تغور فكرة البكاء عميقا في طبقات التاريخ عند شعب وادي الرافدين حتى تبلغ مرحلة ماقبل الدين في مملكة سومر وماسبقها ، ذلك هو التعبير الجسدي عن مشاعر التطهر الروحي وتخفيف أحزان القلب في قانون متناسق أحكمته الطبيعة البشرية لهذا المخلوق (الإنسان ).. هكذا تتحدث أحكام التراجيديا التي قال فيها ارسطو طاليس .
يذكر المستشرق (كريمر) في كتابه ألواح سومرية الذي ترجمه العلامة العراقي طه باقر ، بأن النواح والبكاء كان يرافق الإحتفالات الدينية عند السومريين .
وفي تقديري ان الذات العراقية المخضبة بالحزن سبب العاطفة الرقيقة والحنين المفرط في السلوك الغالب للعراقيين الأصلاء ، وهي احد الأسباب التي جعلت أرض العراق البشرية اخصب بقعة روحية ينبت فيها الشعر والحكمة وقلق الإيمان .
منذ الف وثلثمائة عام انعطف الحزن العراقي على مفردات لها دلالة نوعية حين دخل موضوع الإمام الحسين (ع) في سياق البنية النفسية والعقلية في تاريخ الوجد والوجود للعراقيين ، فهنا النواح يذهب نحو معنى آخر يجمع العاطفة بالرؤية والإنتماء ، ويكون الشعر والفكر وكلمة الحق خير من يختزل التعبير عن البكاء ، ويبثه بإطر دلالية جديدة .
هذه التداعيات تجعلني استحضر ماقاله الشاعر العراقي عبد الرزاق عبد الواحد، حين تلقى اتصالا من طرف المرجع الأعلى السيد علي السيستاني حين وصف السيد بكاء عبد الرزاق بأجود أنواع البكاء ، ويقصد بذلك قصائده عن الإمام الحسين ، وآخرها قصيدة (هتف البشير ) ويطيب لي ان اهديكم بمناسبة ذكرى استشهاد سيد الأحرار وزعيم الثوار الحسين بن علي بعض من ابيات قصيدة هتف البشير كما علقت بذاكرتي ؛
هتف البشير فقبل أبنك ياعلي
بالمعنيين مقبلا ومقِبـــــلِ
تدري ويدري الله قبلٌ وجدهُ
إيحاء مولده بيوم المقتــــل
ولد الذي لو جاذبته ضياؤه
شمس السماء لقيل للشمس اخجلي
ومن المرؤةُ بيدرُ في بيته
ولكل اهل الأرض حبةُ خردل ٍ
ولد الذي دمه اعزُ دمٍ جرى
لولا ابوه تبارك اسمك ياعلي
انجبته للمكرمات جميعها
وسقيته منهن نفس المنهل
لافض الله فاك ياعبد الرزاق وانت تترجم بشراكة رمزية الحسين بين الأديان والطوائف ، وتعطي درسا في طريقة البكاءوهي وتختزل حكمة غاندي وكل شهود التاريخ على هذا النور المتوهج الحسين بن علي .