كان ومازال السيد عمار الحكيم مع النظام السياسي الديمقراطي في العراق لكنه ضد سياسة التهميش والاقصاء لأي جهة سياسة او مكون عراقي . في عام 2010 ، رفض الحكيم المشاركة في حكومة المالكي الثانية على الرغم من العروض الوزارية التي قدمت للمجلس الاعلى و التي هي جزء من الاستحقاق الانتخابي والسياسي ؛ لكنه وافق على ان يكون جزءا فعالا من منضومة التحالف الوطني لتكون نافذته لدعم النظام السياسي بشكل عام من خلال تقديم النصائح للحكومة ونقدها الايجابي لتصحيح مسارها .
كان رفض المشاركة في الحكومة مبنيا على عدة حقائق منها ان السيد المالكي لن ينجح في بناء الدولة العراقية المدنية الحديثة ؛ استمدها استنادا الى تصرفات الحكومة المالكية الاولى التي عملت على اقصاء وتهميش كل من يتعارض او يتنافس بمشروعه مع المالكي .
كانت قراءات الحكيم صادقة ، بل ان الحكيم كان صادقا مع مشروعه ومع الاخرين ، لذلك وجدت فيه كل القوى السياسية المكان الامن لفك الاشتباك عندما تشعل حكومة المالكي الازمات السياسية بين كل الاطراف . وكلنا يتذكر محاولته في جمع المالكي والنجيفي والاطراف الاخرى من اجل تهدئة الاوضاع السياسية وفتح الطريق للتعاون بين السلطة التنفيذية والتشريعية في العراق من جهة وبين الحكومة المركزية وحكومة الاقليم من جهة اخرى .
بل ليس الازمات بين القوى السياسية في الداخل وحسب ، انما حتى الازمات التي حاول المالكي تصديرها للخارج كما فعل مع دول الجوار ، على سبيل المثال وليس الحصر ، مع تركيا التي سرعان ما بعثت دعوة خاصة لسماحة الحكيم لزيارتها وتهدئة الاوضاع بين العراق وتركيا .
لكن لماذا تسليط الاضواء الان على الحكيم تحديدا في موضوع شائك مثل موضوع المصالحة الوطنية في ظروف عراقية صعبة ؟
لان سلوكية الحكيم تعتمد على نظرية ان الاخلاق يجب ان تتقدم على المصالح السياسية والحزبية الضيقة والتي حاول خلال السنوات الماضية ان يجعلها اي الاخلاق الاطار العام لكل تحركاته وتصرفاته ، ايضا ، لانه موضع ثقة لدى الطرف السني والكردي من خلال تجربة الاربع سنوات الماضية .اضافة ، الى المكانة الاقليمية والدولية التي يحضى بها .
السفير الامريكي الاسبق في البحرين الصديق الدكتور سام زاخم ؛ الذي كان له ولنا شرف زيارة بغداد ولقاء السيد الحكيم قبل اشهر ، قال لي ونحن في طريق مغادرة العراق ( خلال عملي كسفير لمدة اكثر من ثلاثين عاما ، لقد التقيت واجتمعت بالعديد من القادة والروؤساء العرب والاجانب لكني لم ار في حياتي مثل هذه الاخلاق ) وقد كرر سعادة السفير نفس الكلام في واشنطن بعد العودة على مسامع اعضاء الكونغرس الامريكي واضاف ( لقد جلست معه ساعات ولم يتكلم بأي سوء عن اي شخصية سياسية عراقية او اجنبية ، كان يقول السيد المالكي ، السيد برزاني ، السيد النجيفي ، وكان يدافع عن السني والمسيحي قبل الشيعة ).
لكن السؤال المطروح هنا وهل تكفي الاخلاق وحدها في انجاح هذا الملف الشائك بدون مشروع والية ؟
نعم يملك الحكيم المشروع ايضا ، خير دليل المشروع الذي اطلقه لحل ازمة الانبار ( انبارنا الصامدة ) والتي هاجمها الاعلام التابعة للحكومة قبل غيره ، والذي حاول مع سبق الاصرار والترصد الاساءة للمبادرة ولصاحبها والتحشيد الطائفي للكسب السياسي الرخيص .
ثم ماذا ؟ عاد نفس هذا الاعلام للتطبيل لمشروع المالكي الذي هو مقتبس من مشروع الحكيم الشامل لحل ازمة الحكومة المركزية مع الانبار ، لكنه مع الاسف جاء جدا متاخر، ونسوا هجومهم السابق على المبادرة ، وليس هذا وحسب بل كيف لحكومة المالكي السابقة بعد نزيف دماء وتدمير ما تبقى من ثقة ان تساهم في الحل وهي الجزء الاكبر في المشكلة ؟؟؟
اليوم في هذه الظروف الصعبة التي اهمها احتلال محافظات عراقية من قبل الارهاب الداعشي ليس امام الحكومة العراقية القادمة سوى التركيز على المصالحة الوطنية الحقيقية كأولوية لابد منها لاهميتها ، لان المصالحة الان اصبحت مطلبا اقليميا ودوليا وداخليا ، بدون المصالحة الوطنية الحقيقة وطرح الثقة بين مكونات الشعب العراقي لن يحدث انتصار ضد داعش ولن يحصل العراق على الدعم الدولي والاقليمي خصوصا التسليح المتطور والدعم الاعلامي .
واعتقد شخصيا ان ملف المصالحة يجب ان يكون بأيادي امينة وصادقة تؤمن اساسا بالمصالحة كمشروع وطني مهم وليس مشروعا اعلاميا او سياسيا الغاية منه الكسب الرخيص ، ولا اجد اكثر امانا واخلاصا من سماحة السيد عمار الحكيم .
اتمنى واناشد السيد الحكيم ان لا يدخر جهدا في ملف المصالحة وان لايعير اي اهتمام للذين يضعون العصي في عجلة تقدم هذا الملف ، فلقد سئم الشعب العراقي الموت والدمار والحروب والفتن الطائفية ، في ذات الوقت ادعو الجميع الى فتح صفحة جديدة عنوانها المحبة والتعايش السلمي وقبول الاخر من اجل الحاضر ومستقبل الاجيال .
والله من وراء القصد .