النحل لسنوات ، ولكن طال الأنتظار ونحن لا نرى طيلة هذه السنوات العجاف ، مَن وضع حجر على حجر!.