في البداية لابدّ لي أنْ أُشير، بأنّني أجبرت في هذا المقال إجباراً، على استخدام التّسميات الطائفيّة، لأنّ سياق الموضوع يتطلّب هذه التوّصيفات، التي لا أستسيغ أساساً التحدّث بها، والكتابة عنها بالمرّة، سواءً كان ذلك تصريحاً أو تلميحاً. لكنْ الضّرورة الجأتني لذلك، حتى أضع النقاط على الحروف. وحتى أوضّح لكلّ عراقي طيّب، يَستَهدِفه خُطباء منابر الفتنة الطائفيّة، وساستها للتغرير به. فيضلّلوه عن إدراك الحقائق بطريقة مقصودة، فيكون(لا سمح الله) أوّل دَمٍ يُراق على جادّة مصالح الطائفيّين. والحقيقة التي يجب أنْ يعرفها الجميع، أنّنا بحاجة إلى إصلاح كبير، وجوهري في مفاصل العمليّة السياسية. وإصلاح أكبر في البنى التّنفيذيّة والتّشريعيّة والقضائيّة لمؤسسات الدّولة، لكن أنْ يكون ذلك بإسلوب التّعاون والعمل المشترك. لا بإسلوب التحريض والتدمير والقتل، وإثارة الأحقاد بطريقة طائفيّة. ومع الأسف الشديدّ، أنّ المنهج الطائفي المقيت، ظلّ يتبناه بعضّ السّياسيّين العراقيّين، الذين ما فتئوا لسنين طوال، وهم يرفعون شعار التذمّر، من الظلم والتهميش الذي لحِقَ بالطّائفَة السُنّيّة الكريمة (كما يدّعون)، دون تقديم أيّة مبادرة إصلاحيّة منهم، لتغيير الواقع الذي يتكلمون عن مظلوميّته.
لقد ظلّت بعض العقليّات السّياسيّة، التي تُمارس العمل في مؤسّسات الدّولة المختلفة، تُفَسِّرُ (الحِنْكَةَ السّياسيّة)، على أنّها مقدار (المَكْر) المُعَبّأ بطريقة مخادعة، لإفشال الخصم السّياسي وتعويقه عن العمل. في حين (الحِنْكَة السّياسيّة) يُفَسِّرُها السّياسي النّاضج، على أنّها مقدار (الحِكْمَة والتَعَقُّل) التي يجب أنْ يتحلى بها السّياسي، لغرض إدارة أمور السّياسة، وتقديم أفضل خدمة ممكنة للنّاخب.
ولسنين طويلة، ظلّت وجوه معروفة على السّاحة السّياسيّة العراقيّة، تشكو بمناسبة وبدون مناسبة، وتعلنُ باستمرار أنّها لا صلاحيّة لها ولا دوّر في العمليّة السّياسيّة. كما أنّها تعلن على الدّوام تَمثيلها لأخوتنا أبناء الطّائفة السُنّيّة، وأنّهم هم نوّابها. وإنّ هذه الطّائفة تعاني من الاقصاء والتّهميش، والظّلم والاعتداء على حقوقها، من قبل مؤسّسات الدّولة التي يقودها الشِيعة. ويدخل المواطن البسيط طرفاً في هذا الصراع، وتعمل العوامل الذّاتية السَلبيّة عند المواطن المستهدف، (كالقصور الثقافي، وعدم النّضج في الشعور الوطني، وتقليد الآخرين بدون وعي، والتعصّب للجماعة والمنطقة). هذه العوامل تشكّل محوراً، يَنْشَدُّ إليه جمهور خاص من المتلقين. وبذلك يتشكّل جزء سَلبي من الرأي العام الشّعبي، الذي يكون مشحوناً بشكل لا إرادي، تجاه تدمير الطّرف الآخر والانتقام منه. فيُصبح هذا الجزء السَلبي من الرأي العام، أسيراً (وربما بلا وعي) للمشروع الطائفي المُدمّر للجميع. بدلاً مِنْ أنْ يكون قوّة واعية بشكلها الإيجابي، تتفاعل مع المصلحة العامّة للمجتمع، لتكون قوّة ضاغطة ومصحّحة، للمسيرة الدّيمقراطيّة. هذا الخلل السَلبي عند قطاعات من المتلقين، أصبح بمثابة زمام القوّد بيدّ السّياسيّين المُسَوّقين للطائفيّة، ومشروعها المقيت.
وللحقيقة … لمْ تَكُنْ الطّائفة الشِيعيّة أحسن حالاً من إخوتهم، أبناء الطّائفة السُنّيّة، إذا لمْ نقلْ أنّ الطّائفة الشِيعيّة هي الأكثر تضرراً من شقيقتها الطّائفة السُنّيّة، كمّاً ونوعاً. فالشِيعة ومناطقهم البائسة تشهد تردي الخدمات، وتلوّث البيئة، وتفتّت البنى التّحتيّة لمناطقهم الزراعيّة (أصبحت نسبة الأراضي الصّالحة للزراعة تشكل 30% من أراضيهم. ونسبة النخيل تشكل 27% من مجموع نخيلهم التي كان عددها أكثر من 30 مليون نخله. ونسبة المواشي أقل من 35% من نسبة مواشيهم في السابق)، وتفشّي الأمراض الوبائيّة، وانتشار أمراض السّرطان في مناطقهم بنسب مرعبة. لأنّ هذه المناطق كانت مسارحاً للكثير من الحروب، وآخرها استخدام اليورانيوم المُنَضّب من قبل الأمريكان، في حرب غزو العراق عام 2003. إضافة إلى وجود أكثر من مليون لغم وقذيفة، غيّر منفلقة تحت الأرض في مناطقهم. وفي خضمّ زحمة الشكاوى المستمّرة، التي لا ينفكّ بعض السّياسيين من تكرارها بنَفَس طائفي، أوجّه الأسئلة التّالية إليهم:
1.
إذا كانت الطاّئفة السُنّيّة الكريمة، تعاني من الحيّف والظلم، فأين دور السّياسي المُمَثَّلّ ديمقراطياً لهذه الطّائفة؟، وكيف قضى وقته وصرف جهده طوال السنوات الماضية؟.
2.
ما هو حجم العمل، الذي قدّمه هذا البعض من السّياسيّين للطّائفة السُنّيّة ، ليخفّف من معاناتها، أو يرفع عنها الظلم كما يدّعي؟.
3.
وهلْ مؤسسات الدّولة التّشريعيّة والتّنفيذيّة والقضائيّة، خالية من أصحاب القرار من أبناء الطّائفة السُنّيّة العزيزة.
إنّ إجابةَ أيّ منصف لا تخرج عَنْ الحُكم، بتقصير هذا البعض مِنَ السياسيّين، لأنّهم فشلوا في إيجاد حلول ومعالجات، يقدّمونها للطّائفة التي ينادون باسمها. وكتعويض لهذا الفشل يبقى التحجّج بصوّت المظلوميّة والاقصاء والطّائفيّة، هي الوسائل التبريريّة الوحيدة، المتاحة أمام هذا البعضّ من السّياسيّين الفاشلين.
ومنذ بداية التّظاهرات على الخطّ السّريع، في محافظة الأنبار في 20/12/2013، يلاحظ بوضوح أنّ قيادة المُتظاهرين، في أكثر المناطق، تُركت بيدّ رجال دين طائفيّين. وغاب عنها السّياسي المحرّض، الذي كان ينادي بمظالم الطّائفة. وفي مرحلة لاحقة تحوّل السّياسي المحرّض، إلى مُستَمِعٍ يقف خلف رجل الدّين الطائفي. والسؤال هنا لماذا هذا البعض مِنَ السّياسيّين، وضع الكُرة في ساحة رجال الدّين، الذين تظهر عليهم بوضوح مُرتسمات المشروع الطّائفي؟. والإجابة ستكون في الاحتمالات التّالية:
1.
أمّا أنَّ هذا البعضّ من السّياسيّين، يمثلون واجهة تختفي خلفهم، مجموعات من رجال الدّين، الذين لهم مشروعهم الطائفي الخاصّ.
2.
أو أنّ هذا النّموذج مِنَ السّياسيّين، تَركَ الأمر بيدّ رجال الدّين الطائفيّين، ليُعلنْ براءته من فشله السّابق، عندما كان يتقلد دفّة المسؤوليّة في الدّولة.
3.
أو أنّ هذا البعض من السّياسيّين، لجأ إلى المتظاهرين لخلط الأوراق على الجُمهور، لغرض الغنيمة بمكاسب مرحلة سياسيّة لاحقة.
واذا ما وضعنا هذه الاشتقاقات، وتفرعات هذه الاحتمالات، جنباً إلى جنب، إلى الإجابات التي أدلى بها السيّد أسامة النُّجَيّفي، رداً على أسئلة، أحمد منصور، مقدم برنامج بلا حدود في فضائيّة الجزيرة، والتي عَرَضَ موقعها نصّ اللقاء في يوم 13/2/2013. نَجِدُ أنّ المشروع الطّائفي، وكأنّه مطلب يستبطن أغلب إجابات السيّد النُّجَيّفي، على أسئلة مُقدّم البرنامج. وكانَ السُؤال التالي من بيّن الاسئلة التي وُجّهت للسيّد النُّجَيّفي:
س/ ما هي أسباب الأزمة السّياسيّة الطاحنة، التي يعيشها العراق الآن؟.
ج/ اجابة السيّد النُّجَيّفي: هي تراكمات لسنوات كثيرة نتيجة بناء خاطئ للعملية السياسية، وسيادة منهج التمييز والإقصاء وظلم الناس لفترات طويلة، في البداية كان هناك عقد إذعان حقيقة فرض على الناس. السنة لم يكونوا حاضرين في البدء عندما كتب الدستور وصوت عليه، وكانوا رافضين له ومع هذا حاولوا أن يتعاونوا في بناء الدولة، لكن مع الأسف كان هناك سياسة ممنهجة لإقصائهم وتهميشهم وظلمهم على نطاق واسع. وهذا الأمر لم يعد مقبولا وهذه الأخطاء والتراكمات والظلم، تفجر على شكل انتفاضة شعبية وأنا أسميها ثورة شعبية لإعادة الحقوق للناس وإعادة التوازن المفقود في العراق.
هذا المقطع يتضمّن عدّة نقاط، ذكرها السيّد النُّجَيّفي في إجابته، هي:
1.
هي تراكمات لسنوات كثيرة نتيجة بناء خاطئ للعملية السياسية.
2.
وسيادة منهج التمييز والإقصاء وظلم الناس لفترات طويلة.
3.
في البداية كان هناك عقد إذعان حقيقة فرض على الناس.
4.
السُّنّة لم يكونوا حاضرين في البدء عندما كتب الدستور وصوت عليه وكانوا رافضين له ومع هذا حاولوا أن يتعاونوا في بناء الدولة لكن مع الأسف كان هناك سياسة ممنهجة لإقصائهم وتهميشهم وظلمهم على نطاق واسع.
5.
وهذا الأمر لم يعد مقبولا وهذه الأخطاء والتراكمات والظلم تفجر على شكل انتفاضة شعبية وأنا سميها ثورة شعبية لإعادة الحقوق للناس وإعادة التوازن المفقود في العراق.
أقول :
1.
إنّ السيّد النُّجَيّفي ينتمي سياسياً للقائمة العراقيّة صاحبة 91 مقعد نيابيّ في البرلمان العراقي.
2.
قائمته ممثلة بأربعة مناصب وزرارية في مجلس الوزراء. منها اثنان سياديان(المالية والدفاع).
3.
القائمة التي ينتمي إليّها السيّد النُّجَيّفي لها مَنْصِب، نائب رئيس الجمهورية.
4.
القائمة العراقيّة لها مَنْصِب، نائب رئيس الوزراء لشؤون الخدمات.
5.
القائمة التي ينتمي إليّها السيّد النُّجَيّفي، لها أعضاء في البرلمان يشغلون مناصِبَ، رئاسةِ لجانٍ برلمانيّة أو كأعضاء مشاركين في لجان برلمانيّة أخرى.
وبناءً على ما تقدّم فإن السيّد النُّجَيّقي وبقيّة أعضاء قائمته، يمتلكون الكثير مِنْ أدوات التّغيير الدّستورية، تمكنهم من إجراء الإصلاح الحكومي والتّشريعي والقضائي. وعلى فرض أنّ هذه الأدوات ضعيفة(وهي ليست كذلك)، لكنّها لو وظّفت بشكل صحيح، لخَدَمَت العمليّة السّياسيّة والمواطن العراقين بشكلٍ مّا. ومع ضميمة أنّ الكثير من الأطراف السّياسيّة الشِيعيّة، مُتلكِئة ومُتقاعِسة وغيّر كفوءة وفاسدة، وهذه نقاط الضّعف عند الطرف الشِيعيّ، تكون انعكاساتها، بمثابة نقاط قوّة عند مجموعة السيّد النُّجَيّفي والقائمة العراقيّة، ومن ينادي بحقوق الطّائفة السُنّيّة.
ملاحظة أخيرة أقولها: إنّ كلَّ شَهر يتأخر فيه مجلس النّواب، عن إقرار الموازنة العامة لسنة 2013، يتكبّد الشّعب العراقي خسارة شهرية، مقدارها مليون دولار. إذن عندما يفشل السّياسي في أداء دوّره، عليه أنْ يكون جريئاً وشجاعاً أمام شعبه، ويقول الحقيقة بكل تفاصيلها. أمّا أنْ ينتقل السّياسي بعد فشلة، إلى صفوف تدفع نحو الفتنة الطّائفيّة والحرب الأهليّة، فذلك أمر مرفوض جملة وتفصيلاً. آمَلُ مِنَ السيّد النُّجَيّفي والآخرين، أنْ يكونوا كما أقسموا، عراقيين لكلّ العراقيّين.
[email protected]