23 ديسمبر، 2024 11:41 ص

السّنّة بين المطرقة والسّندان

السّنّة بين المطرقة والسّندان

الأزمة بين إقليم كردستان والحكومة العراقية تتصاعد أحياناً وتخفت أحياناً أخرى منذ احتلال العراق عام 2003 وحتى هذه اللحظة، فالحليفان المتضادّان يجتمعان إذا تطلّبت مصالحهم الذاتية والسياسية ويفترقان إذا اختلفت تلك المصالح، ولكن الملاحظ اليوم في الأزمة هو تصعيد اللهجة من قبل الطرفين. فهذا القيادي في دولة القانون يقول عن التّحالف الشّيعي الكردي أكذوبة ثمّ يأتي السيد رئيس الوزراء ليؤكّد هذه الأكذوبة ويقول بأنّ التّحالف الكردي الشّيعي هو استفزاز للمكوّن السني، بحيث يجب أن لا يكون هذا التحالف على حساب الإخوان السنة شركائنا في الوطن، هنا أصبحنا أخوان وشركاء ولسنا تكفيريين ولا صدامين ولا نواصب في خضم حرب التصريحات هذه يأتي طرف آخر في التحالف الشيعي وهو الجنرال هادي العامري ليؤكد قدسية التحالف الشيعي الكردي وضرورة بقائه واستمراره أي بمعنى آخر ضرورة أن يبقى السنة العرب هم العدو الذي يجب الاستمرار باستهدافه.
وهنا نقول للسيد رئيس الوزراء نتمنى أن يكون ما قلته يعبر عن حقيقة ما تؤمن به وليس مجرد تصريح تطلبته المرحلة السياسية الراهنة وإن كنا لا نملك سوى أن نحسن الظن بالآخرين والذي يعتبره بعض أبناء جلدتنا غباء أو بلاهة وحجّتهم في هذا قوية، فأين كان هؤلاء عندما كانت أعراضنا تنتهك وعوائلنا تشرد وأبناؤنا يقتلون، ليس على الهوية فحسب وإنما على الاسم الشخصي وعنوان السكن ولكننا لا زلنا نتمنى أن تكون تلك صحوة ضمير حتى وإن جاءت متأخرة.
وفي الطرف الآخر يحاول التحالف الكردستاني استمالة أبناء السنة العرب مؤكداً على ثوابت تاريخية لا يمكن إخفاؤها أو تجاهلها وهي الشراكة في المذهب قبل الشراكة في الوطن وهذه حقيقة يسيل لها لعاب الكثير في عراق اليوم، العراق الجديد بعد الانقسام المجتمعي والاقتتال الطائفي حيث يحاول الكرد إقناع الشارع السني بأن كل الذي حصل لأهل السنة لا دخل لهم فيه بل ويؤكدون بالوقائع أن الطرف الشيعي هو من خطط وقام بكل هذه الأعمال من قتل وتهجير واختصار وتهميش.. فأين كانت القيادة الكردية عندما كانت تعلم وترى ما يصنع بأخوانهم في المذهب والتي لم يصدر عنها تصريح واحد ليس لإدانة هذه الأعمال وإنما لضرورة إيقافها ولو من باب ذر الرماد في العيون فهل كانوا يستثمرون الخلاف السني الشيعي لجني ثمار هذا الخلاف على أرض الواقع؟!
ففي العراق الجديد لكل طرف الحق في أن يفعل ما يشاء ليحقق أهدافه ومصالحه السياسية حتى وإن كانت تلك الأهداف والمصالح مخالفة لكل الأعراف واللوائح الوضعية والسماوية، ولكن المصيبة الكبرى في ممثلي المكوّن السني في الحكومة المنقسمين على أنفسهم، فمنهم من يروّج لضرورة الوقوف مع السيد رئيس الوزراء وتيّاره الذي يدافع عن وحدة الأراضي العراقية وعن الحقوق السنية في المناطق المتنازع عليها مع الكرد لأن الطبيعة الجغرافية تقول لا حدود للشيعة مع الكرد بل السنة هم أصحاب الأرض التي يقاتل عنها السيد رئيس الوزراء الذي كان بالأمس القريب الجلاد والقاتل وصاحب الفكر الإقصائي حسب تثقيف قادة القائمة العراقية لجماهيرهم أي أن ما بيننا وبينه ما صنع الحداد فإذا به اليوم هو الولي الحميم.
بينما يروّج الطّرف الآخر من قادة القائمة العراقية بضرورة اقتناص الفرصة والوقوف مع السيد البرزاني الذي وإن اختلفنا معه فسنختلف في المصالح التي يمكن التفاهم حولها بينما الطرف الشيعي نختلف معه في كل شيء ابتداءاً من العقيدة وانتهاءاً بالمصالح فهو يأخذ كل مصالحه وفي النهاية يحلّل قتلك أي هنا أصبح السيد البرزاني حامي الحمى وفق منظور بعض قادة القائمة العراقية.
في خضمّ هذا الصراع المرير بين أبناء الوطن الواحد، أدعو ممثلي المكوّن السني في الحكومة أن يتّقوا الله ألف مرة قبل أن يستخدموا أهليهم ورقة لمصالح سياسية وذاتية ضيقة يتاجرون بها ولغايات دنيئة ورخيصة سواء كانت باسم المذهب أو باسم الوطن، فالمذهب والوطن أسمى من غاياتكم ومصالحكم السياسية والشخصية.