20 ديسمبر، 2024 6:44 ص

السّياسي الرّاحل الدّكتور أحمد الجلبي .. حديثٌ من الضمير !

السّياسي الرّاحل الدّكتور أحمد الجلبي .. حديثٌ من الضمير !

عندما يستشهد الإنسان في سبيل الحقّ ؛ يترك على الدنيا موقفاً يخلّّده مدى التاريخ ، ويحمل معه مشعلاً يضيء قبره إلى يوم القيامة .. كذلك الموت الذي يقتربُ به من كرامة الاستشهاد!
عاش الدكتور أحمد الچلبي ومات غنياً .. مترفاً ؛ غادر العراق منذعام1958 رافضاً العودة إلى عراق يحكمه الظالمون .. حتى أسقطت أمريكا دكتاتور العراق وحزبه الشوفيني ، ليعود ثريّاً قبل الحكم .. فهو سليل عائلة الجلبي الأغنياء الأثرياء الوجهاء الكرماء .. منذ أن صرخ وليداً متنسماً هواء بغداد الحبيبة ، التي عاد إليها عام2003 ابناً باراً. لم يتسلط على كرسي بعنجهيات وجبروتات حزب أو إرغام العراقيين على توليه منصباً ما.. حكم مجلس الحكم حسب الحروف الأبجدية ، أسوة بجميع الذين في العملية السياسية ، ولم يتولَ بعدها منصباً دون تفويض قانوني .

دخل مرشّحاً في الانتخابات ، وفاز بما حظي به من قاعدة جماهيرية كانت أصواتها له. لم يكن يوماً بحاجة إلى حصة التموينية التي أسسها حصار صدام حسين وبقيت بفضل الرئاسات الثلاث ، التي جعلتها أجشب عيشا مما كانت عليه أوان الأزمة ( ولا أدري لماذا هي باقية على هذه الحال حتى اليوم ، وقد أسست لزمن الحصار الذي ولّى ؟!) . لم يطمع أحمد الچلبي بحصة تموينية ، ولا بخمسين لتر نفط ، ولا براتب البرلمان حتى .. كان يربأ بكبرياء مجده وتراث عائلته الثرية المعروفة بالكرم والجود .. تلك التي باعت ممتلكاتها على العراقيين بأبخس الأثمان ، لكي تكون مساكن للفقراء وذوي الدخول الوسطى من العراقيين ، عندما تحوّلت بساتينُ عبد الهادي الچلبي إلى مدينة الهادي (مدينة الحرية كما سمّاها الطائفيون السالفون ، بغضاً للإمام علي الهادي (ع) ، أو انتشار مناطق ذات سمة شيعية ، وحسداً لعبد الهادي الچلبي والد الفقيد الراحل) ، ناهيك عن المشاريع الخيرية. إنَّ أيَّ شخص (عميل) غيره ـ لو صح التقويل ـ يستطيع (بعمالته) أن يتسنم منصب رئيس وزراء أو رئيس جمهورية ، إلاّ أنه أبى إلاّ أن ينالهما إلاّ بتفويض برلماني مشروع .. مترفعاً عن صفة التوسل والمحاباة للغازي أو السياسي المتنفذ كيما ينيله ما يربأ بكبريائه عنه ، لأنه ابن الكرام المتنعمين بمالهم الحلال الذي توارثوه أجداداً عن أجداد ، وكل أهل الكاظمية وأهل بغداد وأهل العراق يعرفون من هم عائلة الچلبي الأشراف الأثرياء ، جمعوا أموالهم وكوّنوا ثروتهم من التجارة المشروعة والذكاء الشريف ومساعدة المحتاجين ، لم يسرقوا مال العراقيين ، ولم يأكلوا السحت ، ولم يكونوا بطوناً جاعت ثم شبعت !!! رحم الله الدكتور أحمد الچلبي الذي عاش بمال أهله ومات في دار أهله على كرسي أثاث بيت والده العتيق ، وليس على كراسي المنطقة الخضراء الجديدة.

رحم الله الدكتور أحمد عبد الهادي الچلبي .. شريفاً .. غيوراً .. عالماً عاملاً ، وسياسياً متعاوناً مع الدول العظمى لأجل إزاحة كابوس الدكتاتورية عن صدر العراق العزيز .. عراق المقابر الجماعية .. عراق الأنفال .. عراق إعدام الشهيدين السعيدين السيد محمد باقر الصدر والسيد محمد محمد صادق الصدر!!!

ترى المعارضة العراقية وذوو المعتقلين والسجناء السياسيين والمقابر الجماعية والمعدومين والمسفرين أن للدكتور أحمد الچلبي فضل عليهم في إزاحة صدّام وحزبه عن العراق ، بأيّة وسيلة كانت .. حتى لو كانت أمريكا ، بعدما ذاقوا الويلات ، دون أن يستطيع أي حزب من أحزاب المعارضة العراقية أن يحدث تغييراً من الداخل بعد إسقاط الانتفاضة الشعبية الشعبانية عام 91 ! وإلى من بلعن أحمد الجلبي أقول ؛ العراقيون صنفان .. صنف يحب صدام وحزبه ، لأنه لم يتضرر أو عائلته من الأذى والإعدام والتشريد والاعتقال والانطمار في المقابر الجماعية ، بسبب الاختلاف في الرأي ، أو الذين سفروا وسلبت ممتلكاتهم ، مع أنهم عراقيون منذ مئات السنين بتهمة التبعية إلى الأعاجم ، في الوقت الذي تعتمد شهادة الجنسية العراقية ذات التبعية العثمانية ، حيث تعرّفتم على رقي الأمم الأخرى التي تستوطن الغرباء لسنتين أو خمس من عمر الإقامة ، وإنها كانت واستمرت ممارسات قديمة منذ عام 1963 حتى نيسان2003. وهناك صنف آخر ؛ هو من النوع الذي تضرر !!! تلك السياسة جعلت الجماهير تتذمر من جمهورية كانت مرعبة في نظرها .. حيث التقارير على المثقفين والعلماء ، لا لشيء سوى لأنهم لم يقتنعوا بالانتماء أو مسايرة خط الحزب والثورة ونهج القائد .. هؤلاء هم الذين فرحوا بسقوط حكم صدام حسين وحزبه ، والذين غيرهم تألموا بكل تأكيد . نعم ؛ استعانت المعارضة العراقية بقوى أجنبية للأسباب المذكورة ، لكن من المعروف للبِّكم الراشد ؛ إن أية دولة عظمى وغير عظمى لم ولن تستجيب لأية جهة معارضة في أي مكان من العالم ، مالم تكن هي تريد التغيير. عليه؛ أتمنى عليكم أن تستحضروا موقف الجواهري العظيم من حكم صدام ، وآخرون غيره وآخرهم عبدالستار ناصر ، وكيف أن زوجة شفيق الكمالي رفضت تسلم السيارة التي أهداها إليه صدام حسين بعد وفاته ، وما جرى على المناضلين البعثيين الذين قتلهم بمسدسه الشخصي أو هش عليهم كلاب الدورمان ، أو الذين أذابهم في أحواض التيزاب ، عندما لم تكن (إيران المجوسية) ، ولا تبعية حزب الدعوة إليها آنذاك ، أو المناضلات الشيوعيات اللائي رمين بعد الاستباحة بالأكياس في نهر دجلة ، أو المؤمنات اللاتي كن يعلقن بالمقلوب في السقوف حتى ينزل دم الحيض على وجوههن ، كيما يتبين لكم مشروعية المترحمين على أحمد الجلبي وغير أحمد الجلبي. نعم؛ لقد أجرم صدام بحق المعارضين العراقيين ، لكن هذا لا يعدم وصول سياسيين إلى مقاليد السلطة خلف الدبابة الأمريكية .. حالهم حال من وصفهم علي صالح السعدي ، وحالهم حال من وصفهم رامز كلاك في كتابه (النار هذه المرّة( . إنَ كلَّ حزب بما لديهم فرحون .. ما أجرموا أو تآمروا على هذا الشعب المسكين ، الذي ينعق مع كل ناعق .

برحيل الدكتور أحمد الچلبي ؛ خسر الشيعة آخر عقلية علمية سياسية في العراق.. بغض النظر عن أساليبه التكتيكية في التعامل مع (الشيطان الأكبر) لأجل إسقاط (جمهورية الخوف).

إنَّ رحيلُ السّياسي الثري الدكتور أحمد الچلبي ، رحيلُ مَنْ سَلَّمَ مفاتيحَ بغداد إلى الولايات المتحدة ، كي تـُسْقِط َحكومة َالبعث و صدّام .. تلكم كانت مسؤوليته فقط ! .. فماذا قدَّم َ السّياسيون الآخرون ، بعد أنْ استنفدَ هذا الرجلُ أغراضَه ؟!

وأخراً ؛ لقد مات صدّامُ حسين دون أن يفضح مسقطيه ، ومات أحمدُ الچلبي ؛ لكنه سيفضح قاتليه !

أحدث المقالات

أحدث المقالات