23 ديسمبر، 2024 9:36 ص

السيد عمار الحكيم .. فقيه السياسيين وسياسي الفقهاء

السيد عمار الحكيم .. فقيه السياسيين وسياسي الفقهاء

على عكس ما يردده الاخرون اوكد بان الفقيه الذي يمارس السياسة يكون الادق والاعمق في توجيه الوعي السياسي وتشخيص مواطن الخلل والفشل وهذا ليس مجرد مزاعم او اقوال تفتقد الدليل او مفاهيم فلسفية مجردة فان الفقيه وبحسب ما تمليه عليه الرؤية المنطقية والدقة العلمية في البحث والاستنتاج يكون الاكثر ارتكازاً في بلورة الموقف كما وتضفي على منطقة ونطقه لوناً من الاحكام المؤدي الى سرعة الافهام.
بالاضافة الى امكانية الكشف والتشخيص في تحديد الموقف عن مواطن القوة ونقاط الضعف وتحديد الاولويات ومعرفة الاهم من المهم في المتزاحمات وهو ما يوفر للفقيه السياسي الادوات الممكنة في التوصل الى الحلول والعلاجات.
رؤية الفقيه السياسي وتعاطيه مع المواقف لا تخضع للانفعال او الارتجال او على التسرع في اصدار الاحكام والمواقف بل تنطلق رؤيته من اسس علمية ومقدمات منطقية لا تقبل التشكيك او الترديد رغم ان الافكار السياسية هي بالواقع قضايا انتزاعية غير محسومة ونتائجها غير القطعية بخلاف المعادلات الرياضية او الفيزيائية التي تكون نتائجها بديهية او حسابات دقيقة لا تقبل التشكيك او الترديد.
ومن هنا فان الفقيه يمتلك القدرة على التفكيك بين الاشياء والتفريع بعيداً عن الخلط والتعميم ويناقش الفكرة بكل زواياها واركانها ولا تقوده ايجابياتها الى تغافل وتجاهل السلبيات كما لا تمنعه السلبيات من البحث في عناصر القوة والايجابية.
والفقيه عندما ينفتح على الاخر لا يتجاوز المبادىء والعموميات واذا انغلق فلا يضع نفسه في مواضع التحجر والانعزال فهو المتوازن فيما تقتضيه مرونة الفكرة والمتصلب فيما تستدعيه قوة المبدأ.
ولا يعرف الاحساس الذوقي المتغير والمزاج المتقلب طريقاً في عقلية الفقيه  الذي يكون مدعماً بالفكر الاصيل الذي ينافي الرؤية المهزوزة وهو ما تبرزه سلوكيات وتصورات السياسيين من غير الفقهاء. 
 ولا يلتفت الى هذا المعنى الا من اضطلع بالعلوم الفقهية والمنطقية وعلم الرجال واصول الفقه وقدرته على ايجاد العمق في الدليل وكشف الثغرات والدقة في الطرح والمنهج.
ومن هنا فان التجربة المعاصرة اثبتت صحة ما ذكرناه فليس ثمة ما يدعو الى الادعاء على خلاف ما ندعي او التصور على عكس ما نبتني فان الفقهاء السياسيين لا تطربهم الشعارات او الهتافات الا بقدر ما يرتكز بالواقع من مفاهيم متأصلة ورؤى قويمة.
ولعل ما يميز الفقيه السياسي عن غيره هو قدرته وشفافيته للاعتراف بالخطأ او التراجع عن فكرة غير دقيقة والقبول بالفكرة الصحيحة بغض النظر عمن قالها او ذكرها ولا يكابر او يعاند امام المنطق الصحيح لانه الاكثر ادراكاً للاستجابة للمفهوم القويم والفكرة الصحيحة.
وابرز نماذج الفقيه السياسي من اعلام الفقاهة ومشاعل الشهادة والتضحية كثيرون يصعب تحديدهم في هذا السياق وان كانت الاشارة الى بعضهم ممكنة وغير مستحيلة.
الاداء السياسي لسماحة السيد عمار الحكيم  قد أتسم بالعقلانية والواقعية والمرونة رغم تعقيد المشهد السياسي في العراق ومتغيرات الحدث العراقي المتسارعة.
لعلي لا اريد استعراض مواقف السيد عمار الحكيم كلها او اغلبها فان ذلك يتطلب مجالاً لا تسعه هذه الاوراق كما يحتاج الى بحوث مفصلة ومطولة قد نؤلف كتاباً اذا اسعفتنا الظروف.
سأشير الى مشهد سحب الثقة الذي اجاد وابدع الحكيم في التعاطي معه وهو ما يؤكد اساساً الفكرة التي انطلقنا منها فان سحب الثقة كانت مادة دسمة اثارت شهية اللاعبين السياسيين ولعلها كانت الفرصة المناسبة امام الجميع لكي يعبر كل بحسبه عن تصفية حساباته مع خصومه السياسيين.
والمتوقع بان المجلس الاعلى بقيادة السيد عمار الحكيم سيكون الاكثر حماساً واندفاعاً للعبة سحب الثقة عن الحكومة لاسباب يطول ذكرها هنا بالاضافة الى طبيعة علاقته مع التحالف الكردستاني وامتداداته منذ زمن المعارضة حتى ما بعد 2003.
وعدم دخول المجلس الاعلى في تشكيلة الحكومة وانسحاب القيادي البارز في المجلس الاعلى الدكتور عادل عبد المهدي من مجلس الرئاسة رغم استقتال البعض على هذا المنصب سيعطي القناعة والاحقية في اصطفاف المجلس الاعلى مع فزعة سحب الثقة التي سارع وتسرع اليها الشركاء والفرقاء في العملية السياسية.
ثمة عوامل كثيرة وسوابق ماضوية تتعلق بالتنافس السياسي قد تبرر للمجلس الاعلى تخندقه مع لعبة سحب الثقة وقد لا يكون موقفه مستغرباً او مرفوضاً امام المتوقع والواقع ولكن ما حصل من موقف مبدئي مدروس يستدعي الثناء والاشادة بقيادة المجلس الاعلى ونجاحه في ادارة الازمة بوعي كبير بعيداً عن الانفعال او تصفية حسابات او الربح والخسارة السياسية على حساب الرؤية الواعية لمستقبل العملية السياسية في العراق.
النبل السياسي الذي تميز به السيد عمار الحكيم والمصداقية السياسية للمجلس الاعلى أثبتت بشكل واضح بان العقلية التي تدير هذا المجلس لم تكن عقلية منفردة او مستبدة بل هي عقلية جماعية تختزل كل التجارب والعقول في صناعة الموقف.
عندما يكون افق القائد بهذه السعة والشمولية التي تستوعب كل احتمالات الموقف وكل التقادير المترتبة على القرار المراد اتخاذه فان النتائج تبشر بخير ونحن بالاتجاه الصحيح.