19 ديسمبر، 2024 1:12 ص

السيطرات الامنية وغياب الرؤية الاستراتيجية

السيطرات الامنية وغياب الرؤية الاستراتيجية

ليس هنالك ادنى شك في أن وضع نقاط التفتيش (السيطرات) باتت تشكل كابوساً للمواطن يضاف إلى مجمل همومه اليومية على المستوى المعيشي والاقتصادي والاجتماعي والتعليمي وحالة الفوضى والارباك المروري بسبب الانتشار الواسع للسيطرات والتي تكاد ان تكون بلا قيمة او جدوى امنية الا زيادة على الجهد الامني والحكومي بسبب غياب الاستراتيجية الامنية الحقيقية في التعامل مع فحص العجلات وتفتيش الأشخاص والاجراءات الروتينية المعتادة والاسئلة الشائعة التي ينفذها عناصر السيطرات والتي تم حفظها عن ظهر قلب لدى كل مواطن عراقي مغلوب على امره ،في ظل قلة الدعم وضعف الامكانات والاجهزة والتقنيات الحديثة في التعامل اللوجستي والفني مع المواد والأشخاص وطرق الكشف وأساليب التفتيش والمعالجات السريعة

ومع ظاهرة استمراربعض منتسبي السيطرات باستغلال المواطنين وابتزازهم باشكال متنوعة ، او في عدم قيامهم بالواجبات الصحيحة وعدم مراعاة الجانب الانساني ،ففي السيطرات ونقاط التفتيش المنتشرة ببغداد وخارجها تتوالى العديد من التقارير والشكاوى والدلائل على الأفعال اللاأخلاقية التي يقوم بها البعض من عناصر هذه القوات ومسؤولي السيطرات والتي تقوم بدورها في تشويه صورة القوات الامنية ودورها الكبير على المستوى الوطني وتضحياتهم وعمل فجوة ونوع من انواع التمرد والكراهية داخل عقلية وذهنية المواطن .

ولو نعود للهدف الرئيسي لنصب هذه السيطرات هو حماية أمن المواطن، الا ان هذا المواطن صار يشعر بتناقض بشأنها، بين أنه يحتاج اليها كونها ضرورة لحمايته او لحماية منصب المسؤول الحكومي ولضمان عدم تعرضه للمسائلة في حالة حدوث خرق امني ضمن قاطع مسؤوليته وبين المعاناة الكبيرة للمواطن مما تسببه له من ضيق وتذمر واحباط نفسي وعمليات تأخير عن الدوام الرسمي في مؤسسات الدولة وخصوصا طلبة الكليات والمعاهد والمدارس او الحالات المرضية الطارئة ، بل واصبحت العديد من السيطرات مرتعا لظاهرة التسول الخطيرة في المجتمع؛

لقد أصبح المواطن العراقي يخضع لأسلوب تعامل مزاجي ومتخلف وغير حضاري، وان الناس عموما اصبحوا بسبب ما يتعرضون له من إساءات البعض من منتسبي السيطرات يشعرون بنوع من الاحتقار والذل وهو يقع تحت تأثير تفتيش ما يسمى( الكلاب البوليسية k9 ) او اجباره يترجل من السيارة برفقة عائلته للاخضاع للتفتيش في ممرات خاصة اوخيم تشبه مخيمات اللاجئين؛ لذا نجد طوابير من النساء والشيوخ والاطفال يقفون في مختلف الاجواء والمواسم مكشوفين امام ممرات التفتيش بانتظار دورهم لمسح ظهورهم ومباركتهم من قبل مسؤول التفتيش الشخصي ظاهرة تذكرنا” بمعبر رفح الفلسطيني” ناهيك عن الاختناقات المرورية وإغلاق الطرق او تضييق مداخل السيطرة التي ترغم المواطن للبحث عن طرق ترابية بديلة للوصول الى منفذ فتحة السيطرة التي هي تكون بنهاية المطاف وكأنها الطريق الى جنة عدن بعد ان تخلف عاصفة ترابية بسبب الاجتياح الهائل على الطرق البديلة في موجة زخم مروري هائل وطوابير المركبات الطويلة والحمولات الذين يفترشون الارض في مشهد مأساوي ويتعرضون للابتزاز والضغوطات ويمضون احيانا عدة ايام بانتظار موافقات المرور من السيطرات الرئيسة، ظاهرة باتت تخلق اجواء من الاستياء الشعبي والقلق المتزايد والاحتكاك المباشر بين المواطن ومنتسبي السيطرات وان ماحدث مؤخرا من تداعيات في سيطرة اللج شغلت أوساط الحكومة المركزية وفتح اللجان التحقيقية ماهي الا حالة لانعكاس الظاهرة الخطيرة والتي اهتمت بها الحكومة من طرف واحد من دون الاهتمام بالطرف الاخر الا وهو معاناة المواطن وانتظاره المرير تحت اشعة الشمس الحارقة بلا مسوغ انساني ؛

لذا ندعوا المسؤولين واصحاب القرارفي الحكومة العراقية والبرلمان بوضع دراسة موضوع السيطرات دراسة مهنية عميقة للارتقاء بالواقع الأمني بالطرق والأساليب الحديثة،فالأمن الداخلي ليس مرهون بزيادة وكثرة انتشار السيطرات والسيطرة على المداخل بل بزيادة الوعي الامني وتفعيل الجهد الاستخباري واستخدام الطرق والاساليب الحديثة والاجهزة والتقنيات الحديثة في الرصد والمتابعة والمراقبة والكاميرات الامنية وتدريب المنتسبين والاعتماد على الخبرات وتطوير بنى السيطرات ومداخلها والتقنين منها للضرورات القصوى كما ان الوقوف على حل هذه الاشكالية الجدلية بين المواطن والقوات الامنية للحد من ظواهرها السلبية على امن المجتمع وكرامة المواطن والحفاظ على سمعة المؤسسة الامنية وتعزيز مفاهيم الثقة والتعاون بين المواطن والقوات الامنية . بات امرا ضروريا بل وضرورة وطنية واخلاقية وانسانية تصب في مصلحة الدولة والمواطن .