22 ديسمبر، 2024 11:07 م

السياسي .. والضمير الحي

السياسي .. والضمير الحي

جميل ان يكون ضمير  السياسي , هو الرقيب الذي يعد  حركاته وسكناته , ويحذره من  انتقام  الباري عز وجل ! ويحد من تجاوزاته على المال العام ,ويدفع به الى اتخاذ المواقف الانسانية التي تتلائم وتعاليم ديننا الحنيف  الذي  يدعو الى العدل  والصدق  والرحمة والمساواة , والابتعاد عن السرقة  والغش [ والرشوة ] وخاصة الكذب . لان نار االكذب  تحرق الاخضر واليابس . وقد حذر منها الباري عز وجل ! في كتابه الكريم . ونهى عنها رسول الكريم محمد ص . وافتى بعدم الدخول في  دهاليزها , مهما كانت الذرائع .. سأل رسولنا الكريم  ص : يارسول الله هل يزني المرء ؟ فقال : نعم قد يغره الشيطان ويجره الى المعصية, فلا  يتمالك  نفسه  ويفقد  السيطرة على شهواته ..  فيقع في الخطيئة . وسأل ص : هل يسرق المرء ؟ فاجاب ص : نعم قد تدفعه الحاجه الى ما يكره , فيضطر اليها  اضطرارا . وسأل ص : هل يكذب المرء ؟ فاجاب ص : لا وكررها عدة مرات وقال ص : لان الكذب اصل كل بلاء . والكذب في الحياة اليومية يعتبر انحراف عن النسق الاخلاقي , ولكنه في السياسة , جريمة . هذا ما عبر عنه خبير الشفافية الدولي [ مايكل هيرشمان ] . في معرض رده على سؤال حول كيفية محاسبة المسؤول الفاسد لان السياسي عندما يكذب على شعبه الذي وضع على عاتقه امانة البلد , يفقد  مصداقيته  وشخصيته ويتحول الى رجل محتال .
 . ولو عدنا الى ديننا  الاسلامي  الحنيف ,  لوجدنا  تشريعاته  واضحة في هذا الشأن .. فمن لا يمنعه ضميره عن ارتكاب المعاصي , فليس بمسلم .فالضمير الحي هو الرقيب الذي يضع صاحبه على السكة الصحيحة التي تؤدي به الى حيث الامان والاطمئنان . وهناك الكثير من الفلاسفة  الذين  كان الضمير العمود الفقري في طروحاتهم ونظرياتهم التي كانت ولا زالت لها الاثر الكبير فيما  الت اليه  المفاهيم الانسانية  ..   امثال [ المفكر اليوناني افلاطون ] الذي مزج بين نظريته السياسية والاخلاق مقررا ان اساس الحكم اربع فضائل هي : الحكمة في الجانب الفلسفي , الشجاعة في الجانب الطبيعي , العفة في الجانب النفسي , العدالة في الجانب السياسي . ومن لا تتوفر فيه هذه الفضائل  فليبتعد عن  الحكم في رايه . ومع ان الجميع تؤكد على اهمية الاخلاق والضمير في المسيرة الحياتية للانسان , الا اننا نشاهد السياسي الناجح اليوم هو : من يتقن فن الكذب بمختلف اشكاله وانماطه ويعرض بضاعته التي تتلائم وامال وتطلعات الفئات المسحوقة .. الذين يسارعون الى تصديق كل من يمنيهم بالوعود . . حتى وان كانت كاذبة . فالسياسيون   .. يعيشون على اطلاق الوعود الرنانة التي لا يجني منها  المواطن شيء , وتراهم في حالة من التشضي في الرؤى والغموض في اغلب تصريحاتهم .. خاصة عندما  يتعرضون الى متغيرات ومنغصات يشعرون معها بتداعي شرعيتهم السياسية , واهتزاز مراكزهم الوضيفية التي تدر عليهم ملايين الدولارات . وهم طبعا لديهم القدرة على التحدث باسلوب هادىء ومقنع  , سلطانهم السنتهم , يجعل المحيطين بهم يستمعون اليهم باصغاء تام , معتقدين بان كل ما يتفوهون به سيترجم ويصبح افعالا تدخل حيز التنفيذ .
ان غياب الضمير راجع الى عدم تذكر اليوم الاخر وما فيه من حساب  فقد قال الرسول محمد ص ] ان القلوب لتصدا كما يصدا الحديد ] فقالو : وما جلاؤها يارسول الله ! قال ص : [ ذكر الله ] وذكر الله عز رجل يحيي في النفوس الايمان , والخوف من العقاب , وتجنب كل المعاصي التي لا يرضاها الباري عز وجل ! لذالك نؤكد على حتمية احياء الضمير [ ليصلح ما افسده الدهر ] ويفعل واجباته الدينية والانسانية
 فغياب الضمير احدث ما نراه من نهب وسلب وسرقة احالت بلادنا الى ركام ,ودفعت بها لتصنف من اوائل الدول في الفساد الاداري والمالي في العالم . . ان احياء الضمير , يعني احياء الانسان التقي والنزيه .
وعندما يموت الضمير  , يتحول الانسان الى وحش كاسر وتنعدم لديه المشاعر النبيلة التي تميزه عن غيره وتتيه لديه البوصله الاخلاقية , وتنعدم الرؤيا  .. ويندفع في حب الدنيا والتنافس على ما فيها من مكاسب دنيوية حذر منها الله سبحانه وتعالى ! في كتابه الكريم .. واعتبرها اساس كل بلية . فمن اجل متاع الدنيا يبيع الاخ اخاه , ويخون الناس الامانات , وينكثون العهود والمواثيق , ومن اجلها يجحد الناس الحقوق وينسون الواجبات ويبغي بعظهم على بعض , ويعيشون كسباع الغابة يفترس القوي الضعيف ويلتهم الكبير الصغير ومن اجل شهوات الدنيا يغش التجار ويتجبر الرؤساء , وينافق ضعفاء الانفس ويتزلفون .
ومفهوم الضمير له خصوصية في فلسفة سيدنا الصدر رضوان الله عليه . وهو يرى بان الحياة الروحية هي حياة اخلاقية على الصعيد الفردي والاجتماعي وان الايمان بالله ! يقتضي مجاهدة مستمرة . لذالك فالله حاضر في الاخلاق حضور المعبود في المعبد . والاسلام نفسه يعتبر رسالة واضحة الى الضمير الانساني ليفيق من غفوته ويعود الى جادة الصواب . والاسلام عني بتربية الضمير عند الانسان المسلم . لان من مات ضميره , لا يستطيع تادية واجباته بما يتلائم وعدالة ديننا الحنيف , ولا يضع مخافة الله عز وجل اما عينيه , ويصبح كمن ينطبق عليه المثل : [ اذا لم تستح فاصنع ما شئت]  ..