بين التفويض المطلق الذي منحته المرجعية الدينية للسيد العبادي ، وطبيعة النظام السياسي الذي أنشأت عليه الدولة العراقية بعد سقوط الصنم ، يبقى السؤال الكبير هنا الذي يبحث له عن إجابة بحجمه .. ما الذي يحمله السيد العبادي في جعبته من حلول للازمة العراقية المستعصية ..؟.
وهل لديه القدرة على تجاوز عقدة الدستور والتوافقات والصفقات السياسية التي أوصلته إلى سدة الحكم ..؟.
من يدقق في البيان الذي أصدرته المرجعية الدينية العليا ، يكتشف عظم وخطورة التحول في طبيعة الخطاب السياسي لها ، مما يؤشر على إدراكها لعظم وخطورة الظرف السياسي والاقتصادي اللذان يمر بهما العراق حاليا ، كان بيان المرجعية واضحا ومحدد ومقتضبا ، حاولت فيه الابتعاد عن التورية أو الإشارة .. وإنما وجهت الكلام للسيد رئيس الوزراء وحددت له مطالبها المستوحاة من معانات العراقيين وما ينشدونه .. المتمثلة بالقضاء على الفساد والضرب بيد من حديد على أيدي الفاسدين .
إن عملية تفويض شخص بذاته من قبل المرجعية للقيام بمثل هذا الدور الخطير والكبير ، مهما كان منصبه هو أمر يحتاج إلى وقفة طويلة وتأمل .. المرجعية تدرك حجم الكارثة التي حلت بالعراق جراء هذا الفساد ، الذي نخر جسد الدولة العراقية والذي تشترك فيه كتل و شخصيات وأحزاب هي جزء رئيسي ومؤثر في المنظومة الحاكمة اليوم ، وان المساس بهذه الأطراف سيؤدي إلى أمرين .. أما أن تتخذ هذه الكتل والأحزاب قرارا بإزاحة العبادي من رأس السلطة التنفيذية في العراق ، كونه جاء ضمن صفقة سياسية شارك فيها الجميع دون استثناء .. أو ستؤدي هذه المواجهة الغير متكافئة إلى انهيار النظام السياسي في العراق .. لأن عملية الإصلاح التي ينشدها الشعب العراقي وطالبت بها المرجعية تحتاج في بادئ الأمر إلى إحداث تغيير دستور جذري وكبير وهذا الأمر خارج عن صلاحيات رئس الوزراء بحكم طبيعة الدستور العراقية الذي كتب وفق لتفاهمات توافقية بين الكتل والأحزاب التي تصدت للعمل السياسي بعد زوال النظام السابق .
واعتقد إن المرجعية قد وضعت جميع هذه الأمور في حساباتها قبل أن تمنح هذا التفويض للسيد العبادي .. إذن ما حدث هو طلب غير مباشر وجه إلى السيد العبادي لاتخاذ قرارات استثنائية حتى لو تعارضت مع الدستور الذي يعد من أهم المشاكل التي يعانيها العراق واحد أسباب هذا الفساد الإداري والمالي كونه حجم دور رئيس السلطة التنفيذية في إدارة البلاد ، وشعب مصادر القرار السياسي والاقتصادي ، إضافة إلى ضبابية الكثير من فقراته والتي هي مصدر للاختلاف والتشاحن بين الكتل السياسية التي اشتركت هي نفسها في صياغة هذه الفقرات المبهمة .
إن الإجراءات التي اتخذها السيد ألعبادي في التاسع من آب ، والتي توزعت بين قرارات وتوصيات ومقترحات ، اعتقد إنها لا تمثل طموح الجماهير الغاضبة والمنتفضة على الفساد ، فـأغلب هذه القرارات كانت عائمة ضبابية تحتاج إلى توضيح وتأطير ، تنقصها الجرأة التي طالبت بها المرجعية في بيانها الموجه إليه ، ولم تخرج عن نطاق ومحددات الدستور ، وبقيت تراوح بانتظار أن يباركها البرلمان الذي يعد جزء من الفساد والمشكلة في العراق ، كنا كشعب ننتظر قرارات أكثر جرأة وحزم تعمل على إحداث تغيير جذري في العملية السياسية العرجاء ، تمكن الشعب من استرداد حقوقه من رموز الفساد ، وتعيد الأمور إلى نصابها .. لا أن تكون حلول ترقيعية لواقع لا يمكن معالجته إلا بآخر الدواء وهو الكي .. لكن بالرغم من كل ذلك لا زلنا نتوسم خيرا بالسيد العبادي ، وان الشعب والمرجعية الدينية سيظلان يراقبان ما ستؤول إليه الأمور ، ليتضح مدى جدية الحكومة قي إحداث التغيير المنشود ، وان ساحة التحرير ومنبر سيد النجف لا زالا قائمين وبخير .. وأن عادوا عدنا .