ولدت السيدة زينب عليها السلام، في الخامس من شهر جمادي الإولى على ما هو المشهور بين الشيعة.
لما ولدت السيدة زينب عليها السلام، أخبر النبي الكريم( صلى الله عليه وآله)بذلك، فأتى منزله ابنته فاطمة” عليها السلام”وقال: إتيني بأبنتك المولدة، فلما أحضرتها أخذها النبي وضمها إلى صدره الشريف، ووضع خده على خدها فبكى بكاء شديدا عاليا، وسالت دموعه على خديه.
فقالت فاطمة: مم بكائك لا أبكى الله عينيك يا أبتاه؟
فقال: يا بنتاه يا فاطمة ان هذه البنت ستبلى ببلايا وترد عليها مصائب شتى، ورزايا أدهى.
يا بضعتي وقرة عيني، إن من بكى عليها، وعلى مصائبها يكون ثوابه كثواب من بكى على أخويها. ثم سماها زينب.
كانت حياة السيدة زينب عليها، رغم الإحاطة بالعفاف والتقوى والقدسية، مليئة بالخطوب والمحن والرزايا، منذ صغرها الى آخر حياتها.
فقد فجعت بجدها النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله)، وعمرها خمس سنوات، ثم رأت وسمعت كل تلك الرزايا التي لحقت بأمّها الزهراء، الى أن فجعت مرة ثانية بموت أمّها بعد فاجعة جدها.
بعد ذلك شاهدت مصائب أبيها علي عليه السلام، بكل آهاتها ولوعاتها، حتى فجعت مرت ثالثة بمقتل أبيها.
ثم بعد ذلك لازمت أخيها الإمام الحسن عليه السلام، وحملت معه كل همومه ومعاناته، بل حملت كل هموم ومحن ومعاناة الشيعة، طيلة حكم معاوية بن ابي سفيان”عليه لعنة الله” ، فقد قام حكمه على الظلم القاسي ، والجرئم البشعة، والمصائب الكبيرة التي ألحقها بشيعة علي عليه السلام، الى ان فجعت للمرة الرابعة بمقتل أخيها الإمام الحسن عليه السلام.
بعد ذلك، حلّت بها كارثة الكوارث، ومحنة المحن، ومصيبة المصائب، أعظم مأساة في تاريخ الإنسانية، وأبشع جريمة على وجه الأرض، أرتكبها عدو الله ورسوله، اللعين السفّاح، يزيد بن معاوية، ألا وهي فاجعة كربلاء المروعة، فرأت أخوها الإمام الحسين عليه السلام، ومعه تلك الأقمار من أهل بيته، مجزرين على الرمضاء كالضحايا، فواجهتها زينب الصبر، بالطود العظيم من الصبر، وبثبات من الإيمان والعقيدة لا نظير له، ولم تضعف من عزمها مصيبة الطف العظمى، فوقفت بوجه أكبر طغاة العصر، ودحظتهم بالبيان الشافي، والخطاب العلوي، حتى ألزمتهم بالحجة وكشفت ظلمهم وزيفهم وكذبهم.
في دار الإمارة بالكوفة، عندما دخلت عيال الحسين عليه السلام، على ابن زياد، أقبل عمر بن سعد، على السيدة زينب، وقال لها: الحمد لله فضحكم وقتلكم وأكذب احدوثتكم.
فقالت زينب: الحمد لله الذي أكرمنا بنبيه محمد صلى الله عليه وآله، وطهرنا من الرجس تطهيرا، وإنما يفتضح الفاسق ويكذب الفاجر، وهو غيرنا والحمدلله.
ثم تكلم ابن زياد فقال لها: كيف رأيت فعل الله بأهل بيتك؟!
فقالت: ما رأيت الا جميلا، هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل، فبرزوا الى مضاجعهم، وسيجمع الله بينك وبينهم فتحاجون وتخصمون عنده، فأنظر لمن الفلج يومئذ ثكلتك أمّك يبن مرجانة!! فغضب ابن زياد واستشاط.
روي عن الشيخ المفيد في الإرشاد، قالت فاطمة بنت الحسين عليها السلام:
((فلما جلسنا بين يدي يزيد رق لنا، فقام اليه رجل من أهل الشام، احمر فقال: يا أمير المؤمنين، هب لي هذه الجارية- وهو يعنيني- وكنت جارية وضيئة فارتعدت، وظننت ان ذلك جائز لهم، فأخذت بثياب عمتي زينب، وكانت تعلم ان ذلك لا يكون وقلت: يا عمتاه، أيتمت واستخدم؟
فقالت زينب: ل،ا ولا كرامة لهذا الفاسق، وقالت للشامي: كذبت والله ولؤمت، والله ما ذلك لك ولا له.
فغضب يزيد، وقال: كذبت والله، ان ذلك لي! ولو شئت ان افعل لفعلت.
قالت زينب: كلا، والله ما جعل الله ذلك لك الاّ ان تخرج عن ملتنا، وتدين بغير ديننا!
فاستطار يزيد غضبا، وقال: اياي تستقبلين بهذا ؟ انما خرج من الدين ابوك واخوك!!؟
فقالت زينب: بدين الله، ودين أبي، ودين اخي اهتديت انت وجدك وابوك.. ان كنت مسلما !
قال: كذبت يا عدوة الله!!
قالت له: انت أمير تشتم ظالماً، وتقهر بسلطانك.
توفيّت السيدة زينب عليها السلام، في الخامس عشر من شهر رجب، من سنة ٦٢ للهجرة، على المشهور بين الشيعة، ولا يعلم سبب وفاتها، والتاريخ أهمل ذلك، ومرقدها الآن في دمشق، مزار كبير، يقصدها الناس من كل حدب وصوب، للتبرك بزيارتها، ولقضاء الحوائج، ولطلب الشفاعة.
قضت السيدة زينب عليها السلام، أكثر من “٤٠” عاماً من عمرها، مليئة بالمحن والمآسي والرزايا، فسلام عليها يوم ولدت، ويوم ماتت، ويوم تبعث من قبرها.
لك قلب ما ضاق وسعا برزء
لم تطق حمله قلوب العوالم.