هذه دراسة تحليلية تفصيلية لخطبتين من خطب الجمعة للمرجعية الدينية، الأولى عام 2014، والثانية لهذه السنة 2018.
خطبة صلاة الجمعة التي ألقاها ممثل المرجعية الدينية السيد”احمد الصافي”في زمن الحكومة السابقة، أي قبيل الدورة الإنتخابية الماضية، ركزّت الخطبة أنذاك على ثلاث بنود رئيسية:
الأول:( ضرورة المشاركة في الانتخابات، من قبل الجميع لتحديد مستقبل البلد، ومن لا يشارك فأنه يمنح الآخرين فرصة أن يقرروا مصيره بدلا عنه وهذا خطأ فادح).
الثاني:( أنتخاب مرشحين يتصفون بالنزاهة والإخلاص، والحرص على مصلحة العراق والعراقيين، وليس الذين يحرصون على ملذاتهم و امتيازاتهم الخاصة).
الثالث:( انتخاب قائمة صالحة تمتلك رؤية متكاملة لإدارة البلد).
الخطبة الثانية لصلاة الجمعة، التي القاها ممثل المرجعية الشيخ “عبد المهدي الكربلائي” الجمعة الماضية من هذه السنة، تكررت فيها نفس البنود السابقة، ولكن بتوضيح وتفصيل أكثر، وزادت عليها بنود مهمة، ولكي تتضح الصورة أكثر في الذهن، نمضي بتسلسل البنود من الخطبتين.
البند الرابع: إعطاء الحرية للناخب العراقي في المشاركة أو عدمها، وهذا أمر يجب أن نقف عنده ونفكر فيه، وكأن المرجعية لا ترى هناك بوادر للإصلاح والتغيير وسيبقى الوضع كما هو عليه، وذلك بسبب ما ذكرته من أسباب:( عدم وجود قانون انتخابي عادل، وعدم وعي الناخبين، والتدخل الخارجي في الأنتخابات).
البند الخامس: بالرغم من منح الحرية للناخب، والقلق من عدم التغيير، فهي”المرجعية”تشجيع وتحث على الإنتخابات، لأنها ترى أنه لا بديل عن النظام الذي يعتمد التعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة، وهو الخيار الصحيح للعراقيين لتفادي الوقوع في مهالك الحكم الفردي والاستبدادي، وهذا القول هو أكبر رد على الأصوات التي تريد العودة الى حكم الأستبداد تحت ذريعة النظام الرئاسي.
البند السادس:( وقوف المرجعية على مسافة واحدة من كل القوائم والمرشحين، بمعني إنها لا تدعم أي شخص أو جهة), وليس معناه إنها لا تميز بين الصالح والطالح كما بينت ذلك في خطبة 2014.
البند السابع:( من الضروري عدم السماح لأي شخص أو جهة بإستغلال عنوان المرجعية أو أي عنوان يحظى بمكانة خاصة في نفوس العراقيين، للحصول على مكاسب إنتخابية), وفيه إشارة واضحة لعنوان الحشد الشعبي لإستغلاله من بعض الجهات السياسية.
البند الثامن:( الابتعاد عن الأجندات الأجنبية، واحترام سلطة القانون).
سنطبّق هذه البنود على القوائم والمرشحين، أي نضع النقاط على الحروف.
أولاً: معرفة القائمة الصالحة عن طريق رئيسها ومرشحيها، وذلك من خلال كما وضحت المرجعية( الاطلاع على المسيرة العملية للمرشحين ورؤساء قوائمهم) يعني سلوكهم الشخصي والمهني والاجتماعي والسياسي، في الماضي والحاضر، المجرب منهم وغيره، وأبرز رؤساء القوائم حالياً هم كل من:
( نوري المالكي، حيدر العبادي، هادي العامري، أياد علاوي، حسن عاقولي، حميد ياسر، جمال الكربولي، ظافر العاني، صالح المطلك، سليم الجبوري، عبد الحسين عبطان، إضافة الى رؤساء قوائم الأكراد). وحسب فهمي أهم شيء هو إختيار رئيس القائمة.
ثانياً: بعض رؤساء القوائم فاسد وفاشل، وتسنموا مناصب عليا في الحكومة، و( ساهموا في نشر الفساد وتضييع المال العام).
ثالثاً: بعض القوائم ورؤسائها مرتبطون بأجندات دول أجنبية( سعودية، قطرية، ايرانية، تركية، وحتى أمريكية و اسرائيلية) ولديها دعم مالي واعلامي من هذه الدول.
رابعاً: بعض رؤساء القوائم من وقف بصف داعش الإرهابي، وبعضهم يمتلك ميلشيات أرتكبت جرائم.
خامساً: بعض رؤساء القوائم، نزيه وكفوء عمل بجد وإخلاص لهذا البلد، وتاريخه وسيرته العملية على أحسن مايرام.
هؤلاء الذين ذكرناهم في النقاط الخمسة، معرفون ومشخصون ولا يحتاج أن نذكرهم بالأسماء.
المحصلة والنتيجة:
إن الناس ستذهب وتنتخب الفاسد والفاشل، وتعيد نفس تلك الوجوه، كما حصل بعد خطبة المرجعية عام 2014، لما ذهبوا وأنتخبوا من سلّم الموصل وضيّع ميزانية سنة كاملة، وها هي المرجعية تعيد على العراقيين المواعظ والنصح وتشدد عليهم أكثر من ذي قبل، في تغيير الحكومة الحالية والبرلمانيين، كما طالبتهم في الدورة الإنتخابية السابقة.
مادام هناك قانون غير عادل للإنتخابات، وتدخل الدول الخارجية فيها، وعدم الوعي والثقافة لدى أغلب الناخبين، لا ترى المرجعية حدوث تغيير، عندما قالت:( وهو ما يلاحظ بصورة أو أخرى في الإنتخابات الحالية أيضا).
الخاتمة: كلام خطير للمرجعية الدينية:( ولكن يبقى الأمل قائما بأمكانية تصحيح مسار الحكم وإصلاحات مؤسسات الدولة من خلال تضافر جهود الغيارى من أبناء هذا البلد وأستخدام سائر الأساليب القانونية المتاحة لذلك).
يعني الإنتقال الى المرحلة الأخيرة من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بعد الإنكار بالقلب من غلق بابها بوجوه السياسيين، وبعد الإنكار باللسان من خلال خطب الجمعة، ستأتي مرحلة الإنكار بالقوة مثل الفتوى(بالتظاهرات والأعتصامات) أن بقي الوضع كما هو عليه، حفاظا منها على النظام الديمقراطي البرلماني التي دعمته خلال هذه السنوات من السقوط والعودة الى الحكم الأستبدادي.