23 ديسمبر، 2024 9:42 ص

الشائعات والجيش العراقي

الشائعات والجيش العراقي

حققت الشائعة اهدافها في تدمير معنويات الجيش العراقي وانسحاب الاف الجنود من الموصل وصلاح الدين وباقي المعسكرات واسرهم وقتلهم حيث ساوت الشائعة الرصاص تاثيرا.
الشائعة تسبق اي سقوط او انهيار لانها لاتقنع في بعض الاحيان ولكن تغوي فالتكرار هو احد مكامن قوتها لتحقيق التاثير؛ الشائعة سلاح بلا كلفة مالية فهي مجموعة اخبار ملفقة تساهم في تجييش اهتمام الجماعة وقد تؤدي الى تحطيم المعنويات فالشائعة احلام يقضة تتولد تلقائيا في هذا المكان او ذاك وتكون موقع تصديق الكثيرين لان ناقل الشائعة اذ شعر ان المستمع يشك في مايقوله فيلجا الى قول انه ينقل المعلومة من خبير اعلى لايمكن التشكيك في مصداقيته.
سقوط المحافظات العراقية اثر الشائعات قد تكرر في الدولة العراقية وخاصة عام 1990 عند انسحاب الجيش العراقي من الكويت ورغم القبضة الحديدية التي كانت تمسك بالجيش وقوة الاعلام الحكومي الا ان تسلل الشائعة الى المحافظات سرع من انهيار الجيش والاجهزة الامنية ماجعل عضو فرقة حزب البعث في محافظة دهوك مدير المنطقة الانتخابية الثانية  يشكي انتشار الشائعة عند اجتماعه بصدام حسين وعدم مكافحتها من قبل اجهزة الدولة الاعلامية والميدانية حيث قال:
“اثناء انسحاب الجيش العراقي من الكويت دخلو الغوغائيين وبدأوا بالنقل للاهالي ان الجنوب سقط والجيش انسحب وانهزم.. المحافظة الموساقطة بدت معنوياته تسقط”.
“قيادة الفرع في المحافظة لم تجمع الناس لتبليغهم بان الجنوب وكركوك سقط وحذرتهم من السقوط”.
“الاعلام العراقي شيء صامت مو حرك”.
ان الضوابط العقلانية تتلاشى مع وجود التوتر النفسي الشديد وفي هذه الحالات تصبح كل معلومة معقولة وقابلة للتصديق وهذا مايحدث في تجمعات الحشود عندما تحدث ازمة او حرب؛ اما تكاثر الشائعات يدل على فقدان الثقة بالاعلام الحكومي فيرتفع تاثير الشائعة وينخفض تاثير الاعلام الحكومي بالتالي تحقق الشائعة اهدافها في تدمير المعنويات و ماحدث للجيش العراقي في الموصل وصلاح الدين خير دليل على فاعلية وتاثير الشائعة.
اما عالميا فقد اشاعت المخابرات الانجليزية خلال الحرب العالمية الثانية بان الصواريخ الالمانية كانت تتخطا العاصمة لندن وتسقط خارجها بمسافة 32 كلم واقعيا كانت الصواريخ تسقط على لندن ولكن الالمان تاثروا بالشائعة ما جعلهم يقصرون مدى الصواريخ 32 كلم وسقوط اغلب الصواريخ قبل العاصمة.

التصدي للشائعة يكمن في تاسيس (عيادة ضبط الشائعات) حيث يمكن اخذ التجارب الناجحة تاريخيا وتطبيقها مع اضافة ماهو مناسب لمقتضيات المرحلة فخلال الحرب العالمية الثانية استحدثت صحيفة (Boston Herald Traveler ) في مارس عام 1942 زاوية اسبوعية تحت عنوان (عيادة الشائعات) تخصص في كل مرة شائعة متداولة يشير اليها القراء او مخبرو الصحيفة المنتشرون في اوساط العامة ويتم تكذيب الشائعة عن طريق مقابلة اشخاص موثوقين مؤثرين او اظهار ادلة دامغة واستمر هذا الاسلوب الى ديسمبر عام 1943 وقد تبنته اربعين صحيفة ومجلة امريكية اخرى.
عام 1968 عمدت غالبية المدن الامريكية الكبرى خوفا من انتشار الشائعات الى انشاء مراكز معلومات متخصصة عرفت (بمراكز ضبط الشائعات) وكان الهدف من هذه المراكز الرصد والتصدي ونشر المعلومات الدقيقة المتعلقة بالاسئلة التي يطرحاها المواطنون عبر الهاتف لمنع انتشار الشائعات ويذكر ان (مركز ضبط الشائعات) في لوس انجلوس تلقى في الاسبوع الاول من تاسيسه “عشرة الاف مكالمة من المواطنين للاستفسار عن شائعات كانت منتشرة”.

وكما قال عمر المختار “يمكنهم هزيمتنا اذا نجحوا باختراق معنوياتنا” فعيادات ضبط الشائعات تعمل على منع اختراق المعنويات ورفعها وسرعة الرد بالادلة الدامغة وتكذيب ومكافحة الشائعات التي تسعى لتحطيم التماسك الداخلي للجيش.