قد تكون الصدفة وحدها هي التي جعلت التطورات السياسية في العراق تتجه في مسار موحد يفضي الى تخفيف الهيمنة الايرانية على مفاصل الحياة في العراق دونما اتفاق عليها بين الفرقاء السياسيين . فالمظاهرات التي تعم مدن الجنوب (ذات الاغلبية الشيعية) وتزامنها مع الحراك السياسي الحالي في كوردستان حول منصب رئاسة الاقليم , تشير الى ان الامور في هذا البلد وصلت لحدود لم يعد بالامكان السكوت عنها دون حراك .
فبعد نجاح ايران في تشتيت المكون السني وتحييده عن الساحة السياسية باساليب شتى , التفت على المكون الشيعي للحيلولة دون انفلاته من الفلك الايراني من جهة , وحركت بعض الاحزاب الكوردستانية المتحالفة معها لبسط سيطرتها على الوضع السياسي في الاقليم من جهة اخرى . واذا كان تعاطي ايران مع المكونات العراقية مختلفا باختلاف المزاج السياسي لكل مكون , الا ان محصلة تعاطيها هي واحدة وهي السيطرة بشكل كامل على مجمل مرافق الحياة السياسية والاقتصادية فيها ناهيك عن الاجتماعية والمذهبية .
ايران والمكون الشيعي
رغم العلاقات التاريخية بين ايران والاحزاب الشيعية المشاركة في العملية السياسية منذ الالفين وثلاثة في العراق , الا انها ظلت متوجسة من احتمال خروج هذه الاحزاب من تحت سيطرتها بمجرد استقرار الوضع السياسي في العراق لصالح هذه الاحزاب , مما يشكل هاجسا دائما لهافي امكانية منافستها على زعامة التشيع , وفقدان دورها العالمي المذهبي , لما يتمتع به العراق من عوامل تجعله مرشحا لذلك .. سيما وان المراجع الشيعية العراقية يعارضون مبدا ولاية الفقيه الذي تتبناه ايران منذ ثورة الخميني . لذلك فمع دعمها للمكون الشيعي للسيطرة على العملية السياسية الا انها ولضمان مصالحها المستقبلية تحركت ومنذ الالفين وثلاثة على الاتجاهات التالية :-
1- العمل على تشكيل التحالف الوطني الذي ضم احزاب وشخصيات شيعية بحجة توحيد البيت الشيعي , مستغلة تعدد توجهات تلك الاحزاب لضمان سيطرة ايرانية طويلة الامد على المكون الشيعي سياسيا , ما ادى الى ان بقاء تلك الاحزاب اسيرة الاجندات الايرانية وبحاجة مستمرة لدعمها فيما لو ارادت البقاء على المسرح السياسي .
2- بعد تحييد المكون السني تحركت ايران باتجاه تبني نوري المالكي الذي رات فيه الشخص الطامح للتفرد بالسلطة والذي يمكن من خلاله تحقيق اجنداتها في السيطرة على العراق من جهة , وجعله ورقة ضغط على الاحزاب الشيعية الاخرى لتطويعها متى ما دعت الحاجة من جهة اخرى .
3- العمل على تشكيل مليشيات شيعية ترتبط بايران سياسيا وعقائديا , تكون جناحا عسكريا للمالكي تقوي شوكته امام منافسيه من جهة , وتحوله الى دمية تحركها كيفما ارادت من جهة اخرى .
4- حاولت ايران استغلال دخول داعش لتنفيذ اهم خيوط مخططاتها في العراق وبتنسيق مباشر مع المالكي , وذلك بانهاء أي وجود لما يمكن تسميته بالجيش
العراقي في المس بسمعته من خلال انسحابات متلاحقة غير مبررة له من مدن عراقية كثيرة , واظهار المليشيات التابعة له كقوة مسلحة وحيدة في العراق .
ايران واقليم كوردستان العراق
1- منذ تسعينات القرن الماضي وطدت ايران علاقاتها مع بعض الاحزاب الاسلامية ( الجهادية سابقا) في كوردستان ,كالحركة الاسلامية وتشظياتها مثل ( كومه له ) وجماعة علي بابير, وبتخلي هذه الاحزاب عن فكرها الجهادي ودخولها برلمان وحكومة اقليم كوردستان كاحزاب سياسية اصبحت لايران اذرع يمكن تحريكها داخل العملية السياسية في كوردستان .
2- دعمت ايران وبقوة بعض الاحزاب الكوردية السياسية رغم اختلافها الايدلوجي معها كالاتحاد الوطني الكوردستاني وحركة التغير الكوردية , وفرضت مقومات الجيوبولتيك على هذين الحزبين الارتماء الى الحضن الايراني , فتلقفتهم ايران واستخدمتهم لبث الازمة تلو الازمة في الاقليم منذ الالفين وثلاثة ولغاية يومنا هذا , وما ازمة رئاسة الاقليم المستمرة لغاية الان في كوردستان الا حلقة من حلقات التدخل الايراني في كوردستان بتواطيء واضح مع هذين الحزيين الكورديين وبعض الاحزاب الاسلامية السالفة الذكر.
في خضم هذه الاجواء يمكن لنا تمييز الخيط الاسود من الخيط الابيض من الازمة في العراق واقليم كوردستان , فاليوم هناك طرفان على الساحة العراقية .. طرف يمثل الارادة الايرانية يريد ارجاع عقارب الساعة الى الوراء , وطرف يمثل الارادة الوطنية المستقلة ممثلا باغلبية الشعب العراقي المنتفض والذي تدعمه المرجعية الشيعية في النجف وكربلاء ….هذا في العراق , اما في اقليم كوردستان فيمثل هذا التيار السيد مسعود البارزاني والاغلبية الساحقة من الشارع الكوردي . وبالتاكيد فان اغلبية المكون السني العربي يؤيد هذا التوجه الوطني ضد ايران , لتشكل هذه المصدات الخمسة سدا منيعا يمكن له ايقاف التدخلات الايرانية السافرة في الشان العراقي سواء في المركز او في اقليم كوردستان .
وهنا اجد من واجبنا ان ندعو ونطالب هذه الاطراف الخمسة للتنسيق المباشر بينها لايصال السفينة العراقية الى مرفيء الامان بعيدا عن الساحل الايراني الذي اشبع العراق فسادا وقتلا وفرقة منذ سقوط نظام البعث ولغاية يومنا هذا .