من اهم المشاكل التي تعاني منها دول العالم في التعامل مع العراق هو تعدد مصادر القرار فيه , والناتج عن تعدد مصادر القرار في المكون الشيعي الذي يمثل الاغلبية في الحكومة . هذه المشكلة تتناسب طرديا مع توسيع اسس الديمقراطية في العراق , ليس لعيب في الديمقراطية بحد ذاتها وانما لعيب في التفكير السياسي الفوضوي للمجتمع السياسي العراقي .
كانت هذه المشكلة ثانوية في الحقبة التي سبقت دخول داعش للعراق ,وكانت تنحصر في تنوع تطلعات الكتل السياسية المشاركة في العملية السياسية ( الشيعية والكوردية والسنية ) واختلاف توجهاتها ورؤاها ازاء دول الجوار ودول المجتمع الدولي الاخرى , كل مكون حسب ميوله , وكانت تحل في النهاية على مبدء التوافق الذي سرت عليه العملية السياسية منذ الالفين وثلاثة .
اما بعد دخول داعش وفرض المليشيات الشيعية لنفسها على الواقع العراقي , اصبحت مواقف هذه المليشيات مؤثرة على التوجه السياسي للحكومة العراقية , ولم تعد للحكومة العراقية ولا لدبلوماسيتها تاثير يذكر على مجمل الاحداث . وخير شاهد على هذا الكلام هو الموقف الذي دفعت باتجاهه هذه المليشيات من سفير دولة السعودية والتي اجبرت الحكومة العراقية لتبني موقفها , مما خلق احراجا كبيرا للحكومة العراقية ودبلوماسيتها .
وقد تكرر هذا الموقف عندما وجهت الحكومة الامريكية بانشاء قاعدة امريكية لها في العراق . فلم نكد نسمع الموقف الرسمي للحكومة العراقية في هذه القضية حتى انبرى زعيم احدى هذه المليشيات والذي يدعى قيس الخزعلي ليصرح عن موقفه منها , حيث لم يتوقف عند رفض هذه القواعد بل اخذه الحماس ليمتطى صهوة جواده ويبدء بالتهديد والوعيد محذرا اياها بانها سوف تعتبر احتلالا جديدا ويتعاملون معها على هذا النحو .
لسنا هنا بصدد تاييد او رفض هذا القرار الامريكي . ولن نكون محاميين للشيطان , ولكن مثل هذه التصريحات تبرر المخاوف التي تبديها اغلبية الشعب العراقي تجاه هذه المليشيات التي فرضت نفسها على الساحة العسكرية وقد بدات تفرض رايها بالمواقف السياسية في العراق .
ودعونا نوضح الاسباب التي تقف وراء استهجان العراقيين لهذه التصريحات : –
* يعتبرهذا التصريح اهانة للحكومة العراقية ومؤسستها كافة , واستهتارا برئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي ووزير خارجيته ابراهيم الجعفري , فقد تعدى قيس الخزعلي هذا على صلاحيات هذه الجهات ولم يعر لها اهتماما بل وجعل من نفسه بديلا لها .
* تصريح قيس الخزعلي هذا يعتبر تعديا على البرلمان العراقي الذي يعتبر الجهة المشرعة للقوانين تتفرع عنه لجان للعلاقات الخارجية والدفاع والامن يمكن لها ان تتبنى الموقف العراقي الرسمي , وان كان موقف المكون الشيعي بالكامل هو الرفض
لهذه القواعد فيمكن لهم ان يحققووا هذا التوجه باعتبارهم يمثلون الاغلبية في البرلمان .
* لو فرضنا ان تصريح الخزعلي اتى بالاتفاق مع حيدر العبادي والاحزاب الشيعية لجبنهم في اتخاذ موقف رافض لتوجه امريكي , فاتصور ان العبادي وهذه الاحزاب قد اخطئوا في ذلك لانهم مطالبين الان بتوضح الدور الذي تلعبه هذه المليشيات في العراق .. هل هم يمثلون الحكومة الفعلية في العراق بعد ان سيطروا على ما يسمى المؤسسة العسكرية فيه؟
* طالما سمعنا من بعض الساسة الشيعة الذين يحاولون تجميل صورة هذه المليشيات ويقننوها بقولهم انهم ينضوون تحت اشراف رئيس الوزراء وزارة الدفاع العراقية ويتامرون بامرها , ان كانوا قد تجاوزا الحدود العسكرية لهم وبكل جراءة واخذوا يحاولون فرض مواقفهم على التوجهات السياسية والامنية فكيف يمكن ان نصدق انهم ينضوون تحت اشراف المؤسسة العسكرية ؟
* ان كنا في العراق قد دخلنا في مرحلة تعدد الحكومات , حكومة سياسية تشريفية وحكومة عسكرية مليشياوية هي من تدير الامور في البلد فلماذا لا يدعوا المكونات الاخرى ايضا تكون لهم حكوماتهم بمعزل عن حكومة العبادي في المنطقة الخضراء؟
* ان رفض اقامة قواعد عسكرية امريكية في العراق يشير الى احتمالين : – اما ان هذه المليشيات تعاني من قصر نضر سياسي في عدم فهمها للفرق بين الاحتلال وبين اقامة قواعد عسكرية لدولة اجنبية بالاتفاق مع حكومة الدولة المعنية , وبذلك فعليها عدم الخوض في امور لا تعرفها.. او ان موقفها هذا هو انعكاس وصدى للمواقف الايرانية وتخوفاتها من وجود هذه القواعد التي قد تؤدي الى انحسار السيطرة الايرانية على العراق , وعند ذاك فعلى هذه المليشيات ان تعترف وبصراحه بانها مهتمة بالاجندات الايرانية اكثر من العراقية .
* على السيد حيدر العبادي ان يوضح موقف الحكومة العراقية الواضح من موضوع اقامة قواعد امريكية في العراق , فهذا الموقف المتردد والضبابي سوف يؤثر على مصداقيته وشعبيته عند العراقيين , فاما ان يخرج على المواطنين ويصرح برفضه اقامة هذه القواعد , او ان يخرج على الناس ويضع حدا لاستهتار هذه المليشيات بمنصبه السياسي والحكومي وهذه التعديات على العملية السياسية .
@yahoo.com2010Portalin