بعد التغيير الذي حصل في مصر بنجاح المشير عبدالفتاح السيسي في إزاحة نفوذ الاخوان عن الدولة المصرية و إنقاذها من”الاخونة” و تتويج ذلك بإنتخابه رئيسا للجمهورية، ومايجري في ليبيا على يد اللواء خليفه حفتر، و تمنيات و أماني في العراق بظهور سيسي عراقي ينقذ الشعب العراقي من دوامة الاحزاب الدينية و نفوذ النظام الايراني، يبدو أن موضوع السيسي بعد أن صار حديثا ذو شجون، قد خرج عن النطاق العربي ليجاوزه الى الاقليمي و تحديدا الى إيران!
رجل الدين المتشدد أحمد خاتمي، المحسوب على التيار المحافظ، حذر في خطبتي صلاة الجمعة بطهران الايرانيين من تکرار التجربة المصرية في بلادهم، داعيا الايرانيين الى الإلتفاف حول المرشد الاعلى للنظام خامنئي کي لاتتصدع البلاد، کما ذکر في الخطبة، وجاء في الخطبة أيضا و التي ألقاها خاتمي بعد يوم من إنتهاء الانتخابات المصرية التي فاز بها المشير عبدالفتاح السيسي”على الشعب أن يحافظ على الثورة حتى لا يتعرض للبلاء الذي ابتليت به مصر”، والاهم من ذلك أنه ذکرهم بقول مؤسس النظام الاسلامي في إيران الخميني:” سواء كنت بينكم أم لم أكن يجب عليكم أن تمنعوا الثورة من الوقوع في أيدي فاقدي الأصالة”، ويبدو واضحا أن خاتمي يوجه کلاما جارحا و ليس فقط مجرد نقد للنظام السياسي المصري الذي أعقب نظام الاخوان.
حديث رجل الدين المتشدد هذا، ليس بحديث جديد، من حيث تناوله لمسألة تتعلق بتغيير النظام، والذي يشکل الهاجس و الکابوس الرئيسي المستمر للنظام، لکن النظام عندما يتناول التجربة المصرية فذلك يعني إعتراف ضمني بنجاحها و رعب من تکرارها و إستنساخها في بلدان محددة في المنطقة خصوصا العراق و حتى سوريا نفسها بل وحتى إيران بحد ذاتها، لأنه وبعد کل تلك الفوضى و أحداث الشغب التي قام بها الاخوان داخليا و تلك الحملة الاعلامية المکثفة خارجيا، فقد صفت و إنتهت و حسمت لصالح السيسي، بمعنى أن اغلبية الشعب المصري قد صوتت للنظام الجديد”المتجسد و المتمثل بالسيسي”، ورفضت و ترکت وراء ظهورها النموذج الاخواني، وهذه حالة تثير الرعب لنظام ولاية الفقيه في إيران أکثر من أي نظام آخر في المنطقة، ولأن الشعب الايراني شعب واع و نبه، فمن المؤکد بأنه سيتمعن و يدقق مليا في التجربة المصرية و ماتفرزه من معان و دلالات و مؤشرات ذات مغزى عميق، وأهم معنى و مؤشر يمکن إستخلاصه من هذه التجربة، أن الشعب المصري المسلم و مع تمسکه بإسلامه”وهذه نقطة بالغـة الاهمية” فإنه لايريد حکما دينيا، وإذا ماعلمنا بأن مصر تعتبر بوصلة بل و نبض العالمين العربي و الاسلامي(ذو المذهب السني)، فإن نجاح السيسي يعني قراءة الفاتحة على مساع الاسلام السياسي في مصر و
إنتظار المرحلة التالية التي ستقود لإنحسار ظاهرة”الدولة الدينية”، في المنطقة، ويبدو أن النظام الايراني يعلم جيدا بأن هذا الامر يعنيه قبل أي واحد آخر، خصوصا وان الاوضاع في إيران أکثر من سيئة و يمکن أن تأخذ أکثر من سياق و إتجاه.
التغيير في إيران، حلم الشارع الايراني الاکبر، وان إنتفاضة 2009، جسدت هذه الحقيقة الدامغة بکل جلاء، فيما نجد أن المعارضة الايرانية النشيطة المتمثلة بالمجلس الوطني للمقاومة الايرانية و التي تقوم کل عام بإقامة العديد من المؤتمرات الحاشدة التي تدعو فيها للتغيير ولاسيما التجمع الضخم للإيرانيين و الذي سيقام في 27 حزيران القادم في باريس ومن المؤمل حضور أکثر من 100 ألف إيراني فيه، والذي تحشد له منذ شهر و ترکز فيه على مسألة التغيير في إيران کحل وحيد للأوضاع في إيران و للکثير من المشاکل و الازمات في المنطقة و على رأسها مايحدث في سوريا و العراق، ومن الواضح أن الاشهر القادمة سوف لن تکون مريحة ولا باعثة على الاطمئنان بالمرة بالنسبة لطهران!