23 ديسمبر، 2024 12:52 ص

السينما الأمريكية و مشاريع الغرب المستقبلية و غفلة العرب و المسلمين

السينما الأمريكية و مشاريع الغرب المستقبلية و غفلة العرب و المسلمين

في مقترحات مشاريع عدة، و في مقالات كثيرة، سلطت الضوء على أهمية السينما الأمريكية، بإعتبارها في الواقع أبرز مَعْلَم و واجهة للحضارة الأمريكية. تطور إهتمامي بالسينما الأمريكية عبر ثلاثة مراحل. المرحلة الأولى، أثناء متابعتي للأفلام الأمريكية منذ التسعينيات من القرن الماضي، بملاحظات دقيقة و تأملات في الرسائل الجوهرية التي تعني بها هذه الأفلام، و غاياتها الثقافية و السياسية و الآيديولوجية. المرحلة الثانية، كانت اندفاعا أكثر نحو تعامل أكثر عمقا و دقة مع السينما الأمريكية من مجرد أخذ الإنطباعات و الملاحظات الشخصية. هذا الإندفاع جاء بعد أن التقيت بالصديق الكاتب الأستاذ عبداللطيف ياسين (رئيس تحرير جريدة الأفق العربي التي كانت تصدر في أربيل) في عام 2006، والذي أجرى معي لقاءا صحافيا، ثم على هامش اللقاء تحدثنا عن أمور كثيرة منها السينما الأمريكية. واندهشتُ فعلا حين أخبرني أنه قام بكتابة 300 بحث عن أفلام هووليود و السينما الأمريكية. ويبدو أنه كان يواجه قلّة الإهتمام بالموضوع الذي قضى وقتا طويلا في إنجازه. في عام 2007 نشرت مقالا كمراجعة لفيلم أمريكي، في موقع إيلاف، بعنوان “هل المملكة تسئ إلى السعوديين و المسلمين” و افترحت إنشاء مؤسسة سينمائية عربية (https://elaph.com/Web/AsdaElaph/2007/10/274393.html). ثم كتبت مقالا في نقد مهرجان أبو ظبي للسينما. المرحلة الثالثة جاءت منذ عام 2010 بعد دراستي الجامعية في الغرب حيث كانت السينما حاضرة في الإختصاصات الثلاث التي أكملتها وهي (الفلسفة، التأريخ ثم السياسة و العلاقات الدولية). ومن أبرز ما درست في المرحلة الجامعية، في ما يتصل بالأفلام، كان “الفلسفة و الفيلم” في قسم الفلسفة، و دور الصورة و الفيلم في تأريخ أمريكا (لا سيما في الحرب العالمية الثانية) في قسم التأريخ. عدا عما ذكرت، كانت الأفلام و الصور و الأعمال السينمائية حاضرة في أكثر من مادة في الأقسام الثلاث، لا سيما قسمي الفلسفة و التأريخ. و استمر إهتمامي بهذا الجانب كجزء حاضر في مرحلة الدراسات العليا.
في تلك السنوات، تكونت لدي فكرة إنشاء مؤسسة دراسات و أبحاث متخصصة في مجال السينما و الأفلام الأمريكية. و على هذا الأساس، قدمت أربع مقترحات مشاريع إلى حكومة إقليم كُردستان في عام 2013، و قد نُشر مضمون المقترح الأول في صحيفة “رووداو” الكُردية بأربيل. في ذلك الوقت مازحني أحد الزملاء، و كان في مزحه كل الجد، وكان يعمل في مجلس الوزراء أن المسؤولين في الحكومة لا يهتمون إلا بمشاريع تتعلق بالبنات و الفنون التي يكون فيها الجنس اللطيف هو المحور! استلمتْ وزارة الثقافة، ورئاسة الإقليم و رئاسة مجلس الوزراء مقترحاتي، لكن أحدا لم ينبس ببنت شفة. وكانت ممثلية الإقليم في الخارج قد بعثت بمقترحاتي بشكل رسمي إلى هذه الجهات.
في عام 2016 بعثت بهذه المقترحات إلى دولة قطر، ثم في بداية عام 2018 زرت الدوحة، وسلمت هذه المقترحات إلى الدكتور علي القرةداغي في مقر الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين بمنطقة الدفنة، مع تفصيل في المقترح الأول الذي عنونته بـ “مقترح مشروع نهضة الأمة” (من الخواطر التي مازلت عالقة في ذهني، أنه عندما اتصلت بمقر الإتحاد في الدوحة وتحدثت مع الدكتور وليد الحيدري لترتيب وقت زيارتي لمقر الإتحاد، سألته عن العنوان، فذكر لي أنه يقع في منطقة الدفنة. فقلت في نفسي: هذا ليس فأل خير و أن المقترحات مصيرها الدفن. وأخبرت الدكتور الحيدري بهذه الخاطرة حول الإسم المذكور حين التقيت به في مقر الإتحاد، وقلت له أما وجدوا إسما أفضل من هذا، فقال ان هذه المنطقة كانت مدفناً لهذا سميت بالدفنة). أخبرني الدكتور علي القرةداغي أنه سيوصل المقترحات إلى مركز دراسات تابعة لقناة الجزيرة، و يحاول أن يوصل نسخة إلى أمير قطر (مع أن نسخة كانت قد وصلت حكومة قطر عن طريق السفارة على أي حال). المقترح الرابع كنت قد وضعته معلقا دون ذكر، ريثما أجد جوابا، إن كان هناك إي إهتمام بالمقترحات. وكما توقعت لم يكن هناك أدنى إهتمام بهذه المقترحات. المقترح الرابع كان يتعلق ببناء مؤسسة دراسات و أبحاث متخصصة في مجال السينما الأمريكية و أفلام هوليوود. تحدثت عن هذا المقترح في مقال لي بعنوان ” وكالة مشروع البحث المتقدم للدفاع «داربا» الأمريكية: مخاطر المستقبل!” المنشور في موقع ساسةبوست في فبراير 2018 (رابط المقال في الأسفل). ثم بعد ذلك، نشرت مضمون المقترحات في نفس الموقع. للأسف لم يكن هناك إهتمام بهذه المقترحات من قبل قطر. و على هذا المنوال، قدمت هذه المقترحات -وأنا يائس فعلا- إلى دول أخرى منها الإمارات (رئيس وزرائها)، و إلى الكويت (أميرها و رئيس الوزراء أيضا)، و إلى تركيا (الرئيس أردوغان و حزب العدالة و التنمية و داود أوغلو حيث سلمتهم المقترحات شخصيا)، ثم ماليزيا (رئيس الوزراء). وهذه المقترحات وصلت إلى أماكنها إما عبر اليد أو عن طريق السفارات بالبريد الألكتروني. كنت فعلا يائسا، ولم يكن لدي أي أمل أن تلقى هذه المقترحات أي إستجابة، لكنني حرصت على أن أقدمها إلى هذه الدول، التي لديها إمكانيات كبيرة، فقط من أجل التوثيق و كشهادة موثقة و حيّة على مرحلة هابطة من مراحل تأريخ أمتنا.
تذكرت هذا الأمر، لأن صديقا سوريا و هو مثقف و ناشط سياسي نصحني بمشاهدة الفيلم الأمريكي (contagion)، لكنني أخبرته أنني شاهدته منذ سنوات و ناقشناه في الجامعة في مادة (الفلسفة و الفيلم). وكذلك، نشر الدكتور فيصل القاسم في صفحته على الفيسبوك مندهشا و متعجبا من قدرة السينما الأمريكية على إنتاج أفلام تتحدث عن المستقبل. لقد تحدثت في مقالات كثيرة عن أهمية الأفلام الهوليوودية، و أن لها أعمالا ومرامي أبعد من الترفيه الذي تستغرق فيه الشعوب الشرقية. في مقال حول داربا الأمريكية كتبتُ في فقرة من المقال:
السينما الأمريكية والسياسات المستقبلية للغرب
الكثير من السياسات الغربية، ونتائج الأبحاث العلمية، تبوح أو تظهر في السينما الغربية. للأسف الشديد، بدل أن يؤسس العرب مؤسسة تحليل أكاديمية للأفلام السينمائية الأمريكية، نجد أن الثقافة المتعلقة بالأفلام الأمريكية في العالم العربي فقيرة جدا إلى درجة الانعدام. الأفلام الأمريكية في عالمنا ليست سوى أوقات للتسلية واللهو. ومن المفضل أن نطرح هنا، أمام الدول العربية الغنية، اقتراح القيام ببناء مؤسسة تحليلية للسينما الأمريكية، تساعد وتؤهل الإنسان العربي على فهم ما يدور حوله، وبالذات ما يدور في الغرب؛ لأنه هو السيد القوي في العالم بين أمم الأرض، ويتطور دون توقف ويحمل في أحشائه خطرًا عظيمًا ليس له مثيل في التأريخ. يستطيع العرب توفير بعض الأموال، التي تصرف على الحفلات الليلية وفضائيات اللهو، لتوظيفها من أجل مشاريع مستقبلية تخدم الأجيال العربية القادمة، التي تواجه خطرًا أعظم من الذي نعيشه نحن أبناء جيلنا المعاصر (https://www.sasapost.com/opinion/darpa/).
إلى جانب مشاريع عدة ظلت في مخيلتي وتفكيري لسنين، كنت أحلم ببناء مؤسسة تحليلية للدراسات و الأبحاث حول السينما الأمريكية الهوليوودية. وكانت الخطة قد ارتسمت بتفاصيلها في تفكيري، وفعلت ماكان يجب أن أفعله في تقديم المقترحات إلى عدة دول، رغم أنني لم أكن متفائلا يوما بخصوص هذه المشاريع. كانت أحلاماً مجردة، ولكنني لست نادما على هذه الأحلام و تقديمها إلى هذه الدول. إنما الأعمال بالنيات.