18 ديسمبر، 2024 6:41 م

السُمنة في العراق.. المشكلة والحلول

السُمنة في العراق.. المشكلة والحلول

لعل من أهم واجبات الطبيب أضافة الى أداء مهماته في تشخيص ومعالجة المرض، هو التنبيه الى المشاكل الصحية التي يعاني منها مجتمع ما والتحذير من التداعيات المستقبلية لمثل هذه المشاكل. ولا أشك أن أحدا لا يتفق معي بالقول أن السُمنة بين ابناء المجتمع العراقي وعند الجنسين وبمختلف الأعمار أنما قد بلغت حدا يستدعي التوقف عنده دراسة لأسبابه وعملا لوضع حلول تحدّ من المضاعفات المتوقعة والمتعلقة به. فالسُمنة هي اليوم مشكلة صحية في العراق يتوجب دراستها علميا ووضع الحلول الناجعة للحد منها والتقليل من أضرارها السلبية على صحة فرد وبالتالي صحة مجتمع.
السُمنة.. ما تعريفها؟
ولابد أولا من تعريف المقصود بالسُمنة من الناحية الطبية البحتة. فمؤشر كتلة جسم الأنسان أنما يساوي وزن الجسم بالكيلوغرام مقسوما على مربع الطول عنده مما يعطي وحدة رقمية يرمز لها بالكغم/المتر المربع طولا. فأذا كان هذا المؤشر بين 25-29.9 أصطلحنا على ذلك بزيادة وزنية أما أذا زاد المؤشر عن 30 كان ذلك سُمنة. ولتكوين الجسم من عضلات وشحوم أو مواد دهنية دوره في تحديد المعنى للسُمنة. فالأنثى التي تحمل في جسمها أكثر من 30% وزنا من الشحوم، أو الذكر الذي تكون عنده هذه النسبة بمقدار 25% انما يكونان أقرب الى السُمنة منهما الى الطبيعي وزنا وصحة. وعليه فقد تجد جسما عضليا ولكن كمية الشحوم فيه قليلة كما الحال عند رياضيي كمال الأجسام، فلا يكون الشخص عندذاك سمينا رغم أن مؤشر كتلة جسمه عالية. وكل ذلك مما له علاقة بالشحوم والدهون في الجسم.
السُمنة.. مشكلة صحية عالمية
ولا أقول أن السُمنة مشكلة محلية فقط، بل أن العديد من دول العالم اليوم أنما تشكو من هذه السمنة بين أفراد مجتمعها، حتى لتقول الأرقام والأحصائيات أن نسبة السُمنة في أميركا مثلا قد زادت الى 30% خلال الأعوام ما بين 1980-2000. وقد سمعت أحد المحاضرين البريطانيين مؤخرا يقول منتقدا حال السُمنة بين الأنكليز: أنه كلما نحفت شاشات التلفزيون وخفّت وزنا كلما أزدادت أوزان الناس وأصبحت الأجسام ثقيلة، كناية عن الجلوس أمام شاشات التفزيون وتناول الأطعمة المختلفة مما يزيد المشكلة أستفحالا.
ومن المعروف أيضا أن النساء معرّضات أكثر من الرجال للمعاناة من السُمنة، كما أن العمر له دوره فيزداد وزن الجسم كلما تقدّم العمر. فالسُمنة ترتفع معدلا من 14% بعمر 25 عاما الى 32% بعمر ال55 عاما حتى تبدأ بعد ذلك بالأنخفاض الى 25% بعمر ال 75 عاما.
السُمنة..ما أسبابها؟
لابد من التنويه الى أهمية العموامل البيئية والوراثية في التسبب بالسُمنة عند الجنسين. فلا سُمنة دون تناول كمية من السعرات الحرارية تزيد عن حاجة الجسم أليها. وهي هذه الحاجة التي تختلف من شخص لآخر، اعتمادا على عمره ونشاطه الفيزيائي ونسبة الأيض عنده أو عملية حرق السعرات الحرارية في الجسم لأنتاج الطاقة المطلوبة. وهذا كله من عوامل البيئة التي لا يعرف بالضبط درجة تأثيرها وتفاعلها مع عوامل الوراثة والجينات في التسبب بالسُمنة. وعلى كل حال تكاد البحوث الطبية الحديثة تتفق على أن للعامل الوراثي دوره المباشر في الثلث الى الثلثين من حالات التغير في وزن الجسم  بين الناس. وببساطة ودون تعقيد الفهم على القاريء نقول، أن الجين أو المورث أوب يعتبر هو المسؤول مباشرة عن أنتاج مادة اللبتين الهرمونية البروتينية،والتي تعمل على الدماغ والغدة النخامية فيه، تلك المسؤولة عن الشهية للطعام. وهذا اللبتين لا يحمل الاّ رسالة واحدة للدماغ وخلاياه وهي تقضي بالتقليل من تناول الطعام وزيادة حرق السعرات الحرارية، فأذا اصاب أنتاج مادة اللبتين أي خلل جيني وراثي مثلا من خلال طفرة وراثية بالجين أوب، فأن ذلك بدوره سيزيد من النهم للطعام مرضيا وبالتالي ستكون السمنة واقع حال لا مفر منه. وعليه راحت مثل هذه النظريات والأدلة العلمية تثير وتحفّز العلماء والباحثين لأستعمالات العلاجات الوراثية كطريق جديد للحدّ من السُمنة.
ولعل الكسل والخمول الجسماني وعدم الفعالية الفيزيائية يعتبر العامل الحاسم والرئيس في التسبب بالسُمنة بين غالبية الناس. فالجسم الذي لا يمارس النشاط خمولا لا يحتاج الى عدد كبير من سعرات الحرارة طعاما، حتى أذا زاد تناول الطعام عن الضروري اللازم تجمع شحما في الجسم وبدأت المضاعفات على الصحة. ولابد من أن أشير الى أن نسبة الدهون فيما نتناوله من طعام لا زالت عالية، والدهون هذه بطبيعتها لا تُشعِر الأنسان بالشبع كما هو الحال مع الكاربوهيدرات أو البروتينات، وعليه تشجّع الأكلات الدسمة دهنا على تناولها دون حد، فتزداد كتلة الجسم خاصة أذا علمنا ان الدهون في الطعام أنما تحتوي على سعرات حرارية أعلى بمرتين من سعرات الحرارة الناتجة من البروتين أو الكاربوهيدرات.
كما ولوحظ أن للعوامل الأجتماعية والأقتصادية دورها في التسبب بالسُمنة، والاّ لِمَ كانت السُمنة معروفة بنسب تزيد في المجتمعات الفقيرة منها عند الغنية بصورة عامة؟ رغم أن الأحصائيات الأخيرة تشير الى أن ذلك يؤثر في النساء بمعدلات تفوق ما هو عنده الحال في الرجال. كما وأن السُمنة عند الأطفال ستظل لأسباب فسلجية وتشريحية تلاحقهم، مشكلة مستعصية على مدى سنوات الصبا والشباب أن لم يتم التعامل معها في وقت مبكر. ولا يخفى ما تسببّه التغييرات الهرمونية بعد سن اليأس في الأناث من تغيرات في توزيع الشحم في الجسم وزيادة الوزن عند المرأة. وتشير البحوث كذلك الى العلاقة بين القلق النفسي وقلة النوم والزيادة في تناول الطعام عند البعض مما يؤدي الى السُمنة. ومن أسباب السُمنة الأخرى المعروفة حالات مرضية نادرة تتسبب بها الغدد الصماء  وغيرها في الجسم مثلا، وأستعمال هرمون الأنسولين عند مرضى السكر أضافة الى أن هناك أنواعا من الأدوية التي تسبب زيادة في وزن الجسم كعرض جانبي، ومن بينها بعض من أدوية القلب كمضادات بيتا، وبعض من الأدوية المستعملة في علاج الكآبة والعُصاب.
السُمنة..مخاطرها
وليس في السُمنة أية علامة على الصحة أبدا بل أنه العكس تماما، حيث تكون عامل خطورة لأرتفاع ضغط الدم والأصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية وجلطة القلب والدماغ والأصابة بالسكر وأمراض الجهاز التنفسي، أضافة الى صعوبة الحركة وأزدياد المعاناة من أمراض المفاصل والعظام. وقد كثرت عيادات العلاج لحالات السُمنة بين الناس وخاصة في المجتمعات الغربية والتي قد تقوم بتوفير علاجات دوائية أو جراحية مجانا لمرضى السُمنة. ولكن أغلب هذه العيادات أنما يعتمد أسلوب العلاج الطبي القائم على دور المرشد الغذائي في توجيه الشخص الذي يعاني من السُمنة الى أفضل برنامج للحمية الغذائية مع أشراف من فريق كامل فيه المشرف الغذائي والناصح وفيه الممرضة النفسية أحيانا.وهناك العديد من الأدوية التي لها تأثيرها في العلاج كما أن هناك خيارات في طرق الجراحة لعلاج السُمنة مما بدأ يتنشر في المستشفيات والمراكز الصحة في العالم وبشكل متزايد لم يشهد له عصر الأنسان مثيلا.
السُمنة في العراق
ورغم عدم توفر أحصائيات صحية حديثة الاّ أن مرجعنا هنا سيكون المسح الصحي الذي أجرته منظمة الصحة العالمية عام 2006 ونشرت بعض نتائجه مجلة اللانسيت العالمية الطبية المعروفة في عددها الصادر في شهر أذار / مارس الماضي. حيث تمت الأشارة الى أن ما يقرب من نسبة 67% من البالغين العراقيين أنما يبلغ مؤشر كتلة الجسم عندهم ما يزيد عن 25 . كما أن ما يقرب من 40% من الأشخاص الذين شملهم الأستبيان الصحي قد كانوا يعانون من أرتفاع ضغط الدم الأنقباضي والأنبساطي سوية. أضافة الى أن ما يزيد عن 10% من المفحوصين قد زادت نسبة السكر في الدم عندهم عن حدها الطبيعي دلالة الأصابة بالمرض. وكل ذلك كما يتوضح مما له علاقته بالسُمنة واقعا وحقيقة. وعليه يمكن أن نقترح تشكيل لجنة من الخبراء المختصين لدراسة أبعاد مشكلة السُمنة في العراق وتحديد العوامل المسببة وطبيعة التداخل العلاجي والوقائي المطلوب. ولابد لمنظمات المجتمع المدني من أن يكون لها دورها في هذه المهمة حتى يبدأ وضع خطة عمل وطنية للحد من مرض أو داء السُمنة بين العراقيين، مما له تأثيره الأيجابي على الصحة الجسمية والنفسية وعلى سلامة المجتمع وأبنائه.