23 ديسمبر، 2024 3:12 م

السيد السيساني رجل يتأمل ويتألم

السيد السيساني رجل يتأمل ويتألم

كل مراجع الشيعة مرت بهم محن عسيرة وتعاملوا معها بروية وحكمة الا ان محنة السيد السيستاني تختلف من حيث تعقيداتها وقسوتها عن تلك المحن ، وان كانت محنة السيد السيستاني بشطرين، الشطر الاول يوم رحيل السيد الخوئي قدس سره، والشطر الثاني يوم سقوط الطاغية ، نعم لكل مرجع ظروفه التي تعامل بها مع ما واجهه من محنة، فمحاربة الانكليز او تحريم انتخاب غير المسلم في ثورة العشرين كانت هنالك دولة وقانون وبنى تحتية ولم تكن هنالك احزاب وارهاب ، كانت الجبهة معروفة الهدف والنوايا واضحة، ولكن محنة السيد السيستاني بعد سقوط العراق لم تكن هنالك دولة بكل ما تحمل هذه الكلمة من مفاهيم لا حكومة ولا جيش ولا دستور ولا وزارات ولا بنى تحتية مع توغل الارهاب بكل اشكاله الميداني والطائفي زاد على ذلك كثرة الاحزاب حتى للمذهب الواحد مع تدخل اكثر من دولة في الشان العراقي واكثرها تاثيرا التدخل الامريكي، عسكريا، سياسيا ، ارهابيا، اقتصاديا، واستخباراتيا، مع كل هذه المفردات كان على السيد السيستاني ان يتعامل بحذر وبدقة وبحكمة حتى يحقق الهدف دون خسائر او باقل الخسائر على ان لا يكون ضمن الخسائر ان يظلم اي انسان حتى ولو كان عدو .

السيد يفكر بانتشال العراق من الغرق بينما في العراق هنالك من يعمل على ثقب السفينة ، وهناك من يجهل انه يثقب السفينة ، فبات لزاما على السيد السيستاني ان يعمر الثقوب بيد ويمسك الدفة باليد الاخرى حتى لا تغرق او يتغير مسار سفينة العراق .

يقترحون على المرجعية ماذا يجب ان تقول وكان الكلمة التي ينطقوها هي بنفس السهولة التي ينطقها السيد ، قد نفكر بل من المؤكد نفكر في لحظة التفكير بمعنى الكلمة ولكن سماحته يفكر بابعد من ذلك يفكر بان كلمته تحت المجهر السماوي يفكر بان كلمته ليست كلمة عابرة تاثيرها آني ، يفكر بكلمته ان لا تفسر عن غير معناها ، يفكر بكلمته الى اي مدى صلاحيتها ، من منا يفكر هكذا ؟

الاستاذ غسان سلامة عندما قابل السيد السيستاني اعترف ان العراقيين والسيساسيين كانوا يفكرون تفكيرا سطحيا بينما كان تفكير السيد السيستاني بالعمق عندما يصر على دستور بايدي عراقية وحكومة وطنية بهوية اسلامية وخروج المحتل والانتخابات الخاصة بالعراقيين دون تدخل اي قوى خارجية .

الشعب العراقي في بداية القرن العشرين وحتى قبلها لم يكن خاضع لحكومة ظالمة كحكومة البعث التي قتلت الثقافة واعدمت خيرة الرجال وجوعت شعب العراق ، بحيث عند سقوط الطاغية حدث ما يؤكد انحدار الثقافة العراقية من خلال السلب والنهب وحتى القتل وتصفية الحسابات ، كان للسيد السيستاني دورا محوريا في هذه الظروف ، ومما يؤسف له ان الاعداء اشادوا بدوره الحكيم ولكن من اهل الدار ممن طعن ببعض قرارات المرجعية ، لم يحسنوا استغلال ما اتيح لهم من فرص لاثبات علو الاسلام في ثقافته ومفردات تشريعاته التي تنهض بالامة .

عند الحديث عن المواقف الشجاعة للمراجع الشيعة امام الحكام والطغاة فهذا فخر لنا ولكن اي فخر عندما نتحدث عن موقف السيد السيستاني امام دول طاغية وعناصر جاهلة من داخل العراق وثقافة هشة ووسائل اعلامية بكل انواعها وقدراتها ومهنيتها سلطت ضد المرجعية ، من من المراجع تعرض لهكذا كم هائل من الاعداء على مستوى دول وعناصر داخلية ووسائل اعلامية ؟

سيذكر التاريخ حكمة هذا الرجل التي كانت كالصخرة تهشمت عليها مطارق الاعداء ولم يثلم منها حتى ولو بقدر قلامة ظفر .