على مدى عقود من الزمن كانت ولازالت المرجعية الدينية العليا في النجف الاشرف،هي العنصر الذي يقلق الحكام والحكومات المتسلطة على العراقين , فلذلك تلجا الى محاربتها وشق وحدتها والتشويش على دورها والنيل منها حتى وان ادعت انها تسترشد باراءها وتاخذ بنصائحها , وهذا ما عشناه قبل 2003 ونعيشه اليوم , بنفس الوقت الجماهير تتجه انظارها الى مناشدة المرجعية الدينية العليا لايجاد حلولا لمشاكلها لكونها القيادة المخلصة التي تدافع عن مصالحها وتلبي طموحاتها , وهي مناشدة طبيعية وضرورية ومشروعة .
ان قراءة الأحداث ضمن سياقها التاريخي تكشف لنا الدور المميز والمتميز للسيد السيستاني في توجيه العملية السياسية بالعراق, فلا ننكر مطلقا انه دعم قائمة 169 كون مرشحيها انذاك هم الخيار الوحيد المتوفر والمطروح في الساحة ولانتماءهم لعوائل أعطت عدداً كبيراً من الشهداء وهم جميعا من المعارضين لحقبة النظام السابق , ودعمه لهذه القائمة لم يعترض عليه احد في حينه من جميع العراقين , بعد هذا التاريخ ولجميع الانتخابات التي تلته لم يدعم السيد السيستاني اي قائمة واتخذ موقف الحياد من القوائم المرشحة للانتخابات جميعا بشعار ((المرجعية على مسافة واحدة من الجميع)) بل كذب من ادعى انه مدعوم منه , وبعد ان بان وظهر فساد وفشل السياسين تحول موقفه من محايد الى معارض صريح فامتعض منهم واغلق بابه بوجوههم .
اليوم اينما تذهب تسمع لغطا في الشارع العراقي انعكس على الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي مضمونه (( لماذا لا تفتي المرجعية بحرمة انتخاب الفاسدين من السياسين )) هذا السؤال مقصود ووراءه اجندة مغرضة سابقا طرحت (( لماذا المرجعية الدينية العليا افتت ضد داعش ولم تفتي لمقاتلة الاحتلال الامريكي ؟!)) وقد انساق الاخرون وراء هذا التساءل بسلامة نية نتيجة للوضع الاقتصادي البائس والوضع الامني المتدهور وسوء الخدمات الذي يعيشوه , وانا اجيب على هذا التساءال بجواب جامع مانع (( السيد السيستاني لن يفتي ضد انتخاب الفاسدين )) لانه قالها سابقا بصريح العبارة المجرّب لا يُجرّب اي “لا تكرروا ذات الوجوه ، فكانت فرصة لإبعاد الوجوه الفاسدة والفاشلة عن الواجهة والمواقع السياسية في الحكومة والبرلمان ، لكن الناس رغم حبهم وولائهم للمرجعية عادوا فكرروا انتخابهم باصوات خيالية حتى الفاسدين لم يتوقعوا ان يحصلوا عليها , والمرجعية قالت انتخبوا الافضل والأصلح والأنسب”، ولكن الناس لا يختارون إلاّ الاردء والافشل والافسد , بعد ذلك يشكون حالهم من الفائزين الفاسدين , اليس هذا يعني أن الناس قلوبهم مع االسيد السيستاني وأصواتهم للقادة السياسيين؟! والمرجعية الدينية العليا اغلقت بابها بوجه السياسين لعدم رضاءها عنهم لتقصيرهم بعملهم , فلماذا شيوخ عشائر ورجال دين مجتهدين وخطباء منابر معروفين يستقبلوهم ويحتفون بهم ؟! اليس هذا التصرف يمثل طعنة في ظهر المرجعية العليا يجعلها مترددة في معالجة العديد من المواقف السلبية ؟! فاستقبال رجال الدين للسياسين يوحي بان موقف السيد السيستاني منهم هو موقف شخصي لا مبدئي , فتكون ذريعة لهم اذا تعذر استقبالك لنا فهناك غيرك من يستقبلنا ويثني علينا , اما عامة المجتمع , فالخلل فيهم قبل السياسين واحزابهم , وعلى هذا الاساس لا يمكن ان يكرر السيد السيستاني ما قاله سابقا بسبب ان لم يكن غياب بوادر الاستعداد الشعبي للمجتمع ورجال دين اخرين لتنفيذ رأي المرجعية، فان هذا الاستعداد ضعيف ومفكك , بدليل المرجعية قالت ولم يطاع امرها وينفذ قولها باعداد كبيرة وشرائح معروفة من المجتمع العراقي , اي لوا كان المجتمع متوحدا وصحيا وسليما معافى لما حصلت له هذه النكبة ولما تجرا هؤلاء السياسيون بنهب ثروته علنا دون حياء , فكثير من الناس اصبحوا كالسياسين لسان حالها يقول: ما ينفعني من كلام المرجعية أتبعه، وما لا ينفعني أضربه بعرض الحائط خاصة اذا كان ليس لهم به فائدة , وقد يشنون حربا فيما لو كان راي المرجعية يتقاطع مع مصلحتهم الشخصية , ولهذا للسيد السيستاني في حذيفة اليمان في بعض الكتمان اسوة , فكان حذيفة يقول لو اخبرتكم بكل ما اعلم (جريمة محاولة اختيال النبي ص من قبل صحابة منافقين ) لكذبني ثلاثة اثلاثكم بمعنى ان هؤلاء المنافقين الذين هموا بقتل النبي ص لهم مكانة كبيرة عند الناس وبقيت هذه الحادثة الخطرة سرا في قلب النبي وحديفة الى اليوم رغم ان القران الكريم اشار اليها ( وهموا بما لم ينالوا )! وورودها في الصحاح والمغازي والسير تلميحا لا تصريحا بالاسماء لان بعض المتهمين محل حساسية عند العامة….. فبعد هذا كله نسال من هو الفاسد بعينه الذي يراد من السيد السيستاني أن يفتي بتحريم انتخاه ؟! هل هو من حزب (أ) أو حزب (ب)؟! فاذا ذكر فاسدا من (أ) انتفض واعتبر نفسه مستهدفا و(ب) يعتبره فساد (أ) انتصارا له وقد ينشا صراعا بين الطرفين لا يحمد عقباه
ان السيد السيستاني حرم انتخاب الفاسدين بل حرم رواتبهم وامتيازتهم للعاملين في الرئاسات الثلاث من هم بالدرجات الخاصة .فماذا تريدون اكثر من هذا منه ؟! اعطاكم الوسيلة التي هي اشبه بقانون حل مسالة رياضية فاذا كنتم لا تحسنون تطبيقه فالعيب فيكم لا فيه , بنفس الوقت قد نسيتم او تناسيتم ان مرجعيته ليست مرجعية ولاية فقيه تسيّر المواطن من الطبقة الحاكمة حتى أبسط التفاصيل وانما هي مرجعية نصح وارشاد تعطي الخطوط العريضة دون تفاصيل , كما ان هذا المطلب ينطوي على تدليس مصورا المرجعية العليا مفصولة عن الحدث، في حين هي حاضرة بشكل مستمر وتحيط بالحدث في كل ابعاده وتساءلاته .
ان الفساد في العراق غير مشخص ومختلف فيه وان كل حزب او كتلة تدعي الفساد في غيرها , ولا احد يقر بفساده حتى وان ثبت بالدليل فيرميه على الحزب او الكتلة الاخرى , اي اصبح الفساد سالبا بانتفاء الموضوع ولهذا كل السياسين رشحوا للانتخابات والكل يدعي النزاهة والوطنية , والكل يدعي الاصلاح ولا نعرف من هو الذي افسد ؟! والمصيبة الكل يتغاضى عن الفساد والفاسدين حتى رجال الدين , لان الفاسدين لهم جمهور واسع يؤيد نهجهم ولهم اعلام يروج افكارهم ولهم مليشة تحميهم وحتى فقهاء دين يفتون لهم , فالفاسدون كالضيوف يرحب بهم اينما يحلوا بالاهازيج ونحر الذبائح والولائم ويصورهم اتباعهم على انهم مصلحون ووطنيون بعد ان اصبحوا يمتلكون القرار وينفذونه فهم يتاجرون بشعارات الاصلاح.
اما مسالة قياس فتوى الجهاد الكفائي على داعش بالفتوى المفترضة على الفاسدين بعينهم فهو قياس ومقارنة ليست عادلة وليست بمحلها
فالشعب العراقي بعموم قومياته واديانه ومذاهبة متفقون ان داعش عدوهم حتى من يدعم داعش من العراقين او يعمل لصالحهم سيكون ذلك سرا وليس ظاهرا في حين المجتمع العراقي لم يتفق على تشخيص الفاسد !!! اخيرا نؤكد أن طروحات واراء المرجعية الدينية العليا واقصد السيد السيستاني بشخصه أوسع من اراءنا وأطروحتنا ، وهي أبعد نظرا من مقترحاتنا , بنفس الوقت نتمنى من المغرضين والسياسين عدم اللعب بورقة المرجعية وعدم زجها في العمل السياسي بالعراق حيث مظلتها اوسع واشمل من العراق.