امتازت المرجعيات الشيعية ببعدها عن الحكومات, ولم تنضوي هذه المرجعيات تحت عباءة الحكومة, وتصرفت مرجعياتنا الرشيدة على ضوء ما تقرره مصلحة البلد والشعب, في توجيه النصح أو الإرشاد للحكومات.
تحملت مرجعيتنا أعباء كثيرة ومضايقات عديدة, وآلام مبرحة في سبيل هذا السلوك, فالمراجع لم يرتضوا لأنفسهم أن يكونوا وعاظ سلاطين, بل كانوا ندا للحكومات, كاشفين عن فسادها وانحرافها عن قيم الإسلام السامية.
اضطلع سماحة السيد علي الحسيني السيستاني دام ظله بدور مهم, وقاد الحوزة العلمية والشعب في ظرف حرج, ومنعطف خطير في تاريخ العراق المعاصر, تمثل في التغيير من نظام الدكتاتورية والطغيان الى دور الاحتلال الاجنبي.
مثّل السيد السيستاني خلال فترة الاحتلال حجر عثرة وغصة في حلق المحتل, اذ ان سماحته كان حائط الصد لكل المشاريع التي جاء بها الاحتلال, وكان صلبا في موقفه, وشجاعا في قرارته, وجريئا في طرحه.
فرض السيد على المحتل أن يرضخ لمطالب الشعب العراقي, بان يكتب العراقيون دستورهم بأيديهم, وان يخضع هذا الدستور لموافقة الشعب, وأن تجري انتخابات لتحديد ممثلي الشعب بدل التعيين.
استمرت مواقف السيد السيستاني الراعية لمصالح عامة الشعب, رغم الهجمات الاعلامية ضده, والحرب الشعواء التي قادها الاقربون قبل الابعدين, لا يبالي سماحته لهذه الهجمات, فهو الذي رفع شعار “ليس لي أمل في الحياة الا أن أرى العراقيين سعداء”.
وحينما داهم الإرهاب التكفيري البلاد, وضاعت الحلول, ودخلنا في دوامة احتمالية سقوط بغداد, خرج السيد السيستاني كعادته ليضع الحل الشافي والنافع, فأفتى بالجهاد الكفائي, لتلاقي هذه الفتوى استجابة رائعة من المواطنين, ليندحر داعش ولنقف على اعتاب الانتصار, بلفظ الإرهاب أنفاسه الاخيرة.
رعاية الايتام وكفالتهم ومساعدتهم, ودعم النازحين, ودعم المقاتلين وعوائل الشهداء, كلها مواقف تدل على ان صاحب هذه الشيبة ما هو الا عامل مستن بسنن اجداده الائمة الطاهرين عليهم السلام, ويعيد فينا سيرة مولانا امير المؤمنين علي عليه السلام, الذي لم يدخر شيئا لنفسه, كذلك فعل السيد السيستاني الذي طلق زخرف الدنيا, ونأى عن المنفعة الشخصية, وبقي عاملا باتجاه رفعة الناس وتدبير شؤونهم.