يبدو واضحا ان الحل العسكري بات الخيار الوحيد ( والقريب جدا ) الذي سيشرع به المجتمع الدولي لانهاء الصراع في سوريا .
وضوح هذا الخيار يأتي من خلال معطيات عدّة اعلنت عنها العديد من الدول ، خاصة تلك المتحمّسة لانهاء نظام بشّار الاسد . ومن بين تلك المعطيات :
اولا : اعلان البيت الابيض ان الرئيس الاميركي باراك اوباما يعكف حاليا على دراسة سبل القيام بعمل عسكري حاسم بعد وصول الادارة الاميركية الى قناعة تامةبان النظام السوري استخدم بالفعل السلحة الكيمياوية المحرّمة ضدّ شعبه ، وبذلك فهو قد عبر الخطوط الحمراء التي كانت قد اعلنت عنها تلك الادارة .
ثانيا : اعلان بريطانيا استعدادها الكامل للمشاركة الفاعلة في اي عمل عسكري في سوريا ، خاصة وانها كانت في مقدمة الاصوات الداعية الى القيام بمثل هذا العمل ، على الرغم من تصريحها انها لم تتخذ فعليا بعد ، قرار البدء بالتنفيذ الذي هو في الواقع لم يبدأ بعد .
ثالثا : تأكيدات فرنسا القاطعة ، ان عملا مهما سيحدث في الايام القليلة المقبلة لحسم الصراع في سورّيا ، وان لم تتم الاشارة هنا ، الى ان هذا العمل انما هو توجيه ضربة عسكرية ينفذها المجتمع الدولي ضد نظام بشار الاسد .
رابعا : تصريحات المانيا واستراليا الاخيرة التي اكدت وقوفهما ومشاركتهما في اية عملية عسكرية تنهي النظام القائم في سوريا ، بشرط توافق المجتمع الدولي على قرار بهذا الخصوص .
خامسا : وفي الجانب الآخر ، فان روسيا الداعم الاكبر لنظام بشار الاسد والتي ظلت عقبة بوجه اي قرار دولي يدين اعمال هذا النظام ضد شعبه طيلة سنتين ، اعلنت اخيرا تخليها عن نظام دمشق ، وانها ستكتفي بعدم المشاركة في اي عمل عسكري دولي ، مع اشارة خجولة تطالب فيها بتوفير ادلة قاطعة على تورط هذا النظام بالفعل في جريمة استخدام الاسلحة الكيمياوية.
ولسنا هنا بصدد الاشارة الى اسباب قيام روسيا بتخليها عن نظام بشّار الاسد كما تخلّت في السابق عن نظام صدام حسين وانظمة عربية اخرى واجهت نفس المصير الذي يواجهه نظام بشار الاسد اليوم ، بعد ان تقبض في كل مرّة ثمن دخولها كطرف داعم لمثل هذه الانظمة عبر عقود كبيرة لبيع السلاح .. لكننا هنا بصدد اثارة العديد من الاسئلة التي يمكن ان تدور في اذهان العديد من المراقبين والمتابعين لمجرى الاحداث في سوريا ، للوصول الى قراءة واقعية لبعض اسباب وملابسات ونتائج قيام عمل عسكري في هذا الوقت بالذات .
السؤال الابرز والاكثر اثارة هنا هو : لماذا ظهر السيناريو العسكري الآن وفي هذا التوقيت بالذات ، على الرغم من ان النظام السوري سبق وان استخدم الاسلحة الكيمياوية قبل هذا التاريخ ( على نطاق محدود ) ، وعلى الرغم من ان الجميع كان يعرف ان نظام بشار الاسد لم يكن ليستجيب للدعوات الدولية المتكررة بضرورة ايجاد حل سلمي للصراع ، وانه ( اي نظام بشار ) لن يجلس على طاولة حوار مع اي شكل من اشكال المعارضة ، لانه ببساطة ليس من الانظمة التي تؤمن بمثل هذه الحلول ، وهو لن يفرّط بالسلطة بهذه السهولة؟
وهذا السؤال بقدر اهميته فانه لا يحتاج الى جهد جهيد للاجابة عليه ، بسبب ان كثيرا من المتابعين كانوا يعرفون ان الهدف من وراء ابقاء الحال في سوريا تحت النزيف لمدة تزيد على السنتين ،هو لأنهاك الاطراف المتصارعة جميعها ، بما فيها قوات المعارضة والقوات النظامية ، وحتى الانظمة الساندة لها بالمال والرجال والسلاح . وبالتالي قبول تلك الاطراف بأي حل كان ، طالما انه ينهي هذه المعاناة الطويلة ومهما كانت النتائج .
السؤال الآخر والذي لا تقل أهميته عن السؤال الاول:
لماذا أقدم النظام السوري على قرار استخدام السلاح الكيمياوي على نطاق اوسع هذه المرّة ، رغم علمه الاكيد ان هذا الخيار سيؤلب الرأي العام العالمي ، ويعطي ذريعة مشروعة ومقبولة لأطراف دولية للقيام بعمل عسكري رادع ضده ، سيكون بمثابة القشة التي تقصم ظهر النظام ؟
هل ان النظام السوري اضطر لاستخدام السلاح الكيمياوي لانه استنفذ جميع خياراته العسكرية المؤثرة ولم تعد بيده غير هذه الورقة ليحسم بها الصراع لصالحه ؟
ام ان هناك اطرافا تعمل داخل المنظومة الامنية لنظام بشار باتت على يقين ان هذا النظام لم يعد قادرا على الاستمرار في لعبة الحرب الطويلة فاقنعوا الرئيس وورّطوه بهذا الخيار للتعجيل بسقوطه ؟
هل قامت اطراف خارجية ( كانت دوما داعمة لنظام بشار ) باسداء نصيحة قاتلة باستخدام هذا النوع من السلاح ، كونه الاكثر فاعلية في حسم الصراع لصالحه طالما ان المجتمع الدولي غير قادر على القيام بعمل عسكري لانه غير متماسك اصلا حيال مثل هذا القرار ؟
هل اعمت الانتصارات التي حققتها القوات النظامية ( بدعم من مقاتلي حزب الله وايران والعراق ) رأس النظام ، وجعلته يصدّق انه قادر على حسم الصراع لصالحه من خلال سلاح الرعب الكيمياوي ؟
أسئلة لا حصر لهايمكن ان تثار لو اطلق لها العنان في لعبة الشد السياسي والعسكري داخل سوريا ، خصوصا مع مشاركة اطراف دولية واقليمية عديدة لا تتوانى عن فعل اي شيء يمكن ان يحقق لها مصالح النفوذ والاستقطاب في المنطقة .
وازاء جملة هذه المعطيات سواء ماعرفت اسبابها ام تلك التي لم تعرف بعد ، فانه يحق لنا ان نتخيّل بعد ذلك شكل العمل العسكري الوشيك في سوريا .
فالملامح الاولى لمثل هذا العمل ، تستبعد القيام بهجوم بري تقليدي ، لتلافي الانزلاق في حرب طويلة ترهق كاهل ميزانيات الدول المشاركة فيه ، خصوصا ان هذه الميزانيات مازالت تعاني من آثار الركود الاقتصادي الذي اجتاحها قبل سنوات قريبة .
والملامح الاولى ايضا تشير الى امكانية القيام بضربات صاروخية وجوية دقيقة ومؤثرة لاهداف منتخبة وحيوية داخل الاراضي السورية ، تشل حركة النظام وتقوّض قدرته العسكرية ، والسماح لبعض فصائل المعارضة المسلحة ( وليس جميعها ) بشن هجمات نوعية داخل العاصمة دمشق وخارجها ، تتمكن من خلالها السيطرة على زمام الامور ، بمساعدة مجموعات صغيرة تضم عناصر استخباراتية وخبراء اتصالات وتوجيه من الدول المشاركة في العملية العسكرية ، بما فيها تلك المواقع التي يحتمل احتوائها على اسلحة كيمياوية ، والتي يخشى ان يقوم النظام السوري باستخدامها على نطاق واسع في حال وصوله الى نقطة اللاعودة .
وربما ( وهذا ماحصل في تجربة العراق ) سنرى عمليات هروب جماعية تقوم بها وحدات من الجيش النظامي والاجهزة الامنية الاخرى ، في محاولة منها للنجاة من الموت المحتّم في حال المواجهة ، او عمليات الثأر والانتقام التي يمكن ان تظهر في مرحلة مابعد سقوط الاسد .
وفي جميع الاحوال فان نتائج الحسم العسكري للصراع في سوريا لن تكون مختلفة عن النتاشج التي سبقتها في تجارب سقوط الانظمة الشمولية العربية ، وسيظهر علينا بشار الاسد في لحظات حكمه الاخيرة ، ليتحدث عن الفئران التي لا تستطيع ان تهز عرين الاسد .
سيحاكم بشّار ، او سيقتل في عملية دراماتيكية ، وفي احسن الاحوال سيقدم على الهرب الى خارج سوريا ، ويلجأ الى روسيا ان هي قبلت ان تستقبله . وسيترك الشعب السوري وحيدا في مواجهة استحقاقات انهيار نظام ظل يحكم اربعين عاما بالحديد والنار …