18 ديسمبر، 2024 8:42 م

السيناريو الأمريكي القادم بعد الاطاحه بالإخوان في مصر!!

السيناريو الأمريكي القادم بعد الاطاحه بالإخوان في مصر!!

منذ أواخر العام الماضي شهدت الأروقة السياسية السرية ومراكز الأبحاث في عواصم الغرب نقاشات حادة حول النتائج التي  يمكن ان يتسبب بها انفلات( المارد الإسلامي) الذي أخرجه الغرب من القمقم وسلمه عروش الجنرالات العرب  أصدقاء أمريكا وبات يتصرف خارج  النص والسيناريو الذي انطلق منه مشروع الربيع العربي الذي هو جزء من إيحاءات أفكار برنارد لويس التي تبناها المحافظون الجدد في واشنطن,,, وقد سبق العراق أشقائه في تسليم  الأمريكيين السلطة لقوى إسلاميه متناحرة منذ عشر سنوات بينما وصف معهد (راندل) حزب الحرية والعدالة التركي بأنه نموذج لما اسماه (الإسلام المعتدل) لتمييزه عن النموذج الإيراني وحلفاءه في المنطقة وقد وقف الكثيرون في حيره من امرهم عندما تخلت واشنطن عن حلفاءها العلمانيين المطيعين لتسلم السلطة على طبق من ذهب لمن اتهمتهم سابقا بالأصولية والتطرف والعداء لها ومن نعتوها بالشيطان الأكبر.
 
 كان من المستبعد عن أذهان كثيرين قبل عامين ان الغرب سيتخلى عن هذه القوه ألخارجه من أعماق التاريخ السحيق الملئ بالملابسات والدماء التي وضعت السلطة بين أصابعها وتلاعبت بها مثل حبات المسبحة واستغلت  لعبه الديمقراطية التي لاتؤمن بها للتمسك بالسلطة وإبعاد الآخرين عنها وكان من المثبط لعزائم قوى النهضة المتنورة والأحزاب اللبرالية والمثقفين العرب ان يتحالف الغرب مع إسلاميين متطرفين كانوا خصومه في ميادين الحرب على الإرهاب وقد اثبت الإسلاميون بحق أنهم قمة في البراغماتيه من العراق الى تونس ومصر  حيث زحفوا الى واشنطن وابدوا مرونة وطاعة لم يظهرها حتى الجنرالات العرب في القرن الماضي ولم يكن مستغربا أبدا ان يقف الغنوشي على سبيل المثال إمام  المنظمات اليهودية الامريكيه( الايباك) ليتكلم بمنطق سلام ربما خجل منه حتى الرئيس السادات حين زار القدس عام 1977!!!
أنها ليست المرة الأولى التي يحرك البيت الأبيض بيدقا على رقعه شطرنج سياسة الشرق الأوسط مفاجئا شعوبه ونخبه معا بالبراءة من الإخوان ومرشدهم ومشروعهم .. فبعد إحداث ال11 سبتمبر 2011 كان الجميع ينتظرون احتلال المار ينز لمنابع النفط والدولة التي جاء منها 16 من انتحاري القاعدة المزعومين وهي السعودية لكن البنتاغون صب غضبه على وجهة أخرى واحتلوا أفغانستان ثم  بلاد الرافدين مؤسسين لنظام سياسي لا يساعد على تكريس الوحدة الجغرافية للعراق والاستقرار والتطور بل على العكس… حينها عرفنا ان إبعاد المخطط تتجاوز رؤيتنا البعيدة المدى والتي هي قاصرة.

 كان مفاجئا أيضا ان واشنطن لم تكن جديه في إسقاط نظام الأسد والتدخل العسكري في سوريا على غرار ما فعلته بليبيا بل التوصل بغد عامين إلى تفاهمات مع موسكو والصين وطهران في صفقه غير معلنه تشمل المنطقة برمتها ولو بعد خراب الشام والتي تم صياغة التفاهمات بشأنها في ايرلندا  في اجتماع الدول الثمانية بنفس درجه الاستغراب حين سارعت ابو ظبي والرياض بإعلان ابتهاجها بسقوط الإخوان المسلمين في مصر  في حين يجزم احد قاده المعارضة المصرية انه لولا  تدخل واشنطن والبترودولار الخليجي ودعم  السلفية النفطية لما نجح الإخوان قبل عام في انتخابات الرئاسة المصرية وإبعاد محمد شفيق…
 غير إننا نرى ان  المستبعد تماما ان تكون المؤسسة العسكرية المصرية قد تصرفت من وحي إرادتها دون مشاوره واشنطن مما يدفع على التساؤل بعيدا عن الانفعال العاطفي او نظريه المؤامره عن حقيقة ما حصل في مصر خلال الأيام الماضية دون الوقوع في فخ التوصيفات فيما اذا كان ما حصل تصحيح او انقلاب او تمرد او ثوره والتي عشناها كمعادله مربكه منذ سقوط جدار برلين وحتى اليوم  او ان يفسر لنا  احد الطريقة  الذكية التي تم فيها تفكيك العقل العربي و الإسلامي وإعادة تركيبه ومعرفة ان كان الخلل في الثقافة الإسلامية والتراث أم فيمن ورث التراث .. أهي في الوارث أو الموروث ام كليهما معا؟؟
 فيما يرى قاده مصريون ان الجيش المصري تصرف بوحي من إرادته واستجاب لرغبه الشعب ووجه صفعه للإخوان الذين رفضوا حتى تحرك الجيش للقضاء على سبع تنظيمات جهادية في سيناء وابعد كل القوى عن صناعه القرار في مصر .

 قبل ثلاثة أسابيع حين أعلن مرسي الجهاد لإسقاط الأسد رد عليه بوتين بلغه واثقة تماما قائلا (بشار باق وأنت من سيرحل قريبا  يا مرسي) !!! واعتبر الكثيرون ان الإخوان يرتكبون خطا فادحا بتبني هذا الموقف  المحكوم بالطائفية السياسية وإرضاء بعض الدول المعادية لسوريا التي كانت على مر التاريخ مفصل علاقة مصر بآسيا والعالم العربي وإنهم بذلك ارتكبوا خطا استراتيجيا يضاف الى جمله الأخطاء في السياسة الداخلية والخارجية لجماعه الإخوان التي أثبتت أنها مجرد (غول سياسي) مغرور محشو بالتبن بلا رؤية واقعيه او نهج استغل مطارده الأنظمة  المتعاقبة له والسجون لترويج نوع من المظلوميه السياسية التي سهلت وصولهم الى السلطة بدعم عربي أمريكي سافر.

 بعد80 عاما تحقق حلم حسن ألبنا دون إن ينجح  الإخوان في أداره  شؤون مصر و معالجه همومها سواء تعلق الأمر بسد النهضة او رغيف الخبز او صياغة الدستور بل غالبا ما تصرفوا لإرضاء مموليهم العرب والبيت الأبيض وإسرائيل على حساب الأولويات الشعبية وهو ما لم يقدم عليه حتى حسني مبارك وهو ما يفسر زعل واشنطن… لكن ذلك لم يكن لوحده سببا  وحيدا في سقوطهم بل ربما لان السيناريو تغير وكان يستلزم عزل الإخوان وإغراقهم في سيل من المشاكل وقطع المساعدات العربية عنهم والضغط على حلفاءهم العرب لرفع أيديهم عنهم ودعم المعارضة الجماهيرية وملايين المتذمرين في مصر حتى السلفيين تبروا منهم بأوامر من الرياض وهو ما عجل بسقوط الإخوان رغم ان احد قادتهم كان يجزم في مسجد رابعة ألعدويه يوم 30 حزيران ان جبريل عليه السلام  خاطبه في المنام داعيا لدعم مرسي الذي سبق لهم ان شبهوه بنبي الله يوسف الذي خرج من السجن الى عرش مصر!!! فيما هتف آخرون للرئيس اوباما الذي أحرقت صوره في ميدان التحرير.

الإخوان وصلوا الى السلطة بواسطة شعارات الإسلام السياسي  البراقة والتلاعب بعواطف الملايين من المصريين والعرب غير أنهم نسوا انه بعد تسلم السلطة لم يعد يكفي ترديد شعار (الإسلام هو الحل) لإرضاء الناس  لان هناك ركاما من المشاكل ألاقتصاديه في بلد ربع سكانه عاطل عن العمل مع نسبه تقارب الثلث ممن هم في خط الفقر ودونه من سكنه المقابر والإحياء العشوائية وينمو سكانه بما يعادل مليون نسمه كل تسعه أشهر لابتلاع أي ريع ونمو ويتحكم باقتصاده 33 عائله منذ عهد مبارك وتشكل المساعدات المدنية والعسكرية الامريكيه المشروطة او كسجين إنعاش متناقص لاقتصاده فيما تمثل عائدات السياحة وقناة السويس وتحويلات المصريين المتناقصة وبعض الصادرات أهم موارد الموازنة التي تعاني من عجز مزمن وجميعها بحاجه إلى حلول انتظرها المصريون من الإخوان بفارغ الصبر!!!
 لقد أكدت تجربه الإخوان في مصر ان الدين وان استخدم كواسطة للوصول الى السلطة غير أن مروجيه قد لا يجدون إجابات كافيه لممارستها عمليا وتحقيق طموحات الملايين وحل مشاكل ألدوله الملحة وهو ما حدث بصوره أعمق واخطر في العراق الذي لولا النفط لانهارت تجربه الإسلام السياسي الأكثر تعقيدا فيه  خلا ل أشهر لا عام واحد.

 علاقة الإخوان المسلمين بالسلطة في مصر بعد عام من التخبط والفشل وإقصاء الآخرين جعلت الملايين يعيدون تقييم موقفهم من الإخوان كتنظيم عالمي سري دعمت تأسيسه المخابرات البريطانية  وكان في حاله صدام او صراع مع  ملكيه وثلاث جمهوريات في مصر وهو ما أكده عميل المخابرات البريطانية المعروف جون كولمان في كتابه عن اسرار نشأت تنظيم الإخوان في مصر  حيث يشير مؤلف أشهر 12 كتابا عن نشاط المخابرات البريطانية عندما كانت الشمس لا تغيب عن تلك الإمبراطورية العجوز ان إنشاء تنظيم الإخوان  المسلمين عام 1928م هو قرار سري ماسوني ، وذلك بدعم من  توماس ادوارد لورنس  المعروف بلورنس العرب (1888-1935 )و برتراند راسل  و وجون فيلبي الملقب بالشيخ عبد الله فيلبي الجاسوس العالمي المشهور (،1885-1960) بهدف “إبقاء الشرق الأوسط أسير الصراع بين الدين والعلمانية لنهب موارده الطبيعية وإبقائه ممزقا ضعيفا متخلفا وإجهاض أي مشروع للوحدة العربية.

 لم ينعت الغرب ما حدث في مصر في 25 يونيو قبل عامين حين أطاح العسكر بمبارك وفق اتفاقات مسبقة  معهم ومع الإخوان المسلمين الذين لم يشاركوا في الثورة حينها بأنه انقلاب عسكري لكنهم ينعتون حيلولة الجيش المصري دون حصول مجازر بين المصريين والاستجابة لمعارضه فاقت عدد من خرجوا ضد مبارك وقياده الدوله من قبل شخصيات مدنيه شريفه بأنه انقلاب على الشرعية..!!!…. بيد ان نقد واشنطن وحلفاءها لما جرى في 3 يوليو قد يعطي شرعيه اكبر ومصداقية للحدث ويظهره تماما كثوره شعبيه يراد منها اليوم ان تقدم ضمانات بان أحدا لن ينفض يده من اتفاقيات السلام مع إسرائيل وهذا في مقدمه هواجسهم أكثر من شكل النظام المصري… لأول مره يكتشف الإخوان بعد فوات الأوان أنهم كانوا مجرد لعبه بيد الغرب لذلك اتهموا العسكر والسفارة الامريكيه بأنهم انقلبوا عليهم وأطاحوا بهم بانقلاب مبيت متناسين أنهم كانوا دائما هكذا على مر تاريخهم.

 لكن  صحيفة هاارتس( الأرض ) الاسرائيليه كانت أكثر صراحة  من هؤلاء حين عددت أفضليه مرسي و الإخوان لحظه سقوطهم  بأنهم  قدموا للدولة العبرية 4 مزايا خطيرة : التمسك بكامب ديفيد ودعم الفتنه الطائفية في المنطقة وغلق الإنفاق مع رفح وإقناع حماس بعدم إطلاق الصواريخ على إسرائيل وتحويلها الى نوع من البلاك ووتر في سوريا ولبنان.
 وبعيدا عن تصريحات لندن وباريس وبرلين والتذبذب المسرحي في مواقف البيت الأبيض والكونغرس بشان ما حدث في مصر فان  ما جرى في القصير وتقسيم وميدان التحرير والخليج  والمباحثات مع طالبان وواشنطن في الدوحة هي مؤشرات على إعلان صريح وواضح لا يجد المراقب صعوبة في قراءتها و التوصل لاستنتاج بان واشنطن وحلفاءها ربما نفضوا أيديهم من مشروع الإسلام السياسي في المنطقة برمتها بعد ان استنفذ أهدافه غير المعلنة ولتبرير ذلك سربوا معلومات كثيرة في الأشهر الماضية اتهموا من خلالها الإخوان بأنهم  كانوا  يخططون دون علمهم على  تغيير مسار الإحداث في الشرق الأوسط والعمل لحسابهم الخاص بتأييد ودعم انقره ودوله عربيه  و أنهم كانوا يخططون لانقلابات حتى في بعض دول الخليج لتحويل المنطقة الى كتله نار تتحرك على الضد من مصالح الغرب وان التطرف والإرهاب سيصل إلى عقر دارهم أيضا بعد ان اقترب من ضفاف المتوسط.
 لم تكن حادثه قيام احد  عناصر الجيش الحر بانتزاع قلب جندي سوري ومضغها وسحل الشيخ حسن شحاتة  التي كان لها صدى مرعب بين الأقباط قبل غيرهم  ونحر أطفال صغار في دير الزور وذبح إفريقي مسلم لجندي بريطاني وسط لندن وتقطيع الإخوان المصريين أوصال جائعين سرقا خروفا في الصعيد بإقامة الحد عليهم إلا بعضا من صور مستقبل مرعب في الشرق الأوسط الذي يقوده إسلاميون متطرفون  عرضتها وسائل الإعلام الغربية لترويع الناس من (الإسلام فوبيا) ودعم قرار حرق أوراق الإخوان المسلمين في مصر فيما تاثر الكونغرس بشهادات مسيحيين سوريين حذروا البيت الأبيض من مغبة تسليح المعارضة السورية التي تواجه مأزقا ميدانيا خطيرا.
…. لقد صدمت أجهزه المخابرات الامريكيه عند تصفيه بن لادن وما عثر في وكره في ا لباكستان من أدله خطيرة ومرعبه أظهرت ان بعض حلفاءها العرب كانوا يخوننها على فراشها وان حركه الإخوان كانت تخطط فعلا لإنشاء  (خلافه إسلاميه) يقودها المرشد العام للاخوان تمتد من تونس الى القاهرة والشام واسطنبول التي ألقت بدورها  اللائمة على الغرب في إشعال فتيل المظاهرات ضد حزب العدالة و التنمية في اسطنبول الذي هو ضمن 72 تنظيما للإخوان المسلمين في العالم.
 بعد اغتيال المعارض التونسي شكري بلعيد  وحادثه عين ميناس في الجزائر والتدخل الفرنسي في مالي وما نقله الروس للأمريكيين من اعترافات وإسرار زودتهم بها سوريا من المقاتلين العرب والأجانب الذين أسرتهم تكشفت كثير من خيوط أللعبه الحقيقية  بين واشنطن  والإسلاميين ومن استخدمتهم كورقه في مشاريعها منذ الحرب الباردة حيث جعلتهم تارة أصدقاء لها وأحيانا أعداءها حسب مقتضيات مصالحها قبل ان تسلمهم ورطه مفاتيح السلطة في أكثر من بلد عربي لحرق أخر أوراقهم  لأنها كانت تعلم أنهم بلا مشروع حقيقي لأداره ألدوله بل مجرد روايات تاريخيه وأحلام سلطويه خارج منطق العصر والتاريخ  وبالتالي فإنها لم تكن منزعجة من سلوكهم وأخطائهم وجرائمهم بحق الإنسانية بل العكس

وربما كان حزب التحرير الإسلامي الذي انشق عن الإخوان عام 1953 أول من اكتشف حقيقة الإخوان في مصر والجهات الداعمة والممولة لمشروعهم وتنظيمهم السري الماسوني الذي تقوده لندن و الذين خسروا في عام ما خططوا له على مدى 80 عاما. لكن مصر تقف اليوم على أعتاب اخطر مرحله في تاريخها بين خيارات الحرب الأهلية أو استعاده دورها القيادي في العالم العربي.
 ان ما يعنينا هنا هو هل سنتنصر أمريكا وحلفاءها للعلمانيين العرب ودوله يحمي الديمقراطية فيها العسكر الموالين للغرب (كحلقه انتقاليه) وصمام أمان على غرار دورهم ألان في مصر ومن قبل في تركيا الاتاتوركيه  بعد ان أثبتت الإحداث ان من المستحيل التعامل مع مثل هذه التيارات وفق منطق ألدوله المدنية والحرية والتعددية والمواطنة ليس في مصر لوحدها إنما في اغلب الدول التي تتحكم واشنطن بمصائرها في الشرق الأوسط  وخاصة العراق الذي كان الحلقة الأولى في مشروع الشرق الأوسط الجديد؟؟؟ هل سيكون التغيير القادم بمعطيات مختلفة في انقره أم بغداد أم الخليج أو  عاصمة أخرى بعيده عن حساباتنا نحن الذين لا نرى سوى الجزء الطافي من السفينة ولسنا سوى (أحجار على رقعة الشطرنج) كما يقول و  ليام غاي كار في كتابه هذا الذي صدر عام 1970  ؟؟؟.