وزير الدفاع في أية دولة يتم اختياره وفقا لمواصفات ومؤهلات معينة ، ولايشترط أن يكون من القيادات العسكرية ، بل يجوز ان يدخلها من الشخصيات المدنية ، التي لها إلمام بطبيعة عمل هذه الوزارة في أية دولة ، وإختيار السيد وزير الدفاع سعدون الدليمي ، كان ضمن هذا الإطار وضمن توافقات وحسابات محددة.
ودولة مثل العراق، تواجه وقد واجهت تحديات كبيرة ، وبحجم قوة العراق ومكانته ، ينبغي لمن يقودها أن يعبر عن توافقات هذا المجتمع ، ويحرص على أن يكون إبنا بارا لها ، يحافظ على أمنها وشرفها وكرامتها، ويحدد مستوى الخطر الذي تواجهه البلاد، والتحديات التي ينبغي تأشير مخاطرها، لتجنيب البلاد الكوارث ، وما لايحمد عقباه، وان يكون على أهبة الاستعداد لمواجهة أي طاريء.
ليس هذا فحسب، فمهمة وزير الدفاع في دولة مثل العراق ان يكون له حضور فاعل على مستوى البلد ويحاول قدر إمكانه ان يظهر بمظهر المدافع عن الجميع، ويكون ( رجل التوازنات ) ويرعى مصالح الجميع، ويحقق مصلحتهم ، ولا يعتدي على مشاعرهم وتقاليدهم وأعرافهم ولا يقفز فوقها، حتى وان تطلبت مهمته العسكرية تنفيذ الاوامر، لأن مهمته ليس الاقتصاص من الآخرين فقط، بل ان يحافظ على شرف أي عراقي من أن يتعرض للإمتهان، من اية جهة كانت ، حتى وان كانت في أعلى السلم الهرمي، لأنه مسؤول امام كل العراقيين وأمام الله بأنه يسهر على حالهم وأحوالهم ، ويحفظ كرامتهم ، ويقيم علاقات ود وحسن معشر مع أعمدة الدولة والمجتمع، ويعتمد على مستشارين كفوئين يقدمون له الخبرة والمشورة ، لكي لاتحرجه بعض المواقف، ويضطر للدخول في مواجهة مع أي طرف، يعود عليه، بالنقد أو بما لاترضاه أغلبية واسعة من العراقيين عن موقف معين أوسلوك ما اتخذه، في مرحلة ، وقد جوبه بمعارضة وجوه المجتمع أو من اصحاب السلطة والقرار.
ومهمة وزير الدفاع وكالة سعدون الدليمي تدخل في هذا الاطار، وهو يعرف مقدما مثل هذه المسلمات، لكن الغريب في الأمر ان السيد وزير الدفاع أدخل نفسه في مواجهات سياسية، حسبت عليه، على انه لم يكن ربما منصفا فيها ، أو إنحاز بطريقة ما الى جماعة سياسية دون أخرى، بدعوى حفظ أمن الوطن والمواطن، ولكنه نسي للأسف في مرات عدة انه ينبغي ان يكون ( رجل التوازنات ) إن صح التعبير ، وربما يسعفه اختصاصه بعلم الاجتماع القريب من علم النفس ، ان يعرف طبائع المجتمع وأهوائه وأمزجته، ولا يخرج عما يكدر خواطر الكثيرين ممن يتمنون له أن يكون رجل الجميع، عراقي الهوى والقلب والضمير، وان لا ينبغي ان يدخل في ( مواجهة ) مع أحد، أو يؤلب الرأي العام في قطاعت شعبية ضده، أو يدخل في ( إحراج ) مع قيادته السياسية، و( التوازن ) هنا هو المطلوب، فلا يخرج عن سياقات العسكرية المطلوبة، ولكن الافضل ان لايشكل مصدر إغضاب للآخرين من بني جلدته، أو يحشر نفسه في ( مواجهة ) معهم، تدخله في خانة لايرتضيها هو نفسه لها، لانهم كلهم عراقيون ، واكيد انهم لايريدون الخروج عن السياقات المتعارف عليها في ان يحفظ حقوقهم ومصالحهم، وفي أن يحقق أمنيتهم التي يتمنون فيها أن يكون إبنهم البار الذي يسهر على حفظ كرامتهم ويحفظ حقوقهم من ان يطالها الأذى او بما لايرضاه الله ، وقد واجه منذ فترة ليست بالقصيرة محاولات من هذا النوع، غير ان السيد وزير الدفاع، وجد نفسه انه في ( مواجهة ) دخلها عنوة دونما مبرر أو خطر بالغ، أدى الى ان يدخل معركة مع بني قومه ومحافظته، التي يبدو انه قد نساها ، أو أغراه منصبه، فنسي أهله ووجوه القوم ، وما يتمنون عليه، في أن يكون بمستوى طموحاتهم كوزير للدفاع ، يكون رأيه، حافظا لكرامات الجميع، دون أن يخسر أحدا.
وكان أشد الحملات التي واجهها السيد زير الدفاع وكالة، هو ما جرى من أحداث وقعت في العراق وتكررت لأكثر من مرة خلال السنوات الاخيرة، لكن ( القشة التي قصمت ظهر البعير ) في علاقة السيد وزير الدفاع مع قطاعات شعبية، كانت في احداث الحويجة ، التي ربما كانت هي ( الأسوأ ) من حيث مرارة أهل الانبار ومحافظات أخرى ، مما وجدوه ولمسوه من تصريحات من السيد وزير الدفاع ، ما كان عليه ان يضطر للنزول الى هذا المستوى من ( لغة الخطاب ) التي أشعرت اهل الانبار ان الرجل أدخل نفسه ( حشرا ) دونما مبرر في ازمة كان بالإمكان حلها بطريقة أفضل وأقل خسارة من تلك التي جرى الاندفاع فيها ، وكأن العراق امام خطر ان يبقى أو ان ينتهي، رغم ان مسرح المواجهة كان صغيرا من حيث الامكانات والثقل العسكري، ولا يحتاج الى كل هذه الحشود والى الدخول في مواجهة عسكرية، أدت الى كل ما ادت اليه من سخط قطاعات عراقية واسعة عليه، ووجدت هي في طبيعة المعركة التي تم خوض ساحتها، انها لاتستحق كل هذا السيناريو السريع المرعب، والخسائر الفادحة التي نجمت عنها، ما ولد غضبا شعبيا واسعا، أدخل الدليمي في إحراجات كبيرة، ومع هذا عاد الرجل ليدخل معركة تصريحات مع أقطاب في العملية السياسية، كان عليه ان لايتأخر في الرد عليها ، وكان سكوته لفترة اطول، ومن ثم الظهور بعدها ، وبهذا النوع من الخطاب المتشنج، ليدخل نفسه في ( أزمة ) أخرى مع بني محافظته، الذين لم يتوقعوا ان تصل المواجهة معهم الى هذا الحد، في انه أراد ان يدير ظهره لهم، بل ويستدار مائة وثمانين درجة ، ليدخل في مواجهة معهم، بدل ان يخفف من طابع ألازمة ومن حدتها التي بلغت مرحلة مرعبة ومخيفة، بل وكارثية ، لان النتائج التي أعقبتها كانت كارثية تماما، وادت الى سخط شعبي واسع، ما كان لسعدون الدليمي الذي يعرف أهله ومحافظته، ومشاعر باقي المحافظات ان يكون مضطرا للنزول الى هذا المستوى من لغة الخطاب مع أهله وبني محافظته، وكان بأمكانه ان يدير المواجهة بلا خسائر ، ويحفظ حق الجميع، ولو لم يتحدث بهذه اللغة ولم يظهر في الإعلام أصلا لكان ادعى له واسلم، لكنه زاد الطين ببلة، ولم يعد بالإمكان إصلاح ذات البين مع بني أهله في الانبار، ولو أجرى السيد سعدون الدليمي دراسات ومسح ميداني واستطلاعات رأي سريعة لعرف كم حصد من ( الخسارات ) في معاركه الاخيرة مع بني شعبه، الذين كانوا يتمنون لو انه حفظ لهم كرامتهم ، ولم يضطر الى الدخول في مواجهة معهم، أدمت مشاعرهم وقلوبهم، وخلفت جراحات عميقة ، لم يكن بالامكان نسيانها في وقت قريب.
ما قادني الى كتابة هذا المقال، زمالة ارتبطنا بها لسنوات منذ مرحلة الاعدادية وبعدها في كلية الاداب لاربع سنوات منتصف السبعينات ،، وحرصي على ان تكون سمعة الدكتور سعدون الدليمي نظيفة لاتشوبها شائبة ، وهو الذي وضعته الاقدار لكي يقود من موقع مهم من مواقع الدولة أخطر منصب في العراق، وكان الأحرى به ان يبقى بعيدا عن الدخول في مواجهة مباشرة من التصعيد الكلامي، الذي لم يكن مضطرا للنزول الى مستواه، لو أظهر حرصا على سمعته بين بني أهله وناسه ومجتمعه وقطاعات سياسية واسعة ، كانت تريد ان توجه سهام النقد اليه، في اكثر من مرة، وكان عليه ان يتحاشى تأزيم الموقف معها، لكي لايخسرها، غير إن السيد وزير الدفاع للأسف خسر الكثيرين، بل ان جهات قيادية في الدولة، لم تكن تتوقع ان ينزل خطاب الدليمي الى هذا المستوى من اللغة التي اشعرت الجميع بأنها لم تكن تليق بمستوى أستاذ في علم الاجتماع ووزير للثقافة وكالة ووزير للدفاع وكالة، وهما منصبان في غاية الخطورة والأهمية، لكن الاقدار كما يبدو شاءات وأخرجت الدليمي عن السيطرة ، ليفقد فيها أعصابه هذه المرة ، ويخرج عن السياقات المالوفة، التي لم نكن نتمنى ان يصل اليها ، لأنه أرفع من هذا المستوى بكثير، ولأن مهمته كبيرة، فعليه ان يكون بمستوى هذه الأهمية، ليربح الجميع بدلا ان يخسر كل هذه الخسارة، التي لانرضاها له ولا ترضاها له محافظته، والله من وراء القصد.