على خلاف ما كنت أراها في الليالي التي سبقت الجريمة الارهابية البشعة في الكرادة بدت منطقة السيدية كئيبة ، خافتة ، حزينة ، بعد كان شارعها التجاري مزدحما بالمارة ليلا ، متلئلا بانواره ، وضاجا بحركته وصخبه الجميل … مكتظا بالناس من أهلها ، وما جاورها من المناطق في اطراف الكرخ من بغداد ، للتبضع والنزهة وتمضية وقت جميل في مطاعمها أو مقاهيها التي عادة ما تمتليء بالعوائل بعد الافطار ، وتستمر الى ساعة متأخرة من الليل …
السيدية كما هي أخواتها البغداديات والعراقيات عموما ، لبست ثوب الحداد على ضحايا شقيتها الكرادة وبان الحزن واضحا عليها.. وأوقد أهلها الشموع على امتداد الشارع التجاري والازقة المتفرعة منه والاحياء ، والمكبرات تصدح بالقرأن الكريم والذكر والادعية والصلوات وقراءة الفاتحة على ارواح الشهداء … ..
وأنت تطالع الوجوه في الشارع تشعر بوجع الالم يعتصرها ، والحزن يخيم عليها ، والغضب الشديد على تلك الوحوش الكاسرة التي لا تنتمي للانسانية بصلة عندما اقترفت هذه الجريمة في الايام الاخيرة من شهر رمضان المبارك … وسرقت فرحة العيد من الصغار والكبار … وأصبح في كل بيت عراقي مآتم ، وفي كل شارع عزاء على ضحايا الكرادة …
لقد عبر العراقيون عن حالة الوحدة المصيرية فيما بينهم بهذه المواقف الوطنية الرائعة .. .. فكانت المشاعر طبيعية تنم عن وحدة متجذرة في النفوس ، وقائمة على الارض …
حقا انها حالة مؤلمة تصعب على الرجال ، أن ترى الرجال تبكي على الشاشات ..فدمعة الرجل اثقل من الجبل ، لكنها مع الأسف تسقط رغما عنه ، لصعوبة أن يرى إبنه أو أباه أوأخاه، وأبن بلده ، يتناثرجسده اشلاء ، بفعل سيارة جبانة غادرة ، أو عبوة حاقدة ، أو حزام ناسف ، أو يصبح حطاما ، وهباء منثورا ، كل ما بناه ، بتعب وجد وكد وعرق ، وبعد ان بلغ من العمر مبلغا لا يستطيع ، أن يعيد بناء ما تحطم ، لان عقارب الزمن لا تعود الى الوراء …
وهذا العزاء ، والمشاعر المشتركة تخفف الالم .. وترسل رسالة واضحة ان الدم العراقي واحد من كل الطوائف والاديان والقوميات .. والمحاصصة بدعة سياسية غريبة ، جاء بها الاحتلال …ويجب ان تنتهي …
وسؤال حائر وسط اجواء الحزن …كم يا ترى يدفع العراقي من دمه ، ومن حريته ، وحركته ، وماله الخاص والعام ، وكم يرصد من ميزانيات ، وامكانات بشرية ، ومادية للأمن ، لكي يأمن على حياته ؟….
سؤال يتردد كثيرا على مدى ثلاثة عشر عاما ولم يجد المواطن له جوابا غير الالم والدم .. والدمع المنهمر …فالى متى يستمر ..؟..!..