في مسارين متضادين في الاتجاه متفقين في الهدف، من المتوقع ان تناقش زيارة وزير الدفاع الأميركي الى بغداد الأسبوع الجاري آليات توسيع التدخل العسكري للقوات الأميركية في تحرير الموصل من اغتصاب عناصر داعش الإرهابية، فيما شدد وزير الخارجية الإيراني في تصريح متلفز على ان بلاده ستقبل بـ(القيام بخطوة) في محاربة هذا التنظيم في العراق، لقاء تقدّم في المفاوضات النووية مع الدول الكبرى.
سؤال كبير
وفي كلا المسارين يظهر السؤال عن تلك الجهات التي دعمت « داعش» ومولته وسهلت له الاستيلاء على الموصل!!
زمنيا لا يبدو تصريح وزير الخارجية الإيراني خارج سياقات ما تجده طهران نوعا من الاستحقاقات المطلوبة لها في الاعتراف بنفوذها الإقليمي في العراق ومنطقة الخليج العربي، بعد ان أعربت فرنسا، العضو في مجموعة 5+1 (الصين والولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وروسيا وألمانيا) التي تتفاوض مع طهران، عن أملها بتحرك دول الشرق الأوسط وكذلك إيران، معاً للتصدي لـ(الدولة الإسلامية)، فجاء تصريح وزير الخارجية الإيراني في صميم الربط ما بين كلا المسارين. ما بين مفاوضات جنيف التي يقودها وزير الخارجية الأميركي جون كيري وبين أحلام داعش في تأسيس الخلافة الإسلامية من جانب، والمسعى الكردي نحو حق تقرير المصير من جانب آخر، هناك أكثر من رابط في الاواني المستطرقة التي حولت العراق الى ساحة تصفية حسابات نموذجية.
إيران تسبق
وبعد ان نجحت طهران في مغازلة واشنطن التي وصلت الى قمتها في التنازل عن دعمها لولاية رئيس الوزراء نوري المالكي الثالثة مقابل حلول أميركية على طاولة المفاوضات النووية، ويظهر هذا الميل واضحا في جولة حسين عبد اللهيان، مساعد وزير الخارجية الإيراني على عدد من الدول العربية، والتي جدد فيها الإشارات الإيرانية الى المسؤولين الاميركيين ومنذ بداية الازمة طلبوا اجراء مفاوضات وتعاطي وتعاونا على المستوى الدبلوماسي بين البلدين لتسوية الاوضاع الراهنة في العراق.
ويقر المحلل السياسي الإيراني عطاء الله مهاجري على صفحات الشرق الأوسط السعودية بانه «لا بد أن نضع في اعتبارنا أن الوطن أهم بكثير من الحكومة، والعراق أكثر أهمية من نوري المالكي. إن كردستان ملك لجميع العراقيين، وليست ملكا للأكراد وحدهم. كما أن البصرة وبغداد تنتميان لكل العراقيين، بمن فيهم الأكراد والتركمان وغيرهم».
الخيمة والسوق
والسؤال المطروح: ما الخطوة المقبلة؟
في اكثر من مرة ، اشرت الى ان عقلية تاجر السجاد الإيراني تختلف عن عقلية المفاوض العربي والعراقي خاصة، ففي الوقت الذي ما زالت اميركا تطبق أسلوب هنري كيسنجر في التعامل مع المتغيرات العربية بمفهوم «الخيمة والسوق» وهو الأسلوب الذي تدير من خلاله مفاوضاتها مع الزعامات العربية، بالتعامل مع صاحب الكلمة النافذة في الخيمة بعقلية المساومات في البيع والشراء، تختلف عن العقلية الإيرانية التي نجحت بوتائر متسارعة في نقل خسارتها من العقوبات الاقتصادية للحد من اندفاعاتها في الملف النووي وبالشكل الذي يبقي على قدراتها العسكرية، مقابل استخدامها لـ(الفوضى الخلاقة) التي اندفعت بها واشنطن لمعاقبة الدول الإسلامية بعد عملية الحادي عشر من سبتمبر، وكان الاحتلال الأميركي للعراق فرصتها الذهبية، لفرض نفوذها كما تريد على المنطقة وصولا الى الملف السوري وما فيه من معضلات، حتى بات التعامل مع القاعدة وتنظيماتها، نوعا من مد اذرع النفوذ الايراني الى الشرق الأوسط الكبير.
مساومات جنيف
كل ذلك يجعل مفاوضات جنيف تقف على حد نفاذ السيف الايراني في هذه المنطقة، للمساومة على حلول تقبلها ايران ويرفضها المجتمع الدولي ناهيك عن الرفض العربي لها لاسيما الخليجي، وكما هو الحال في الحلول السورية وأيضا اللبنانية لحكومات مقبولة دوليا وإقليميا، فان الحكومة العراقية المقبلة تقف على اعتاب هذه الحلول حتى ان الكثير من الكلام عن حلول بديلة بمؤتمرات تعقد في عمان او غيرها من الدول الخليجية لفعاليات عراقية تخرج الازمة من معطف النفوذ الإيراني تبدو بعيدة المنال، وترجع الأمور دائما الى طاولة المفاوضات النووية في جنيف. وعليه يمكن القول بلا مواربة، ان ايران تنجح في مبتغاها بقوة الأحزاب التي تحكم العراق، فيما فشلت الولايات المتحدة ومن يقف بالضد من هذا النفوذ ولن تكون أحلام داعش بالخلافة الإسلامية او السعي الكردي لتقرير المصير وإعلان دولتهم، عوامل بالضد من رغبات طهران في ملفها النووي، والتي سرعان ما تضمحل بحلول مفاجئة تتطلب من الجميع دفع فاتورة طهران النووية، نتيجة الطوفان بتدمير العراق وتقسيمه وفقا لتطبيقات المعارضين لنفوذ طهران في العراق الجديد، وهم وليس غيرهم من سهلوا له وسائل النفاذ لها، والتاريخ يسجل في صفحاته هذه الأخطاء المتكررة.
حسابات واشنطن
في المقابل لا تبدو واشنطن في حسابات الأهداف الاستراتيجية اكثر ميلا لمنح ايران مثل هذا الاعتراف المباشر، بالقدر الذي تسعى لإيجاد المجال التكتيكي المحسوب بحذر لمشاركة ايران في الجهد الدولي لمحاربة داعش ودويلتها الاسلاموية. وما بين كلا الحالين يبقى العراق ساحة لتصفية الحسابات الدولية والإقليمية والخاسر الوحيد فيه شعب العراق والمشردون من النازحين الذين تحاول الأمم المتحدة من خلال رفع البطاقة الحمراء تقديم اقصى أنواع المساعدة الإنسانية لهم. في هذا السياق، لا يمكن اعتبار ساسة اليوم في العراق بقادرين على التوصل الى توافقات سياسية للإسراع بتشكيل حكومة رئيس الوزراء المكلف حيدر العبادي لاسيما وان شرخ الخلافات الذي ورثه العبادي من حكم خلفه نوري المالكي طيلة الأعوام الثمانية الماضية بقادر على إيجاد الضمانات الدستورية للحلول التي يطالب بها العرب السنة او الاكراد.
المصائب تجمع
واذا كانت المصائب تجمع، كما يقال، فان الثمن الإيراني المطلوب للمشاركة في الجهد الدولي اغلى ثمنا من استهداف داعش ذاتها وفقا للرؤية الاستراتيجية الأميركية وحتى لبعض الدول الأوربية، وهناك احاديث تدور عن مفاوضات صعبة تجريها واشنطن مع موسكو للتوصل الى حلول إقليمية جديدة تجبر طهران على العقلانية في التعامل مع ملف محاربة تنظيم داعش ودويلته، مقابل وعود دولية تتعامل مع ملفها النووي بالشكل القانوني الذي يجبر طهران على الإمساك عند حد معين من الطموح النووي، وهو حديث متجدد عن مثل هذه الوعود التي أدت الى تخفيف العقوبات الدولية على طهران. مشكلة العراق وحتى دول الخليج العربي انها تتعامل مع متطلبات استراتيجية دولية، ما زالت طهران تتعامل مع الواقع العراقي بكونه حديقتها الخلفية التي يمكن لها توظيف وجودها الكامل فيه لتحقيق مبتغاها النووي، وهكذا هو دورها في سوريا ومع حزب الله في لبنان وحتى مع تنظيم حماس في فلسطين ناهيك عن عدد من التنظيمات الشيعية في دول الخليج العربي لاسيما في البحرين والسعودية. فهل تنتظر دول المنطقة ما يمكن ان تتوصل اليه واشنطن من خلال زيارة وزير دفاعها الى العراق لإطفاء حرائق اغتصاب الموصل والاعلان عن الانفجار الكبير للدويلة الاسلاموية التي وجدت فيها تهديدا كبيرا لمصالحها الشرق أوسطية ام ان قدرات طهران في بيع الوهم العراقي من خلال نفوذها داخل الأحزاب الشيعية هو من سيرسم خطوات المستقبل؟
الحرب سجال
الواضح ان الأميركان اكثر دراية بها من اهل الدار، لذلك طلب المستشارون الأمريكان من القوات العراقية الانسحاب من مدنية تكريت بعد ان فرضت القوات الحكومية السيطرة عليها لساعات، خوفا من خسائر بشرية كبيرة، وهو ما جرى في القتال الدائر حول قاعدة سبايكر الجوية، حيث تهاجم بأعداد متزايدة من الانتحاريين، الذين يقومون بتفجير انفسهم وسط القوات العراقية المدافعة عنها. والقضية الأساس في حروب المنظومات الصغيرة ضد القطعات النظامية وجود الحواضن الشعبية التي تمنح هذه العناصر الانتحارية ما لا تستطيع القوات النظامية القيام به لمسك الأرض لاسيما مع الفشل المتكرر في عمليات الامداد اللوجستية بالماء والغذاء والذخيرة مما يجعل المقاتل العراقي امام تحديات مصيرية في عدم الدفاع عن منجزاته العسكرية فيتبدل الوضع من انتصار ساحق على عناصر داعش او الثوار مهما اختلفت التسمية، الذين يهربون من ساحة المواجهة تكتيكيا لكي يجهزوا على القوات (المنتصرة) بعد ساعات معدودة فينتهي الفوز الكبير الذي حققه التفوق النوعي بالأسلحة الى خسائر كبيرة بالأرواح وغنائم حرب جديدة تضيف قدرات تسليحية لهم. والحل الذي يلوح بالأفق يبقى مجرد إحلال يقظة عند الكثير من العراقيين، بانقلاب تلك الحواضن على (ثوار داعش) وهذا ما حاول الجنرال علي شمخاني معرفته من خلال التساؤلات التي طرحها على الدكتور اياد السامرائي الأمين العام للحزب الإسلامي، ولكن أي نوع من التنازلات التي يمكن ان تقدمها إيران على طاولة تشكيل الحكومة المقبلة لكي تحقق هذا الانقلاب؟.. أسئلة بانتظار الإجابة!!