18 ديسمبر، 2024 8:15 م

السيد السيستاني يغتال القانون الجعفري في صمت

السيد السيستاني يغتال القانون الجعفري في صمت

عن علي بن الحسين (عليه السلام) قال: … ان الله عز وجل ما بعث الأنبياء والأوصياء بالسكوت إنما بعثهم بالكلام ولا استحق الجنة بالسكوت ولا استوجبت ولاية الله بالسكوت ولا وُقِيَت النار بالسكوت ولا تُجنِّب سخط الله بالسكوت إنما ذلك كله بالكلام … . وسائل الشيعة ج12 ص188
اذن ما حاجة بني البشر الى من يقودهم الى طريق الخالق ما لم يكن هذا القائد صاحب عدل ونزاهة ورباطة جأش تجعل منه حلقة وصل بين العبد والمعبود؟ وما حاجة المسلمين الى مرجعية دينية تقودهم ما اذا كانت هذه المرجعية عاجزة على الوقوف بوجه الظلم والباطل، بل اتخذت من السكوت والانزواء على نفسها ــ بعيدا عن الناس الذين هم امانة في عنقها إلى يوم الدين ــ منهجا دخيلا على الاسلام والمسلمين.
ما عهد البشر بمختلف اديانهم واعتقاداتهم ان يبعث الله فيهم رسولا او نبيا او رجلا عرفانيا صالحا يدلهم على طريق الحق والصلاح “ساكتا”، ولا جعل الله السكوت منهجا للهداية بكتابه واهتداء الناس لطريقه.
لكننا رأينا كيف  قرن الله جل وعلا السكوت والاستكانة بالظلم والجبروت، وبين لنا ان السكوت احد وسائل تفشي المنكرات التي لا تخدم السلم الاجتماعي الذي اراده تعالى سائدا بين عباده.
وبما ان هذا السلم مشيئة الله تبارك وتعالى، لم يترك لعباده المجال لأن يتيهوا او يضيعوا بحثا عن قانون ينظمهم على ان يكون هذا القانون شاملا لكل جوانب حياتهم فأرسل اليهم شريعته المباركة ودينه الكامل  نبراسا وهاجا ينير عليهم عتمة الظلم ويملأ حياتهم عدلا وانصافا ورحمة واسعة بعدما كانوا يحتكمون بقانون الجاهلية الذي ينتصر للقوي مهما كان ظالما ويجحف الضعيف مهما تعددت حقوقه.
وبما ان الجشع والطمع وحب الدنيا وملذاتها صفات انسانية بامتياز حاول هذا الانسان انتاج قانون وضعي فيه تحدي للخالق فكان عرضة للتفاوت والاختلاف حسب اهواء الناس وميولاتهم التي اعادتهم  لزمن الظلم لما في الإنسان من عجز وقصور وإختلاف الأهواء، وهم يعلمون علم اليقين بان الشريعة الالهية والقانون السماوي جاء للإنسان ليحافظ على إنسانيته ويشبع حاجاته ورغباته التي فطره الله عليها دون وقوع الظلم والجور والاخذ بعين الإعتبار التفاوت بين حاجات بني البشر وقدراتهم وليس قانون يوافق اهواء الاغلبية من الناس…لكن يوافق كل الناس.
كل هذه المقدمات التي حاولت ان ابرز فيها الفرق بين القانون البشري والقانون الالهي، فقط كي امهد الطريق للكلام حول القانون الجعفري الذي يعد موضوع الساعة في العراق اليوم، لما اثاره من جدل وخلافات اشعلت فتيل التعصب للرأي ورفض الحوار.
القانون الجعفري هو قانون ال البيت الذين طهرهم الله وجعلهم منارة لكل المسلمين اجمعين وهو قانون منزل من الله، في وقت لم نبتلي فيه بعد بمصيبة تعدد المذاهب وشق وحدة صف المسلمين، الا ان المثير في الامر هو ان جدلية تطبيق القانون الجعفري افرزت لدينا انشقاقات اخرى لم تكن في الحسبان، وافسحت امامنا المجال لمعرفة من هم فعلا اتباع ال البيت ومحبيهم، وندرك انه ليس بمجرد ان تكون شيعيا فانك موالي ومناصر وان بكونك سنيا تعد معاديا ومناهض، بل علمنا ايضا كيف تكون مسيحيا وتكون ناصرا للحق وناصرا لمنهج ال بيت رسول الله الذي هو رسول البشرية جمعاء.
ان الذي اثار حفيظتي بالفعل او بالاحرى امتعاضي من المسألة ككل هو تصرف ما تسمى بالمرجعية العليا في العراق التي وقفت بالضد من القانون الجعفري وعارضته ومنعت اقراره، من خلال ممثيلها في الحكومة، علما انها تمثل عشرات الالاف من الناس الذي يتوقف مصيرهم عليها، وتصرفت امام أمر ديني بشكل لاديني… والا لما الحاجة لهذا المنصب وهذه العمامة الصماء، ومن يريد ان يقنعني بان المسالة فيها تجنب الوقوع في الطائفية والحفاظ على دم العراقيين، فليقنعني اولا ان الطائفية لا تسكن اركان البيت العراقي منذ ان حل عليهم هذا النظام الجديد الذي دعمته وباركته لنا ما تسمى “بالمرجعية العليا” وجعلت الناس يختارونه على الرغم من الظلم والقتل والغبن والقهر والفساد وكل انواع والوان المصائب حتى اصبح العراقيون أمامه مثل كائنات الزومبي، زد على ذلك انه لم يجبر احد ان يمتثل للقانون الجعفري، بل كان النداء نداء وضع القانون اولا وترك الخيار امام المواطن للجوء اليه او اللجوء للقانون الوضعي الذي سيبقى ولن يتغير وهذا ما قاله المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي صاحب الصوت الصداح بالحق الذي لا يجزع، والذي عبر عن اسفه الشديد يوم عدم المصادقة على القانون الجعفري والذي اسماه يوم النكبة او رزية يوم الثلاثاء.
ان منهج التخدير الذي مارسته ما تسمى بالمرجعية العليا على اتباعها، جعلهم يتعصبون لموقفها ولا يطالبونها بتوضيح موقفها المناهض للقانون الجعفري، بل ذهب بهم الامر بعيدا لسب وتسقيط كل من طالب السيستاني بتوضيح موقفه وهم يعلمون علم اليقين ان الوقوف بوجه هذا القانون هو وقوف بوجه الله، فاصبح “السيستاني” احب اليهم واقدس من الله خالقهم وخالقه.
لقد قال سماحة الشيخ اليعقوبي انه توجد محاكم شرعية وفق المذهب الجعفري في أغلب دول المنطقة على الرغم من أن التشيع يمثل فيها الأقلية، فكيف بالعراق الذين يمثل فيه التشيع الاغلبية، معبرا عن عدم رضاه على تصرف بعض السياسيين العراقيين الذي وقفوا بوجه القانون، متسائلا “كيف يلقون الله وهم يقفون بوجه القانون الذي يسهم بإصلاح معيشتنا ضمن فقه أهل البيت عليهم السلام دون ان يكره الناس على الالتزام به فهم مخيرون بالاحتكام إليه أو الى القوانين النافذة”.
لقد اكد دام ظله  ان قانون الأحوال الشخصية الجعفري يمثل ابسط حقوق الطائفة الشيعية التي تمثل الأغلبية في العراق، مؤكدا “من حقنا ان يكون لنا قانون ينظم معاملاتنا اليومية وفق الفقه الذي نعتقد به، دون أن نعتدي على احد أو نرغم أحدا على الاحتكام اليه”.
ان السؤال حول دور المرجعية تناسل منه سؤال آخر يطرح اشد خطورة وهو: ماغاية السيد علي السيستاني من معارضة القانون الجعفري والسعي بعدم اقراره دون توضيح اية اسباب لذلك حتى جعل اتباعه يفسرون معارضته وسكوته على هواهم وبالطريقة التي ترضيهم وترضي من يرضيه سكوته؟.
اعتقد ان السؤال واضح وضوح الشمس في يوم جميل، بانتظار جواب ينقذنا من علامات الاستفهام التي أرهقتنا وجعلت كل ايام الله الجميلة في العراق ايام دم وطائفية .