سرني احد الأصدقاء الأطباء من شيوع ظاهرة انتشار مرض النقرس بين أوساط السياسيين العراقيين من حديثي النعمة وبين المسئولين الحكوميين المندفعة كروشهم إلى الأمام بشكل ملفت إذ يشير صاحبنا الطبيب إن هذا المرض يسمى شعبيا بداء الملوك ويصب من يكثر من تناول اللحم يوميا وبلا هوادة كأنه مفجوع !!
ولم يعد هذا المرض مخجل بالنسبة لرجال السلطة المفتخرين بهذا الداء الذي يؤكد إنهم من علية القوم يقاربون خصال وصفات الملوك متناسين حقائق الأرقام التي تشير وجود أكثر من ثلاثين بالمائة من سكان العراق تحت مستوى الفقر أي إنهم يتناولون وجبة أو وحبتين يوميا من الطعام الذي يفتقر لأبسط مقومات الحماية من الأمراض .
الاعتماد اكبر فيه على مفردات الحصة التموينية سيئة الصيت التي أمست مثار سخرية العراقيين ومصابة بإمراض التقلص المستمر والاضمحلال بما يتناسب عكسيا مع ارتفاع كروش السياسيين المعتادين على ولائم المصالحة التي لا تنتهي حتى إن هناك شكوك باختلاق الأزمات من اجل المشاركة في ولائم خيالية تزهو فيها الموائد بما لذ وطاب من أنواع اللحوم الحمراء وسط ضحكات السادة المتخاصمين شكلا والمتفقين على إذلال الناس في تأدية ادوار المختلفين لكن كاميرا القنوات تأتي للشعب المغلوب على أمره بصور تنافي وتعاكس عدد وحجم التصريحات النارية المتبادلة واتهامات التخوين المتبادلة لكن على ما يبدو عند الحضور للولائم تتراجع وتخفت نبرة الخصامات في اتفاق ضمني على مبدأ (الزاد اوجب) وأي زاد انه زاد الملوك وولائم المنتصرين دوما على إرادة الشعوب
ما هو ملفت والحديث لم يزل للطبيب إن هناك مؤسسات ووزارات تحتل المراتب المتقدمة بانتشار ذلك الداء بين صفوف مسئوليها ولو كان هناك دارس ومتتبع علمي لهذه الظاهرة لكان بإمكانه أن يقارن بين حجم الفساد في هذه الدوائر وانتشار داء النقرس بين أوساط المدراء فيها إذ تتربع أمانة بغداد ومجلس الوزراء ووزارة الداخلية على قوائم المؤسسات المنعمة بربيع النقرس ورغم إن تلك المؤشرات ليس لها أساس إحصائي دقيق جدا لكن هناك اتفاق ضمني يعترف به الأطباء المتابعون لبروز هذه الظاهرة الباعثة على الأسى في ظل انعدام تحقيق العدالة في توزيع ثروات البلد وتوزيع المكرمات المجانية على رجال البلاط والسلطة والأحزاب الكبيرة .
السياسيون المتخاصمون غالبا ما تخفت حدة خلافتهم عند توزيع مكرمة جديدة إذ أذيعت سرا أخبار عن توزيع أراضي جديدة للوزراء ولأعضاء مجلس النواب ولمستشاري رئاسة الوزراء وبعض الموظفين في الرئاسات .
توزعت حسب القرب من الزعامات بين مناطق الكاظمية والعطيفية والبياع والسيدية ولا يوجد أي شرط بان هناك استثناء لمن سبق وان حصلوا على ارض في فترة سابقة هذا الخبر ينقله نواب وقالوا إنهم يشعرون بالخجل .
من هذا الإسراف في إذلال الفقراء الذين نمثلهم لكنهم في الوقت ذاته اعترفوا أنهم لن يرفضوا هذه العطايا السخية .
حيث تتراوح أسعار تلك الأراضي والكلام لنواب وموظفين في رئاسة الوزراء بين مائتين وخمسين مليون ومليار دينار عراقي علما إن اغلب المشمولين هم سكنة المنطقة الخضراء أو ممن استأجرت لهم الدولة بيوت في الجادرية او المناطق الراقية في العاصمة وهم من أصحاب الدخول التي تمكنهم من شراء ارض سكنية خلال شهرين فقط دون أن يؤثر ذلك على تناولهم اليومي للحوم .
والغريب إن أكثر المصابين بداء الملوك هم من الأحزاب الدينية التي تتبع نهج الإسلام المحمدي ومبادئ إمام الفقراء علي بن ابي طالب الذي يؤكد إننا قوم لا نأكل حتى نجوع وإذا أكلنا نقوم قبل ان نشبع أما إذا حاولت أن تردد تلك العبارة أمام مسامعهم فلن يجدوا حرجا بإيجاد مخرجا فقهيا مناسبا فهم حاضرون دوما لاختلاق التبريرات ! .