23 ديسمبر، 2024 5:28 م

السيد علي الاديب … ما هكذا الظن بك

السيد علي الاديب … ما هكذا الظن بك

من سنين وانا اتابع اداء السيد الاديب واطلع على سياساته في مختلف مهام وشؤون الوزارة الاستراتيجية والادارية والفنية, كوني مهتما بهذا المجال من جهة, ومن جهة اخرى لمعرفتي المسبقة بالرؤى الشخصية للسيد الاديب بخصوص التعليم العالي وسبل الارتقاء بالواقع العلمي والبحثي في العراق ورغبته الاكيدة لرفعه الى مستوى البلدان المتطورة واعادة هيكلته بالشكل الذي يضمن تسخيره لصالح الانتاج والتنمية, وهذا بحد علمي ما سعى ويسعى اليه السيد الوزير منذ ان تولى مهام عمله قبل اكثر من ثلاث سنين. وطوال هذه الفترة صدرت لي مقالات عديدة, بمواقع واسماء مختلفة, اشدت بها بدور السيد الاديب وسياسته في تطوير عمل الوزارة ودعم المسيرة العلمية في الجامعات العراقية, وتحدثت بها عن شجاعة السيد وزير التعليم العالي في اتخاذ القرارات المهمة ورغبته الحقيقية في احداث تغيير جوهري في واقع الوزارة وانتشالها من الواقع الفوضوي الذي ورثته من الوزارة السابقة.
كما لا يخفى على القائمين على التعليم العالي دور السيد الاديب في دعم الدراسات العليا واسناد الدارسين والمبتعثين خارج العراق ودوره ايضا في توجيه الخطط الدراسية نحو التخصصات العلمية الحديثة المتعلقة بالواقع العلمي والانتاجي في العالم. اما فيما يخص الخطط الدراسية في داخل العراق فلقد داب السيد الاديب على زيادة اعداد المقاعد الدراسية في كل عام منذ توليه شؤون الوزارة املا برفع اعداد حاملي الشهادات العليا في البلد من جانب والتقليل من اعباء الكلف الباهضة  المترتبة من ايفاد الطلبة الى خارج العراق من جانب اخر, حتى صار من المعتاد ان ينتظر مسؤولو الدراسات العليا في الجامعات العراقية وبكل ثقة قرار توسيع القبول من قبل السيد الوزير قبيل كل عام دراسي, فكان العام قبل الماضي ان ضاعفت الوزارة خطة القبول الى مئة بالمئة, والعام الماضي وسعت القبول ايضا بما يعادل الضعف وفي كلا العامين ازداد عدد طلبة الدراسات العليا الى ضعف العدد المحدد في الجامعات من دون ان يكون لهذه الزيادة تأثير سلبي على المسيرة العلمية بالوقت الذي اسعدت تلك القرارات الاوساط الطلابية العراقية التي اعربت عن امتنانها وفرحها لشخص السيد الاديب الذي حقق احلامها وجدد امالها في الدراسات العليا.
ولكن ما لم يتوقع وما لم يكن في الحسبان موقف السيد الاديب والوزارة بشكل عام تجاه الدراسات العليا والطلبة المتقدمين لها في هذه السنة. فلقد تعمدت الجامعات المرتبطة بالوزارة في هذه السنة تقليل وتحجيم خطة قبولها الى اقل عدد ممكن من اجل الاستعداد لتلقي اوامر الوزارة الحتمية بتوسيع القبول ومضاعفته, وهو ما دعاها الى ان تقلل عدد المقاعد لجميع قنوات القبول المعتمدة لديها. وفور اعلان النتائج, صار الكثير من الطلبة الذين نحو من المنافسة ينتظرون قرار السيد الوزير المرتقب بتوسعة القبول ليشغلوا المقاعد الشاغرة ويلتحقوا بأرقانهم من الطلبة المقبولين وهذا ما لم يحدث وللأسف الشديد رغم مرور عدة اسابيع على اعلان النتائج.
اضطر الطلبة المبعدون وهم كثيرون سيما وان الفوارق العلمية بينهم وبين المقبولين تكاد تكون معدومة او قليلة جدا ان ينظموا مظاهرة امام مكتب السيد الاديب الذي التقى بممثلين عنهم ووافق رسميا على قبول طالبين اضافيين منهم على كل قناة وحينها اعلنت القناة العراقية وبعض القنوات الاعلامية خبر التوسيع واكدته الجهات الرسمية في الوزارة وصار طلبة الدراسات يشيدون بدور السيد الاديب ووقوفه الى جانبهم ويعربون عن شكرهم وامتنانهم له عبر وسائل التواصل الاجتماعي والقنوات الاعلامية المختلفة.
كانت هذه المظاهرة التي خرجت لهم بهذه النتيجة الطيبة صباح يوم الخميس المصادف 31 /10 / 2013. وبعد مراجعات متكررة للوزارة والجامعات في الاسبوع التالي تفاجئ الطلبة بان هناك تسويفا ومماطلة في تنفيذ القرار, حيث تنصل عنه المسؤولون في الوزارة ونفت الجامعات وصوله اليها الى ان اضطر الطلبة بالدعوة والتهيؤ لمظاهرة جيدة وفي ذات المكان, فكانت المظاهرة الثانية في يوم الاربعاء المصادف 6 /11 /2013. حيث مورس التضليل بحق الطلبة وعادوا ادراجهم دون اي تقدم يذكر وادعى واحتج المسؤولون بعدم وجود السيد الوزير في مكتبه آنذاك.
لم ييأس هؤلاء الشباب من الطلاب والطالبات الذين تجمعوا من كافة المذاهب والاطياف ومن محافظات العراق كافة, يجمعهم على ذلك حبهم للعلم وتفانيهم للدراسة والمعرفة.. وبعد ان شعروا ان التسويف والخداع قد بلغ ذروته بحقهم وان عليهم ان ينتفضوا لينالوا حقهم الذي غدى ارجوحة بين تكذيب القاصي وتضليل الداني لم يبق لديهم سوى الاعداد للمظاهرة الكبرى التي جعلوها يوم الاحد المصادف 10 / 11 / 2013 حيث اعدوا لها ما استطاعوا من العدة من امكانياتهم المتواضعة وقدراتهم البسيطة.
في صباح الاحد بينما الظروف المناخية اخذت تشتد قساوة وبرودة والمطر ينزل بغزارة وتسببه في غرق الكثير من الشوارع وايقاف حركة المرور والفوضى المترتبة على ذلك كان الطلبة يتوافدون بالعشرات الى مكتب السيد الوزير بالكرادة مع ما بحوزتهم من يافطات وشعارات سطرتها ايديهم وصرخت بها حناجرهم متحملين قساوة الطبيعة وزجر وتعنيف حراس الوزارة. وبعد ساعات من التقريع والتوهين والتوبيخ خرج ممثلو المتظاهرين الذين وعدوا بلقاء السيد الوزير لكنهم لم يروه ابدا بخبر يفيد ان قرار التوسيع مرهون بموافقة رؤساء الجامعة والاقسام وان على الطلاب مراجعة الجامعات!!.. وهنا تكمن العبرات, فبعد اسابيع من الشد والجذب والتطمين خرج الطلاب صفر اليدين.
ان هذه الخلاصة المتمثلة بتخويل رؤساء الجامعات وعمداء الكليات صلاحية التوسيع او الرفض حسبما يعرفها المسؤولون والطلاب على حد سواء, ليست سوى خدعة كبيرة ومسرحية يراد منها الضحك على ذقون مساكين الطلبة. لأنها بالنتيجة ستذهب بأحلامهم ما بين تعنت الجامعات وتنصل الوزارة ولن يحظى احد بالقبول سوى ذوي (الوساطات والمعارف) من المحسوبين على المتنفذين في الجامعات وهذا ما كان وما جرى في واقع الحال.
سيادة الوزير.. ماذا يعني ان يوكل عراقي ضعيف الحال والقرار, كالطالب مثلا, بعراقي اخر من ذوي السلطة والنفوذ في زمن تسيد به الظلم والاستاثار وصار الاذى والتعالي ما يملئ القلوب ويحكم الضمائر.. اليس هذا عراقنا سيادة الوزير ام لكم راي اخر. اي ظلم يا استاذنا العزيز ان نعلق مصائر هؤلاء الشباب وامالهم العريضة واحلامهم الوردية, وهم عصارة ما نملك وخير ما نرتجي للمستقبل ونجعلها رهينة النفوس المريضة والعقول المتصلبة والضمائر الميتة !؟.
أليس من المؤلم ان يتفق السياسيون رغم اختلافهم في كل الامور على توسعة عدد النواب في البرلمان برغم ما تتسبب هذه الزيادة من اعباء اقتصادية وارتفاع في حدة الخلاف السياسي والاجتماعي بينما يتم الالتفاف على زيادة نسبة الطلبة الدارسين في البلد رغم الفوائد والاهداف السامية المتوخاة من هذه الزيادة !؟.
السيد الاديب.. ماهكذا الظن بك. منذ متى وراس الهرم في السلطة يترك للموظفين الذين هم دونه حق تقرير مصائر الامة ولا يحتفظ لنفسه حق البت والفصل في الخيارات المصيرية سيما ان كانت من صلاحياته وحقوقه..!؟ هؤلاء ابنائكم وبناتكم اليوم وهم خيرة ما ربيتم وصنعتم خلال هذه الاعوام يتقاذفهم المغرضون والناقمون ما بين رافض ومتجاهل ومتحامل ومتكاسل حتى غدوا العوبة يركلها مسؤول ويرميها اخر وصار يأنف مقابلتهم صغار الموظفين في الوزارة والجامعات.
هل ترضى يا سيادة الوزير ان لا يبلغ عدد المقبولين في هذا العام ربع المقبولين في العام الماضي وانت لطالما ناديت وتنادي بالزيادة والتوسعة !؟ سيادة الوزير.. مثال واحد لا اكثر. في الجامعة التكنلوجية قسم الهندسة الكهربائية كانت خطة القسم لدراسة الدكتوراه في هندسة الاتصالات لهذا العام خمسة مقاعد ولكن لم يقبل سوى طالبين اثنين وقد كان هذا القسم يتوقع صدور قرار التوسعة لا محالة, اذ يرتفع عدد المقبولين الى اكثر مما كان مقرر, ولكن بسبب اللغط الذي حدث في موضوع التوسعة رفض القسم (التوسعة الغير ملزمة) وبقي الامر على ما هو عليه طالبين اثنين فقط لعام دراسي كامل, مع التذكير بان العام الماضي شهد قبول تسعة طلاب في ذات التخصص!
سيدي الوزير.. ان ابنائكم المتظاهرين الذين سيتظاهرون مجددا يوم الاثنين القادم كي يستصرخوا هممكم ويستنقذوا مصائرهم المعلقة ويستعيدوا حقوقهم المضيعة ليس من بينهم مغرض او متدن في وجاهة او شهادة علمية بل هم صفوة الشباب وخيرة من ربيتم وعلمتم, اقلهم شان من يمتلك الشهادة الجامعية وجلهم من حملة الماجستير واطباء ومهندسون وغيرهم فان عجزتم انتم عن رد حقوقهم فمن يا ترى سينصفهم من بعد !
معالي السيد الوزير .. ابنائكم يرجوكم ان تحرروا مصائرهم من جبروت النفوس الضيقة وتفتحوا ابواب مستقبلهم وان لا تجعلونهم رهائن عند من تأبون ان يكونوا اسيادا على ابنائكم, رسالتهم اليكم ان تحسموا امرهم بقرار منكم يلزم الجامعات بتوسيع القبول كما قررتم ووافقتم عليه سابقا بمقعدين او اكثر من طلبة الاحتياط لكل قناة وتأمرون تنفيذ القرار من دون تفويض او اجتهاد لاحد, فهؤلاء امانة الله لديكم وانتم جديرون بحفظ الامانة والسلام.