تنصدم الذهنية الطائفية العراقية، من جديد، عندما تطلع على التجربة السياسية لجمهورية الاورغواي، هذا البلد الصغير (المساحة: 000,176 كم2 ، النفوس: حوالي 53, مليون نسمة) الواقع في اميركا الجنوبية والذي عاني من سنين طوال من الأنظمة العسكرية الدكتاتورية، فقد انتخب الشعب عام (2010) الرئيس (خوزيه موخيكا) الذي يُلقب بـ (أفقر رئيس جمهورية في العالم) لأنه تبرع بـ (%90) من راتبه البالغ (12500$) للفقراء والجمعيات الخيرية، ولم يسكن في القصر الجمهوري بل خصصه للمشردين الذين لا يملكون سكن، وبقى في بيته الصغير الواقع على طريق ترابي يقود سيارته الصغيرة والعتيقة (فولكسفاغن موديل 1987 يُقدر سعرها بحوالي 1200$) بنفسه بلا حماية وموكب كبير، ورغم انه سُجن لمدة (14) سنة لمقاومته الأنظمة الدكتاتورية إلا انه لم يطالب بامتيازات شخصية بل تنازل عن الامتيازات الطبيعية لأي رئيس جمهورية بالعالم، وكان يقول: “أن الفقراء هم الذين انتخبوني وليس من الأخلاقي ان أعيش بمستوى يختلف عنهم، … الكثير من الناس يحبون المال ولكن لا يجب ان يوجد مثل هؤلاء في السياسة”.
كل ما سبق يمكن اعتباره شيء عادي، رغم انه غير عادي اكيداً، بل وصادم خاصة للنخبة السياسية العراقية، ولكن الشيء غير العادي والغريب انه تم انتخاب (موخيكا)، في بلد اغلبيته مسيحية، وهو (ملحد) أكرر ان الرئيس كان (ملحداً)!، هنا ستسأل الذهنية الطائفية العراقية: لماذا تم انتخاب رئيس من اهل النار؟
اعتقد ان ما يهم شعب الاورغواي، كما أي شعب أخر، ليس مصير الرئيس في الحياة الآخرة والبحث عن اجابة لسؤال غير منطقي: (هل ستكون نهايته في الجنة أو في النار؟)، بل المهم فعلاً هو ما يحققه الرئيس من رفاهية للمواطنين في هذه الحياة، الحياة الدنيا، وليذهب بالآخرة الى جهنم وبئس المصير!
وهذا ما حصل .. فقد أصبح البلد، حسب منظمة الشفافية الدولية، الأقل فساداً في القارة (بالمرتبة 21 عالمياً بينما العراق بالمرتبة 170)، ومن أكثر بلدانها نمواً وتطوراً اقتصادياً واجتماعياً، والأكثر حرية سياسياً، ورغم عدم وجود النفط أو الغاز إلا ان نصيب الفرد من اجمالي الدخل القومي وفقاً لتعادل القوة الشرائية لعام 2014 بلغ (20,220$) مقارنة بالعراق (670,14$)، حسب البنك الدولي، ونسبة الامية (1,9%) بالمرتبة (42) عالمياً، بينما الامية في العراق (21,5%) بالمرتبة (99)، ومؤشر نوعية الحياة الكريمة بالمرتبة (48) عالمياً بينما العراق بالمرتبة (114) ….. كل هذا بفضل الرئيس (الملحد).
لكن كل هذا لا يهم الذهنية الطائفية العراقية، المهم هو: هل موخيكا بالجنة أو بالنار؟
* [email protected]