18 ديسمبر، 2024 5:52 م

السيد السيستاني يقود الثورة الهادئة..

السيد السيستاني يقود الثورة الهادئة..

ثورات التغيير في البلدان تختلف من مجتمع إلى اخر، حسب استعداد وقابلية المجتمعات ، في القيام و النهوض والحركة، وكل شعب يعتمد تثويره على مدى عمق وعيه وإيمانه الحسي الخالص بمشروعه التعبوي، فبعض القضايا تحتاج إلى نهوض عسكري فيه خسائر كبيرة، وبعضها تحتاج تغييراً ناعماً يتطلب سنين من الصبر والنفس الطويل إلى أن يتحقق الهدف المنشود.

المجتمع العراقي بعد ان تم خنقه بحكم حديدي جائر دام اربع عقود ، من سرقة الأنفاس والتفكير و مصادرة العقول والتعبير ،ومنعه من الدراسة والتعليم، فالشعب أصبحت الحرية لا تمر عليه حتى في منامه، ويرى فيها مماته ، شعب غارق بالحروب و الناجي منها يموت في غياهب السجون،وبعد أربعون عاماً يتفاجىء الشعب بكسر الأقفال وسقوط الاغلال، نتيجة لهلاك سجانه الذي قتل ما يقرب مليون مواطن في معارك قادها ضد إيران والكويت و الأكراد، مجتمع هارب من محمية الظلم والجور والفقر والجوع، إلى فضاء واسع بلا قيود دينية او نظامية تلزمه،وكانت هذه الحرية الفوضوية او حرية التوجه الأمريكية، هي ما خطط له دول الاستكبار العالمي على مسار اربعين عام، وكان منى العدو وكل أحلامه هي قيادة هذا الشعب العصي عليهم ، معتقدون انه أصبح جاهلاً دينياً وعلمياً وثقافياً.

لذلك كان نهوض السيد السيستاني ” دامت بركاتة” مفاجئاً للعالم بهذا الشعب النحيل، وكان يطمح ان يعود المجتمع العراقي إلى وعيه، الذي تم تغييبه لاربعين عاماً، ان لم يكن تسعون، منذ ثورة العشرين ، معتبراً جميع أطياف الشعب المختلفة ألوانه اولاده، فكان يرسم لهم الوصفات وهم يختارون طرق اخذ العلاج و تناولها، فمن كان يريد الشفاء سريعاً اخذ بوصفه، ومن كان يرفضها يطول مرضه، ومنذ ٢٠٠٣ وليومنا هذا هو يعطي الجرع لابناءه، في امل الوصول ذروة النمو المعرفي و السياسي و القيادي واخذ القرار بأنفسهم،فهو يرى في هذا الشعب وجهاً مشرقاً ، ومستقبلاً زاهراً ينتظرهم مع الإمام المهدي المنتظر “عليه السلام “.

كان سماحة السيد السيستاني “دامت بركاتة ” يسعى جاهدا للحفاظ على الدم العراقي بأقل المقادير حتى تصل أمانة العراق إلى صاحبها، فلا نشك ان هناك جزءًا كبيراً من سعي سماحته هو تربية و اعداد المجتمع لليوم الموعود ، وكما جاء في حديث الإمام الصادق عليه السلام(ليعدن احدكم لخروج القائم ولو سهماً )وعنه عليه السلام ( أما إني لو أدركت ذلك لأبقيت نفسي لصاحب هذا الامر.) ، فابتكر سماحته مقاومة من نوع جديد، {المجتمع يبني وينهض نَفسَه بنفسِه } وهي طريقة التغيير الناعم والمتصاعد من جهة بالمجتمع، ومن جهة اخرى ضد المحتل الأمريكي و البريطاني ، فالشعب ما عاد يحتمل العسكرة وخوض الحروب مع العدو، او انه يحتاج فسحة من الوقت لالتقاط انفاسه و هيكلة جسمه ، وأفضل طريقة كانت هي المد والشد السياسي باستخدام الشارع المطيع للمرجعية الدينية، فكان سلاح المظاهرات له وقعا كبيراً ومرعباً على أعداء البلاد،فكانت أولى المسيرات المليونية الرافضة للمحتل هي مسيرة رفض دستور “برايمر ” وطلب الاستفتاء على دستور يكتب بأيدي عراقية، وانتخابات تحدد نوع النظام السياسي، وكان تهديد السيد السيستاني دامت بركاتة” 1/4/2004 بالعصيان المدني قراراً هز وجود المحتل، و أجبره على الموافقة على جميع الشروط ، والتي قرأها الشيخ عبد المهدي الكربلائي عبر منبر الجمعة «الايام القادمة ستظهر فيها التظاهرات والاضرابات وربما المواجهة مع قوات الاحتلال فيما لو اصرت على مخططها الاستعماري ورسم سياسة هذا البلد لما يخدم مصالحها».

فاختار الشعب التمثيل السياسي والنظام السياسي البرلماني الحالي في العراق ٢٠٠٤ م، واستمر سماحة السيد السيستاني بمنهاجه الناعم، بدعوات المجتمع للاصلاح والتغيير والبناء الثقافي والعقائدي والتظاهر السلمي في تحقيق الأهداف، عبر صناديق الانتخابات ،بدون اي تدخل و ضغط مباشر وغيره، تاركاً له حرية الاختيار ، ورغم كل ما مر ويمر به المجتمع من هجمات إعلامية و ثقافية تهز وجوده، لكن سماحة لم يخب ظنه بشعبه، وكان نتائج فتيا الجـهـــــــــــاد الكفائي ٢٠١٤ م على أرض الواقع ، ماهي إلا ثمرات جهده .

باختصار ان منهاج سماحة السيد السيستاني، يريد شعباً يصنع من كل فرد قائداً ومصلحاً وثائراً،بالعلم والمعرفة ومتبصراً بكل ما يدور حوله، في كل زمان ومكان،و ان لايكتفي ان يكون متلقي للاوامر فقط، فهو قائد ثورة هادئة تبدأ بالاصلاح والتغيير نحو الافضل ، بتهيئة الأرض لمشروع العدل الإلهي.

هذا ما نقوله لمن يسأل او يشكك في برنامج السيد السيستاني التعبوي في المجال النظري و الميداني لصاحب الزمان، ولمن يقول ان لا دور له في إعداد الأمة، فهو اختار المدرسة الناعمة، وسلاح العقل والبصيرة ، وهذا ما يسمى او يصنف في العقدين الأخيرين تحت عناوين ثورات الألوان .