نظمت وزارة الثقافة العراقية بتاريخ 29 حزيران ندوة تناولت الخطاب الاعلامي العراقي ، شارك فيها أساتذة مختصون في الاعلام العراقي بينهم عميد كلية الاعلام الدكتور هاشم حسن واخرون ، وأود هنا تسجيل الملاحظات التالية على ماورد في هذه الندوة من نقد لتوجهات الخطاب الاعلامي العراقي وملاحظاتنا عن أسلوب متابعة خطاب الاعلام العراقي ووفقا للمحاور التالية:
1. يتذكر الدكتور هاشم حسن ان واحدة من مساويء الاعلام العراقي انه لايمتلك نظرية اعلامية أو إطار اعلامي يسير عليها القائمون على العمل الاعلامي في العراق ، وكم كان الدكتور هاشم حسن ومنهم كاتب هذه السطور ايضا يدعو في أكثر من مناسبة الى وضع ( إطار قانوني ) أو ( نظرية اعلامية ) يتفق عليها القائمون على الاعلام من كل الاطياف العراقية ، أشبه بـ ( خارطة طريق ) يمكن من خلالها قياس اتجاهات الاعلام وتوجهات روافده، واذا ما خرج عن هذه ( الثوابت ) أو هذه ( الاطر الموضوعية او لم يلتزم بها سواء كان اعلاما حكوميا او اعلام قوى سياسية وحركات معارضة يمكن تأشيره ، وعندما ( تخرق ) أية جهة هذه الاطر والمحددات يكون بمقدورنا ان نؤشر جوانب الخلل على هذه الجهة او تلك ونحاسبها وفقا لاطر قانونية ومعرفية لا ان نبقى نوجه الاتهامات جزافا على من لايشاركنا الرؤية او لا يعزف على نفس الوتر الذي نريد ان نشترك في العزف عليه، ففي عصر الاعلام الحديث ليست هناك جوقة موسيقية تعزف لحنا واحدا او تقبل بإطار عيش وتفكير واحد، لكن ( الخروج ) عن الضوابط والمحددات يبدو أكثر وضوحا، لو تم وضع مثل هذه القيم الاخلاقية كنظرية سلوك اعلامية او منهاج شرف اعلامي ، ينبغي ان تكون الدولة أول من تحترمه، لا أن تكون أول من يخرقه، ومن ثم تطلب من الآخرين احترامه.
2. كان الدكتور هاشم حسن عميد كلية الاعلام أول المتحدثين في هذه الندوة ، وقد أبدى وجهات نظره بشأن سببل تحليل توجهات الخطاب الإعلامي العراقي ، الا ان الدكتور هاشم حسن عميد كلية الاعلام في جامعة بغداد ، وهو العريق في سرد مضامين الخطاب الاعلامي العراقي منذ منتصف السبعينات لم يشر لنا عن أي خطاب يتحدث ومن يقصد ،ومن هو المعني بهذا الخطاب هل يعني خطاب الحكومة ام خطاب الطرف الاخر الذي ربما لديه وجهات نظر مخالفة للحكومة ، وهل هو يجري مقارنة بين الخطاب الاعلامي الحكومي الذي تتناوله الدولة ضمن قناة العراقية الفضائية وصحيفة الصباح ، وبين الخطاب الاعلامي للجماعات العراقية سواء الداعمة للحكومة او تلك التي تعارضها، بل ان الندوة سردت مفاهيم عامة هي اقرب الى مناصرة خطاب الدولة دون ان تغوص هي في مضامين هذا الخطاب، وهل ان قناة العراقية والجهات الاعلامية الحكومية تشترك نفسها في لغة هذا الخطاب وهي تسهم من جانبها في لغة التاجيج والتحشد الطائفي ام ان الامر يخص فقط تحليل مضامين القنوات الاعلامية الخاصة بالجهات المعارضة التي لديها وجهات نظر لا تتفق والخطاب الاعلامي الحكومي وتتعارض معه ، مثلما يتعارض الإعلام الحكومي مع هذه التوجهات .
3. ظهر الدكتور هاشم حسن وهو المعروف بعلمية توجهاته وحياديته التي يفترض ان يتحدث بها والتي عهدناها طيلة سنين طويلة من عمله الاعلامي الدؤوب وهو يصارع قلاع الدكتاتورية كما هو معروف منها ولا يخشى في الحق لومة لائم ان يبقى كما عهدناه فعلا يحلل مضامين خطاب كل جهة اذ اقتصر حديثه فقط هذه المرة عن خطاب جماعة مسلحة تم تحميل انشطتها في الاعلام بمسمى واحد، اطلق على طيف عراقي واحد يسمى خطأ / داعش / وهي كلمة استخدمتها شخصيا لأول مرة، اذ انني لا اعترف بهذا المسمى كونه أطلق كما أشرت على ( مكون واحد وعريق ) من اطياف المجتمع العراقي، معروف من هو، وهو خطاب يقع تحت اتهامات ما يسمى بـ / داعش / واهمل الخطاب الحكومي الذي هو يفوق حجم مضامين توجهاته من حيث التأجيج الطائفي والتحشيد المذهبي ، أية توجهات اعلامية أخرى ، وكم تمنيت لو ان الدكتور والاخ والزميل العزيز الاستاذ العريق في الاعلام هاشم حسن لو أجرى مقارنه بين / خطاب داعش / و/ خطاب الحكومة / لوجد ان هناك تشابها في المضامين والتوجهات الى حد كبير، ان لم يكن ان الخطاب الحكومي يتجاوز لغة الخطاب التحريضي لداعش ويتفوق عليها بالكثير في المضامين التي تخدش الذوق العراقي وتنحدر به الى مستويات ضحلة بل وسمجة ومملة ومقرفة احيانا من خطاب خلق أسفينا من تراكمات ثقيلة الوطأة لم يكن بمقدور المواطن العراقي ان يتقبل الانخراط فيها وكانت موغلة في توجيه الاتهامات الظالمة للجانب الاخر بحق او بدون ، حتى ان الدكتور هاشم حسن وبقية اساتذة الاعلام لم يتطرقوا الى انتقاد الخطاب الحكومي مثلما ينتقدون خطاب الطرف الاخر الذي يمثل جماعة تدعي انها عراقية ، ونسوا او تناسوا خطاب ست محافظات عراقية لم ترتقي في لغة خطابها المنفعل والمحرض على الطائفية بالقدر الذي يوازي ما تسرده قناة العراقية والخطاب الحكومي عموما من سمات خطاب يفتقر الى الموضوعية ولو في أبسط أشكالها، بل ان الخطاب الحكومي يتشابه في كثير مع توجهات / داعش / ويلتقي معها في كثير من المضامين والتوجهات ، ان لم يتفوق عليها في لغة الخطاب التحريضي الذي ينزل كثيرا عن مستوى خطاب داعش وعلى نطاق واسع.
4. ان تحليل مضامين الخطاب الاعلامي ، اي خطاب نريد ان نشرح مضامينه ونتعرف على توجهاته، ينبغي ان نشرحه مقارنة مع الاخر، اذ لايصح ان نترك الاعلام الحكومي ومضامينه التحريضية دون ان نغوص في مضامينه هو الاخر لكي نكون منصفين ويتقبل طروحاتنا الاخر الذي لم ننصفه ولو لمرة واحدة وبقينا أسيري الخطاب الحكومي نهرول وراءه ولم يهرول وراءنا، أي أننا للاسف الشديد تركناه على علاته يستخدم تعابير ومصطلحات لاتستسيغ ربما استخدامها حتى المنحرفات اجتماعيا ، أي أن لغته تقترب من لغة الشارع السوقية وهي اقرب الى من يعملون في مهن (الفيترجية ) مع احترامنا لهذه المهنة الشاقة وللكثيرين منهم الذي لاينزلوا بمستوياتهم الى مستوى بعض التوجهات التي نلاحظها في الاعلام العراقي ، ولا يمكن ان نقول عن مضامينها انها خطاب اعلامي لأن الاعلام يفترض ان يتسم بالموضوعية والحيادية واللياقة واحترام الاخر وان لايكون طرفا ضد الاخر، فكيف نعلم اجيالنا ومنهم المتخصصون في علوم الاعلام والحرب النفسية اصول الخطاب الاعلامي دون ان تغوض في تحديد الجهة التي نقصد خطابها ونقارنها بأخرى حتى يظهر تحليلنا وتشريحنا أقرب الى الموضوعية والطابع العلمي ، أي ان مهمة أساتذة الاعلام ان يتابعوا ويحللوا ويقارنوا ويتمعنوا وينفحصوا المضامين وفق الطرق الاحصائية المتعارف عليها، أي تحليل وتشريح لغة الخطاب الذي نود تشريحه، ومرفة تكرارتها ومضامينها ، فالاعلامي مثل الطبيب مهمته التشريح ووصف الحالة ومعرفة مسبباتها وظروفها وعلاقاتها مع الاطراف الاخرى، حينها يمكن ان نقول اننا نقوم بعملية تحليل أو تشريح للخطاب الاعلامي، وأي خطاب هل هو خطاب دولة ام خطاب طيف سياسي او خطاب مجموعة خارجة عن القانون وكم هي المجموعات الخارجة عن القانون في بلدنا ولديها خطاب تحريضي ترعاه الدولة وتحت حمايتها، كونها تلتقي معها في نفس التوجهات والاهداف والرؤى ان لم تسبق الدولة في لغة التأجيج والشحن المرعب، وما يجري من خطاب متنوع الاشكال والمضامين في العراق لايمكن ان نطلق عليه خطاب اعلامي لان كل الجهات تخرقه بدءا من الدولة الى الجماعات المسلحة التي تعشعش في العراق وتعمل براحتها ولا احد يقول لها على لسانك حاجب، ان لم يقدم لها كل وسائل الدعم والمساندة.
5. ان الصاق تهمة الارهاب بمكون واحد يعد ظلما كبيرا وإساءة الى الخطاب الاعلاميوالى الاعلام نفسه، ويبدو اننا لم نعرف من هو الاعلام الذي نقصده فهل نعني فقط خطاب / داعش / ونهمل اعلام الحكومة الذي يقابل خطاب / داعش / ويناغمه ويلتقي معه في الرؤى والتوجهات ان لم يكن خطاب / داعش / قد يرتقي من حيث اللغة فوق مستوى الاعلام الحكومي من حيث قدرته على استخدام لغة اعلامية لاتنزل الى المستوى الهابط للاعلام الحكومي، الذن نحن الاعلاميين نتحمل كلنا السكوت عن مظالمه، وعن هفواته المدمرة والمخربة في انخراطه بلغة خطاب تنزل الى مستويات اللغة السوقية في وقت يعج العراق بالمثقفين والادباء والفنانين والخبرات الاعلامية القادرة على ان تصحح مسار الاعلام العراقي وتضع له ضوابط لكي لاينحدر الى لغة الدلالات وبائعات الهوى ومن ادمن على الخروج عن القانون واعرف المجتمع واخلاقياته، حتى نحاكم كل جهة بميزان عادل نضع لها معايير وقيم اعلامية نحن من اسهمنا كأعلاميين للأسف الشديد في ان تصل الى هذا المستوى من الانحدار ولم نرتق بلغة خطابنا الى العلمية والحيادية والوصف الدقيق لننصفها ونعاونها بدل ان نكون اتباعا لها لاهثين وراء سرابها تقودنا جهات ليس لديها اية خبرة في الاعلام ولا في توجهاته، بل ان من يضع لها الضوابط والمعايير قد يستهدف وقد يتم ابعاده لانه لايتسق ورؤية الجماعة التحريضية التي لاتتعاش الا على الازمات وتأجيج حالات الانفعال، ولو اجرينا مسحا علميا ومقارنة موضوعية بين خطاب / داعش / وخطاب قنوات الحكومة وصحفها لوجدنا ان كلا التوجهين يلتقيان عند خط واحد هو التحريض على القتل والاجرام والابادة للاخر، فهما من نفس الفصيلة وينحدران من نفيس المنبع، بل ربما قد نجد ان / داعش / تجيد لغة خطابها مع جمهورها على الاقل، وتجيد فنون الحرب النفسية ، وبلغة أكثر مستساغة ، بينما يفتقر الاعلام الحكومي الى ابسط ادوات الحرب النفسية المتعارف عليها، ونحن كأعلاميين نتحمل جزءا كبيرا ممن اوقعنا الاعلام الحكومي في مطبات ما كان يفترض ان ننزلق اليها ليهبط الاعلام العراقي الى مستويات ضحلة كالتي هي عليها الان.
هذه ملاحظات وددنا سردها انطلاقا من الجانب الموضوعي الذي ينبغي ان يسير عليه العاملون الكبار في الشأن الإعلامي نرتقي بخطاب شامل للإعلام العراقي، يحترم كرامة الانسان العراقي اينما يكون في المقام الأول، وان لايكون طائفيا ومحرضا على الشحن الطائفي والمذهبي وعوامل الانقسام وان يحافظ على وحدة العراق ومكوناته وان لايسيء الى اي منها، ويحافظ على تراث العراقيين وقيمهم السمحاء ، ويشجع كل فضيلة وينبذ كل تفرقة او تمييز طائفي او عرقي، ويرفع من شأن الانسان العراقي ، ولا يثلم كرامة أي إنسان ، ان كان هناك حرص على ان نضع مؤشرات حقيقية وعملية لسبل وضع خطاب اعلامي عراقي ، يخدم الجميع، والله من وراء القصد.