23 ديسمبر، 2024 5:56 ص

السيستاني وتحمل المسؤولية … أين هو الآن وما سبب سكوته ؟!‎

السيستاني وتحمل المسؤولية … أين هو الآن وما سبب سكوته ؟!‎

يمارس كل فرد منّا في مجتمعه مجموعة من المسؤوليات التي يفرضها عليه مكان وجوده وقدراته, ومقدار معرفة الفرد لمسؤولياته وفهمه لها, ثم حِرصه على تحقيق المصلحة والفائدة المرجوة منها، يجعل المجتمع متعاوناً فعالاً تسوده مشاعر الانسجام والمودة بين أفراده, ويُعد الحديث الآتي أصلاً من أصول الشرعية التي تقرر مبدأ المسؤولية الشاملة في الدين الإسلامي الحنيف, حيث قال رسول الله ” صلى الله عليه وآله وسلم ” ((كلكم راعٍ وكلكم مسؤولٌ عن رعيته؛ الإمام راعٍ ومسؤولٌ عن رعيته، والرجل راعٍ في أهله وهو مسؤولٌ عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راعٍ في مال سيده ومسؤولٌ عن رعيته، فكلكم راعٍ ومسؤولٌ عن رعيته)), قررت الشريعة الإسلامية مبدأ المسؤولية الشاملة في المجتمع الإسلامي وحملت كل فرد فيه مجموعة من المسؤوليات التي تتفق وموقعه وقدراته، وقد ذكر الرسول الكريم ” صلى الله عليه وآله وسلم ” في هذا الحديث مجموعة من المسؤوليات الخاصة لبعض من أفراد المجتمع أبرزها مسؤولية الحاكم وأشار إليها بلفظ “راعٍ”.
فالحاكم هو صاحب الولاية العامة على شؤون الناس عامة، المكلف منهم بتطبيق شرع الله وتنفيذ أحكامة والالتزام بها، والحرص على تحقيق مصالح الرعية جميعاً وحفظ حقوقها، والعمل على حفظ أمن الدولة واستقرارها، سواء على الصعيد الداخلي أو الصعيد الخارجي, وقد حذر الإسلام الحاكم من أي تقصير في القيام بمسؤولياته هذه، وقرر مبدأ المساءلة والمحاسبة عليها في الدنيا والآخرة, وبما إن العراق بلد مسلم ويعتقد بمسؤولية المرجعية الدينية ويخضع لها, أصبحت كل تحركاته الدينية و الإجتماعية والسياسية خاضعة لتوجيه ورعاية من حمل عنوان المرجعية, فكان لمرجعية السيستاني – على الرغم من فراغها من كل المقومات – الدور الأبرز في رسم الخارطة السياسية في العراق منذ عام 2003 م وليومنا هذا, وهذا بحكم تسلطها على الماكنة الإعلامية وتعاونها مع المحتلين سواء الأميركي أو الإيراني أو أي محتل آخر, الأمر الذي جعلها تدعي المسؤولية والوصاية على الشعب العراقي.
فكانت نتيجة ذلك هو التصويت على دستور برايمر الملغوم بالثغرات التي استفاد منها ساسة الصدفة والفساد وحكومات الإحتلال, وكذلك تربع المفسدين وساسة الفحش والفساد والعمالة على عرش العراق, ودخول العراق في أزمات أمنية وسياسة وإقتصادية, إتساع رقعة الطائفية بين أبناء الشعب العراقي, الهرج والمرج الذي حصل جراء فتوى ” الجهاد ” والتي تشكلت على ضوءها المليشيات الإيرانية الإجرامية ومن قبلها قوات الإحتلال الأميركي التي عاثت بأرض الرافدين الفساد, وكل ذلك نتيجة تدخلات مرجعية السيستاني, حتى وصل الحال إلى ما هو عليه الآن من فوضى تعصف بالعراق من شماله إلى جنوبه.
وهاهو المشهد السياسي العراقي اليوم في قمة الصراع بين ساسة الفساد الذين جاء بهم السيستاني إلى السلطة بفتوى وجوب انتخابهم يتصارعون في ما بينهم على كعكة الحكم مستغلين في ذلك المطالب الجماهيرية بالتغيير والإصلاح ومع ذلك تهرب السيستاني من مسؤوليته ووصايته على الشعب واعتزل الرأي السياسي !!! فأين هو من مسؤوليته على الشعب ؟ وأين هو من تحمله تبعات ما يحدث الآن ؟ أليس كل ما جرى ويجري بسببه وبسبب تدخلاته ؟! لماذا لا يعطي رأيه بخصوص ما يحدث الآن من صراع بين من يدعون الإصلاح وبين معارضيه ؟! هذه المليشيات التي تشكلت بفتواه تصول وتجول في أروقة المنطقة الخضراء لحماية الساسة المفسدين أين هو منها ؟ ولماذا إتخذ جانب الصمت ؟ ألم يقل بأنه سيبدي رأيه في حال تطلب الأمر ذلك ؟ فهل مازال الوضع لم يتطلب بأن ينطق بكلمة ؟.
لكن سكوته هذا لا يمكن تفسيره إلا بأمر واحد وهو : أنه أيقن بأن الصراع الحاصل الآن هو بين قوى دولية استكبارية, ولا يمكن أن يعطي رأيه الآن حتى يرى الكفة لمن تميل ومن ثم يفتي لهذه الكفة, فإن كانت لإيران ومليشياتها وساستها, أفتى لصالحها, وإن كانت لأميركا وساستها, أفتى لصالحها, هذا هو السبب الحقيقي لسكوته, وقد صدق المرجع العراقي الصرخي عندما قال في استفتاء ” أميركا والسعودية وإيران….صراع في العراق ” وعندما سُئل عن موقف السيستاني من تدخل الدول في الشأن العراقي, حيث أجاب ((
5ـ أما اتفاق السيستاني معهم فلأن وظيفته لا تتعدى ذلك، أي لا تتعدى مطابقة وشَرْعَنة ما يريدُه الأقوى، فكيف إذا كانت الأطراف المتصارعة كلها قد اتفقت على أمر معين؟! )), وبالفعل وظيفة السيستاني لا تتعدى ذلك, أي إصدار الفتوى للأقوى, فعندما كان المحتل الأميركي هو المهيمن صدرت من السيستاني فتوى تحريم الجهاد ضد الإحتلال والتي ساندتها فتوى سحب السلاح من المقاومة الوطنية الشريفة, وعندما أصبح الإحتلال الإيراني هو المسيطر ورأيه النافذ في العراق أصدر السيستاني فتوى الجهاد التي أوجدت المليشيات وغطت على التواجد الإيراني في العراق بحجة الدفاع عن المقدسات, وهذه هي حقيقة مسؤولية السيستاني وسبب سكوته.