18 ديسمبر، 2024 9:19 م

السيد الصدر امام شهيد وليس قائدا سياسيا

السيد الصدر امام شهيد وليس قائدا سياسيا

الرثاء لا يليق برجل خير بين الموت على يد طاغية أو اللعب بين يدية، فاختار الموت، إنه خياره الذي عانقه مسرورا، لا لأن طعم الموت ليس مرا، ولكن لأن طعم الحياة التي أريد منه أن يحياها أشد مرارة، فذهب إلى الموت بخطى الواثق من خياره.

الرثاء لا يليق برجل خلد بموته في عقول الناس وأفكارهم، وتهاوى قتلته إلى قعر الفناء، وقد ضمنت هذا المعنى بيت شعر لي في القصيدة التي قرأتها عام 2007 في الاحتفال الذي أقيم في السرح الوطني في ذكرة شهادته المباركة،

فبوركت مقتولاً أطاحَ بقاتلٍ وسراً به الأوداجُ شاخبةً تُفرى

لا أعلم لماذا أستحضر السيد الشهيد محمد باقر الصدر إماما يترسّم خطى علي بن أبي طالب عليه السلام، ولم أستطع أن أستحضره قائدا سياسيا، فالسياسة دائما تحضر في ذهني لعبة دهاء أجادها معاوية، الذي لم يرعبه مقتل عمار بن ياسر رضي الله عنه، على الرغم من أن عبد الله بن عمرو بن العاص حضر فزعا إلى مجلسه ليخبره بمقتله، ويخبره أنه سمع رسول الله ص يقول: وَيْحَ يَا ابْنَ سُمَيَّةَ تَقْتُلُه الْفِئَةُ الْبَاغِيَة”، فكان رد معاوية باردا لم تظهر عليه أية مبالاة بالأمر، قال له: أَوَ نحن قتلنا عمارًا؟ إنما قتله من جاء به، ولكن معاوية الذي أراد أن يدلّس الأمر على عبد الله، ويظهر نفسه بأنه ليس إمام الفئة الباغية التي قتلت عمارا، فضحه فزع عبد الله مما حدث، فخاطبه مستنكرا: فما بالك معنا؟ كان هذا ما سطره معاوية من ممارسة ستنوء بها كتب السير والتاريخ، في الوقت الذي كان فيه الإمام علي عليه السلام يجلس بين القتلى من جيشه وجيش معاوية مجهشا بالبكاء، علي الإمام يبكي على قتلى مسلمين غرر بهم فبغوا عليه، ومعاوية السياسي يتنصل من دم صحابي أخبره رسول الله ص بأن قتله سيكون على يد فئة باغية، هذا ما أظهره معاوية، وأجزم أنه اسر فرحا بمقتل عمار.

هكذا تحضر اليوم في ذهني صورة الشهيد محمد باقر الصدر، إماما يشع نقاء ويفيض نبلا، وتلك حقيقته التي أقر بها العدو قبل الصديق، يوم ردد بصوت مسموع وهو يعتقله: حرام مثلك يندفن بالتراب، وإن كنت بالامس أيام الشباب وعنفوان الاندفاع الجهادي أراه إماما وقائدا سياسيا فذا، لقد غابت تماما صورة الصدر السياسي مؤسس حزب الدعوة الإسلامية، وما زاد نفوري من ان الوث نقاء السيد الشهيد بالسياسة، هي التجربة المريرة لبعض الساسة الإسلاميين، وأقول بعض ليس قناعة ولكن خشية من أن اميل عن الانصاف، بل انني المدافع الشديد عن التجربة السياسية الفذة، الفكرية للشهيد محمد هادي السبيتي، والتنظيمية للشهيد عبد الصاحب دخيل، اجدني اليوم استحضرهم، واستحضر معهم قبضة الهدى وكل الشهداء، أئمة يهدون بأمر الله، نقيين من لوثة السياسة.

ما يؤرقني وانا اتابع الحدث العراقي والعربي في أيام ذكرى الشهادة، انني لم أسمع أو أقرأ صدى لهذا الحدث الجلل في فكر الأمة وجيلها الشاب، وانما اسمع فقط الأسطوانات السياسية التي سئمها الناس، تصدر من هذا أو ذاك، وانا على يقين أنهم لم يحيوا الذكرى إلّا ليسمعوا الناس ما يفيد أنهم موجودون ربما استعدادا لانتخابات قادمة.

يؤلمني جدا هذا الصمت الشبابي في الجامعات والمعاهد والمدارس، فاقول لكل الشباب والنخب العراقية، إن محمد باقر الصدر شهيد العراق كله، شهيد الإسلام والوطن، صدقوني أنه أجمل صورة للعراق ستنطبع في أعماق التاريخ، فهو حقبتكم التي سوف تستعيدها الأجيال بعد ان تنفض عنها غبار السياسة، يجب علينا جميعا، من كل الأديان والمذاهب والاتجاهات أن نفخر لأننا عاصرنا عظيما هو محمد باقر الصدر رضي الله عنه وأرضاه.