كثيراً ما حدثنا التاريخ وسمعنا وقرأنا عن قصص الحب والعشق في التي ملأت أمهات كتب تلك الأزمان والحقب، ولكن أي منها عاد أثرها بالفائدة على المجتمعات والشعوب، وبنيت على حدثها دول كي تتخذ نموذجاً يحتذى به.
بدءاً بما ملأ الصحف والألواح القديمة بكتابات الغرام والعاطفة والشغف، وأخذت تصور على إنها أفلام وثائقية واساطير تاريخية ومن معاجز الدنيا، والتي تسللت لكتبنا ومجلاتنا وشغلت مكتباتنا الحديثة، حتى أصبحت حلقات تدرس وتدرب على مسارح المعاهد والجامعات، وسلاسل وثائق تروى للمراهقين من الشباب في المدارس المتوسطة والإعدادية المختلطة، على إنها نماذج في الوفاء وعدم خيانة العهد العاطفي، وايفاء للرابط الذي قطعته لحظات الرومانسية.
إن تلك الروايات صاحبة السبك والحبك الغرامي اللاشرعي، والتي نعتقد ان جلها من صنع الخيال والوهم الغربي، وان صحت فلا شك هي ليست صدفة النشأة وعفوية الحدث, مع الضخ الإعلامي الهائل لتلك الوقائع، التي بدت تلد تواريخاً اكثر فتكاً في مشاعر الإنسان, عن طريق تفعيل العقل الباطن لتلك الصور المخزونة مستقبلاً، خلال برامج تنمو مع الأجيال ليتم تفجيرها في زمان ما، يختاره ويحدده العدو ليساعده في تدمير الفتيان متى شاء ذلك، بل هي كانت وما زالت جزءاً من الحرب الثقافية الناعمة، والتي كان سلاحها سابقاً المسرح والورق المطبوع، قبل أن تتطور حرب الأديان للبندقية الرقمية، ورصاصات المجتمع الافتراضي وعالم الذكاء الاصطناعي.
مثال تلك القصص الغرائزية التي لا هم لها ولا شاغل، غير الاثارة الشهوية والتعلق بالملذات المادية والجسدية، بعيداً عن الروح والعقل، نستشهد بقصة “روميو وجوليت” التي تبدو للبعض إنها من الحكايات البالية، لكنها استطاعت ان تخترق ثقافاتنا ومحال تواجد شبابنا كالنار في الهشيم، في عهد ليس بعيد, اعتمد شاشة السينما والتلفاز في مراحل اولية, وقد نجحت هجمات الإعلام الشيطاني بترسيخ هذه الثقافة التي كسرت قيود الحشمة والعفة والغيرة، حيث دقت موضع قدمٍ لها بين ادبيات واعراف مجتمعاتنا الإسلامية والعشائرية، حتى بدت ترسباتها تظهر بقبول ما ينتج بعدها من مسلسلات مخالفة للواقع الإسلامي، والتطبيع مع ما يصدر عنها، ويبني عليه الأفراد من تصرفات مخالفة للمألوف، على أنه حداثة وتطور تجاري العصر.
نزيد على ما تقدم من حكايات التفاهة والمجون الأخلاقي، شاهد آخر روايات يعتبرها البعض للأسف، من مفاخر ادبيات الشعر والرواء والسرد العربي، قصة “عنتر وعبلة” و “قيس وليلى” التي صدرها الادب الاستعماري للعقل العربي، والذي ضرب أدبه المحتشم من نوعه ومن داخله، حيث اوهمه على أن سر نجاح وخلود هذه الأسماء والعناوين التاريخية, هو نتيجة ومصداق الود بين المحبين لبعضهم، وعدم نكثهم للعهود والمواثيق البعيدة عن الدين بينهم، وعليك أيها المتيم الولهان يا من سقطت تحت مخدرات الهوى واللوعة، ان تكون مثلهم وتتخذهم أيقونة في الوَجْد والوله، بينما الإسلام حدثنا خلاف ما ورد في هذه المرويات، فالعرب كانت لديهم الاخلاق النبيلة, والإسلام جاء ليتمم مكارمها، والعرف القبلي وروابط الصلح العربية الاصيلة، ترفض اعمال الغزل والمجون والتشهير بالنساء والتعرض لهن.
إن الغاية مما ورد من أهداف تلك المراسلات التي جاءتنا عبر قرون، ذكرناها في النصف الأول من العرض, والتي سيأتي فكها لاحقاً، فهي ذات بواطن ليس كما يظهر منها، بل مشاريع ماسونية كبيرة وضع الشيطان بيوضه وزرع غرسه, مستخدماً مخابئاً ملائمة لأولاده فيها صنعها قبل مائة عام, عبر قصص كانت في ذاك الزمان بسيطة، وقد اطلقت تلك الجحور اليوم آلاف الافراخ والرؤوس المتزينة بأقنعة هدم الأسرة تحت عناوين الحداثة والتحرر وغيرها، سنحل عقدها بعد التعرف على السبب من بداية الشيطان مشروعه بحكاية حب ” Story” بين ذكر وانثى ونهايتها بحب الجنس للجنس المشابه “الجندر” و “المثلية” ؟
نتيجة لابتعاد الحواضر الاسلامية عن قادتها ورموزها الإلهيين، وهروبها من القصص الإلهية التي جاءت في القران الكريم، قال تعالى (ذلك من أنباء القرى نقثه عليك منها قائم وحصيد) الآية 100 سورة هود، وهرولت الأمة نحو الغرام القشري والحشوي, الذي اواصره المظاهر والاوان الخداعة، إن مثال الحب الحقيقي هو السيدة خديجة بنت خويلد رضوان الله تعالى عليها، للنبي محمد صلى الله عليه وآله، فهي صورت كل معاني العشق الرباني ومفاصله, ورسمتها على الارض في خدمة الدين وانجاح مشروع رب العالمين، اذ ضحت بمالها وجاهها وسمعتها لقيام نبي الأمة صلوات الله وسلامه عليه برسالة السماء(عذرا لطرح بعض الاسماء فهي ليست للمقارنة ) فهي سهرت الليالي وبكت الأيام وعاشت الخوف والرعب، لا لملذة الدنيا كما ورد في حكايات روميو وجوليت، قيس وليلى، عنتر وعبلة، وإنما للحفاظ على النبي ودين الله الذي بين جنبيه، حيث انتهى عشقها ببناء الإنسان والمجتمع الإلهي، وانقاذ البشر من الغرق في غياهب الذنوب, خلاف روايات الهيام والولع التي لا تعود على أهلها او مجتمعها بأي منفعة, غير اصحابها في الدنيا قبل الاخرة
ان الحب الحقيقي هو معرفة الله اولاً, فمن خلاله يمكن وصول الغايات الالهية، والارتقاء بالروح إلى الملوكتية لتمكين المزيد من الارتباط الانساني بين البشر, فالسيدة خديجة عليها السلام كانت مثال التعلق الصادق في الله, فوصفت بعض الوثائق تلك العلاقة الحميمة مع رسول الله صلى الله عليه واله (وكانت خديجة له صلى الله عليه واله, وزير صدق بنفسها ومالها, رضوان الله تعالى عليها) فهي رضوان تعالى عليها اعتزلتها النساء وهجرتها وعاشت الغربة, لا لأجل الانشغال بالغرام, بل لله وحدة بعد ما عرفت ان الحب هو حب النبي, حيث قال فيها صلى الله عليه واله (والله لقد آمنت بي اذ كفر الناس, وآوتني اذ رفضني الناس وصدقتني اذ كذبني الناس, ورزقني الله عز وجل ولدها إذ حرمني أولاد النساء) وقال تعالى فيها (ووجدك عائلاً فأغنى) الآية 8 سورة الضحى.
ان تعلق السيدة خديجة رضوان تعالى عليها بالنبي محمد صلى الله عليه واله, اصبح خطاً فاطمياً ترسخ في نفوس الرجال والنساء, السائرين في حمل اللواء المقدس, وعلماً تشرئب اليه الرقاب الطاهرة, فكانت فاطمة عليها السلام نموذجاً اخراً للحب الالهي, ولم تقل صبراً في الدفاع عن الصرح الالهي العظيم, الذي تمثل بعلي عليه السلام, فكان علي واولاده عليهم السلام, نماذج وظواهر الحب الرافضي الواقعي, الذي كان تياراً عذب من اجله كل من ارتدى جلبابه وحاول ان يتطهر بهم.
خلاصة الكلام فيما تقدم, نفهم القصد الذي منه لماذا تم اخفاء قصة العشق الالهي لخديجة عليها السلام, وتم تصدير هند بنت اكلة الاكباد على انها ام المؤمنين, واخذت المملكة الوهابية بتأليف كتاب يتحدث عن فضائل (هند بنت عتبة) يدرس في الجامعات السعودية؟ ناهيك عن قصص الخيال والمحتوى الهابط المعاصرة لروميو وجوليت واخواتها, في اهداف ورؤى خطيرة جداً، على الأمة الإسلامية وباقي الأمم، إذ ظهرت رسائلها اليوم على اوجها ومنها:
1- طمس الهوية الاسلامية الطاهرة التي تمثلت باهل البيت عليهم السلام.
2- تدمير الاسرة وتفكيكها بشياع التحلل والفساد.
3- السماح للمجتمع الاسلامي باعتناق أي هوية مخالفة بداعي التحرر الاسري.
ان اجمل واعظم قصة عشق لا مثيل لها على مدى الدهور، بل لا يدانيها او ينافسها احد, والتي كان يفترض ان يكرس لها التاريخ، وأن تدرس في مناهجنا وتكون منهاج تقود الحياة, هي لخديجة مع النبي محمد وفاطمة مع علي عليهم السلام, حيث انتهت ببناء دولة الانسان وانقاذ المجتمع، والعروج به الى عالم الملكوت, بعد ان جثم على قواه الشيطان, واشغله مادياً وربطه في قاع الارض.