يخطأ من يزعم أن أزمة طارق الهاشمي سياسية بحتة أو قضائية بحتة ، هي أزمة يلتبس فيها السياسي بالقضائي ، ولعل هذا التحليل لايعجب الفريقان الذين يحظيان كل منهما بتأييد الغالبية المطلقة من الجمهور الطائفي ، لكن لنمضي قدما في تفكيك عناصر الأزمة السياسي منها والقضائي .
فريق المالكي يؤكد أن قضية الهاشمي قضائية بقضها وقضيضها ومن ألفها الى ياءها وليس فيها رائحة السياسة ولا الطائفية ويصرون على ان القضاء هو السبيل الوحيد لحسمها .
فريق الهاشمي ينفي الأتهامات ويقول أن للقضية خلفيات سياسية وطائفية الهدف منها القضاء على خصوم المالكي من قادة العراقية ويعتقد أن السلطة القضائية في بغداد خاضعة لضغوط حكومية ولهذا يطلب نقل الدعوى الى كردستان او الى كركوك أو خانقين .
الفريق الثالث الذي هو مجلس القضاء الأعلى مثمثلا برئيسه مدحت المحمود يؤكد لطالباني والنجيفي بأن القضاء لم يمنح الحكومة موافقة على عرض أعترافات حماية الهاشمي في الاعلام ويوضح المتحدث بأسم القضاء أن المتهم طارق الهاشمي بريء حتى يبتّ القضاء في موضوع الأدلة المتحصلة ضده ، من خلال محاكمة عادلة، تتوافر فيها كل الضمانات المنصوص عليها في القانون .
الوجه القضائي للمشكلة أنه تم ألقاء القبض على أحد منتسبي حماية طارق الهاشمي متلبسا بمحاولة تفجير سيارة مفخخة خلال زيارة عاشوراء وقد أعترف هذا الشخص على شركاءه في مكتب الهاشمي ، ثم أعترفا أثنان أخران من حماية الهاشمي بأنهما تلقيا أوامر من الهاشمي لتنفيذ أعمال أرهاب وقتل وجرى تصديق هذه الأعترافات قضائيا وصدرت مذكرة قبض موقعة من خمسة قضاة تحقيق ضد الهاشمي وهي مذكرة ملزمة قانونا حتى للسلطات في أقليم كردستان
لكن الخلفية السياسية للمشكلة تتبين من خلال توضيح فريق المالكي بان ملف طارق الهاشمي في اعمال الارهاب والقتل ليس جديدا وان المالكي يتحفظ عليه منذ ثلاث سنوات وكان أطلع طالباني والراحل عبد العزيز الحكيم على ذلك ونصحاه بغلق الملف حرصا على سلامة العملية السياسية ، كما يؤكد حيازته لملفات في الأرهاب والقتل والفساد ضد العديد من قادة القائقادة القائمة العراقية ، وهو أعتراف يجرم المالكي نفسه لأستغلاله منصبه بالتستر على جرائم أرهاب وقتل وفساد
والسياسي أيضا أن للمالكي سوابق في أستخدامه لحرب الملفات ضد خصومه الذين يسببون له أزعاجا كما حدث مع النائب السابق عبدالناصر الجنابي عندما أستفز المالكي في البرلمان فهدده الأخير ( أن ملفك الأرهابي في مكتبي وسوف يفتح غدا) فخاف الجنابي ولاذ بالفرار الى خارج العراق .
الهاشمي الذي أربكته الأزمة في بدايتها وظهر في مؤتمره الصحفي الأول في حالة نفسية يرثى لها ، لاسيما وأن شبهات ومعلومات حول دوره في أعمال العنف الطائفي في السنوات الماضية معروفة للجميع ، لكنه سرعان ما أستعاد توازنه بعد الأستماع الى أهل الرأي والمشورة من رجال القانون والقضاء ، فكما أن للشرع حيله ، فأن للقانون حيله أيضا ، وهو يبدي أستعدادا للمحاكمة لكن على أرض ليس للمالكي سطوة فيها .
من طرف مجلس القضاء الأعلى لا توجد مشكلة قانونية في نقل الدعوى من مدينة الى أخرى داخل العراق وهناك سوابق في هذا الموضوع كثيرة لعل أكثرها شهرة نقل محاكمة وزير التجارة السابق عبد الفلاح السوداني من السماوة الى الى بغداد.
هذه القضية تستند بشكل اساس الى أعترافات المتهمين ، ولا تتوفر لجهات التحقيق أدلة أو قرائن أخرى تدين طارق الهاشمي على الأقل حتى هذه اللحظة ، ولهذا يخشى فريق المالكي أن يتراجع المتهمون عن أعترافاتهم أذا ما نقلت المحاكمة الى كردستان، الامر الذي سوف ينسف القضية برمتها ، وهو أمر أدركه الهاشمي بعد أيام قلائل بعد مشورة مع رجال قانون وقضاء ، ولهذا فهو يصر على نقل المحاكمة الى منطقة بعيدة عن سطوة الحكومة الأتحادية كما يلوح بتدويل محاكمته ، وفي كلتا الحالتين فأن المتهمين سوف يتراجعون عن أعترافاتهم .
وحسب القانون فأن الدفع بان الاعتراف لم يقدم طواعية لا يتطلب اثباتا ويكفي أن يثير المتهم الشك لدى المحكمة حول انتفاء عنصر الاختيار ساعة الادلاء بالاعتراف كما أن الاعتراف المسحوب بالأكراه او الأغراء لا يشكل بينة ضد شركاء المتهم في الجريمة وهذا أمر لصالح الهاشمي ، وأن القاعدة القانونية هي أن يأتي الاعتراف طواعية وألا يكون نتاج تهديد أو وعيد أو إغراء من السلطة ومن ثم فإن أي اعتراف يتحصل عليه المحقق أو سواه بأية وسيلة من الوسائل المتقدم ذكرها يفقد قيمته كبينة في الاثبات ، وأن الاعتراف يصبح غير مقبول إذا تبين لاحقا أنه لم يصدر عن طواعية أو أنه قد جاء بعد تعذيب المتهم أو بذل الأماني له بالوعود أو الإغراء وليس من الضروري أن يثبت المتهم ذلك على وجه القطع بل يكفي أن يثير الشك لدى المحكمة حول توافر أي من هذه العوامل وعلى المحكمة أن ترفض الاعتراف إالظروف المحيطة به أن المتهم أدلى بإعترافه تحت التهديد أو الوعد أو الإغراء .
فريق المالكي من جهته ليس باقل دهاءا من فريق الهاشمي ، فهو يعرف أن القضية ضد الهاشمي خاسرة قضائيا أذا ما نقلت المحاكمة الى كردستان أو الى كركوك أو تم تدويلها ، حيث سوف يتراجع المتهمون عن أعترافاتهم ويزعمون أنهم أعترفوا تحت ضغط التعذيب ، ولهذا فأن فريق المالكي يصر على أجراء المحاكمة في بغداد وهذا موقف سياسي وتجاوز على السلطة القضائية لأن ذلك من أختصاصها حصرا .
ثم ان المالكي سمح للهاشمي بمغادرة المنطقة الخضراء وبغداد الى كردستان قبيل ساعات من صدور مذكرة القاء القبض ، وكان بامكان المالكي ان يلجأ الى القضاء المستعجل لاستصدار قرار لابقاء الهاشمي تحت الاقامة الجبرية على الأقل لغاية صدور مذكرة القبض ، الهدف السياسي للمالكي هو أبعاد الهاشمي بتمكينه من الهروب دون محاكمة .
خلاصة القول أن أزمة الهاشمي وأن كانت قضائية من الناحية الشكلانية لكنها ثمثل أحدى تمظهرات الصراع السياسي والطائفي بين أطراف العملية السياسية في العراق الجديد .