امر مثير للاستغراب ان لم يكن السخرية المرة ان ينتدب السياسيون في دولة مثل العراق عمرها الحديث يقترب من القرن وعمرها القديم يمتد الاف السنين انفسهم للدفاع عن القبلية لا الوطن على طريقة طرفة ابن العبد “اذا القوم قالوا من فتى خلت انني عنيت فلم اكسل ولم اتبلد”. من حق طرفة الذي عاش قبل اكثر من 16 قرن ان يفعل ذلك حيث لم تولد الدولة بعد. كانت العشيرة هي الدولة وهو وزير اعلامها والناطق الرسمي باسمها.
لكن في ظل الدولة الا يبدو مستغربا ان يطالب زعيم قومي بتوفير حماية دولية لابناء جلدته مبررا ذلك بفشل الدولة الوطنية في حمايتهم. والا يبدو مستغربا لبرلماني منتخب من الشعب وفقا للدستور لا من العشيرة ان ينبري قائلا انه في حال عجزت الدولة عن حماية قبيلته فان افراد القبيلة قادرون على توفير الحماية لها. هل صار للقبيلة في القرن الحادي والعشرين منطق سيادي في ظل دولة يفتخر السيد النائب بانه ينتمي الى كتلة فيها تطلق على نفسها “دولة قانون”؟
لمن نوجه اللوم؟ للسياسي الباحث عن حماية دولية لمن يمثلهم في الوطن وهو ما يعني بالضرورة دعوة ضمنية لانتهاك سيادة الدولة التي يحمل جنسيتها؟ ام للدولة العاجزة عن حماية كل ابنائها من كل الاقوام والمذاهب والاديان؟ ام لرئيس الحكومة الذي يفترض ان يخشى يوم القيامة سؤالا لا عن الابرياء الذين يسقطون يوميا من اية قومية او قبيلة او دين او مذهب بل عن “عنزة” تعثر في ارض الفرات ؟ ام للبرلماني القادر على حماية قبيلته في دولة يفترض ان لها “علم ودستور ومجلس امة”؟
اذا منحنا الحق لطرفة بوصفه فتى العشيرة الاوحد يومذاك, او حتى لعمرو ابن كلثوم بوصفه صوت قبيلة بني تغلب الرسمي في حقبة ما قبل الدولة القائل “اذا بلغ الفطام لنا صبي تخر له الجبابر ساجدينا” فكيف نسوغ لسياسيين ونوابا يقبضون رواتبهم وامتيازاتهم من موازنة الدولة لا القومية او العشيرة نسف فكرة الوطن الواحد في لحظة ضعف ؟ امر في غاية الخطورة ان نعيش منطق الدولة العاجزة بعد ان تخطينا حسب التوصيفات الاممية منطق الدولة الفاشلة. من يملك حق “الفيتو” عليه تبرير ما يحصل كل يوم. دعوات في طوز خورماتو لتشكيل صحوات لحماية التركمان. استمرار تناسل الصحوات في المنطقة الغربية لا لقتال القاعدة هذه المرة بل الصحوات المارقة. يحصل هذا نيابة عن كل قوات بغداد والفرات الاوسط وسامراء والجزيرة ودجلة ونينوى والانبار والقوات البرية وقوات سوات التي قتلت محمد عباس.
هل بقي شئ لم ناسف عليه؟ نعم بالتاكيد. ففي ظل كل هذه القوات والصحوات فان هناك من يزف بشرى تشكيل جيشه المليوني. وثمة من استعرض قبله كتائبه في الشوارع والساحات تحت راية القانون ودولته. هذا كله وقادة القوم من اعضاء برلمان وزعامات احزاب وقادة كتل يشككون بقدرة الدولة على حماية عشائرهم وقومياتهم. وينبرون للدفاع عن شرف العشيرة الرفيع لا شرف الدولة المهدور دمه بين قبائل السياسة وكتلها واحزابها وتياراتها. لم يبق الا ان نردد بصوت واحد هادر ” تعيش القائمة المغلقة .. يسقط سانت ليغو” .. وعلى الواهس .. “ليخسأ الخاسئون”.