الصورة الاولى: سياسي يظهر انيقا, محمر الخدين والوجنتين, مبتشرا مطمئنا يتحدث عن كتلته وموقفها منتقدا الاخرين متوعدا بانفراج ازمة العراقيين, اما ازمته فقد حُلّت بالأساس!
الصورة الثانية: امرأة مسنه تضع يدها فوق رأسها لتتكلم عن تجربتها في جهنم البشر وبؤسها في ضنك العيش لتتنقل الكاميرا بين غرف بيتها المصفح بأوانيه الباليه وبعض المفروشات التي لا تصلح ان توضع في زريبة!
في الصورتين ثمة تلازم, السياسيون والفقراء; انهم يهيمنون على الشاشات الصغيرة, فهم ابطالها ويستحقونها بجداره لدرجة انك تلتفت لما يقولونه جيدا وتنصت باهتمام برفقة شيء من الشعور تماما كما لو شاهدت حسين فهمي يحتضن ميرفت امين منتظرا ساعة الصفر!
السياسيون الذين يظهرون ببذلاتهم الأنيقة وهي توحي بترفهم والفقراء الذين يظهرون بملابسهم الرثة التي توحي ببؤسهم; مادة اعلامنا وسلعته التي لا تبور, حتى انك لتجد الكاميرات والميكروفونات تتواجد في مكانين على وجه التحديد, البرلمان العراقي ومناطق التجاوز (الحواسم)!
البائسون المحتاجون الفقراء المكَاريد, سمهم ما شئت, اصبحوا مادة القنوات الفضائية اذ ما تأفك ان تتنافس في عليهم للحصول على لقاء يشرحوا فيه معاناتهم وحاجاتهم واهمال المسؤولين لنداءاتهم ليختموا اخيرا بمعوذات اللقاءات الكلاسيكية “نناشد السادة المسؤولين” بعد ان يوصون بقول الاهم “نشكر قناة الفلانية ام الفقراء والمظلومين وعلى رأسها الاستاذ فلان الفلاني ابو الفقراء والمساكين على هذه الالتفاتة”,
هذه التراجيديا التلفزيونية اليومية تشعر المتابع بمسرحة الواقع, ليس لكره المشاهد لكذا مواد انما لانعدام المصداقية (احيانا) واستعمال عباد الله مادة للربح وجذب الانتباه, بودنا الانتباه لكلمة (احيانا)! على طريقة كلمة الحق التي يراد منها الباطل,
والدتي مثلا حين ترى مشهد ام بائسة تصّر على بقاء القناة لاجل ان تشاركها حزنها ولأجل ان تبكي على كل كلمة تقولها وهي تهمس بعبره “ويلاه, شوف الوادم, الله ولحد”
حقيقة, ان اي عراقي يتمنى ان لا يشاهد ذلك الفقير بل يتمنى ان يشاهد السياسي, ولكن كيف ؟
لقطه اولى: مقدم برنامج بوجه مبتشر وباسم وضاحك وهو يقول : مرحبا بكم يا ابناء وطني السعيد, انه ليوم جميل, ولساعة جميلة ان التقي بحضراتكم لنعيش معا حلقة جديدة من برنامجكم “العراق شعلة الثقافة والفنون” اذ يحتضن مهرجان الجواهري نخبه من الادباء والشعراء من مختلف دول العالم لليوم التاسع على التوالي,
سياسي: بجهود الساده النواب وصدق وعدهم ; اتفق المجلس على تخصيص مكافئة مجزية للسادة العلماء المتنافسون على جائزة الابتكار العلمي العراقي لهذا العام كما ناقش المجلس مسألة بناء المنتجعات السياحية التي من المقرر اقامتها في محافظة ذي قار وكذلك تم اقرار مشروع الطرق الخارجية لمدينة كربلاء لغرض معالجة حركة الزائرين اثناء الزيارات في المدينة,
الاقتصادية فيقول: مشروع زئبق ميسان الكبير لايزال يحقق نجاحا منقطع النظير في الاوساط الصناعية العالمية, كما ارتفع مؤشر اسهم بابل الى اعلى درجاته مع اقبال شديد على الهاتف الذكي الجديد الذي تنتجه الشركة العامة للصناعات الإلكترونية, وتنافس الشركات العالمية على استيراد الفوسفات الوطني الذي يستخرج من محافظة الانبار,
الرياضة: فاز منتخبنا الوطني بصعوبة بالغه على المنتخب الايطالي بنتيجة 2/1 ضمن منافسات المجموعة الثانية من كاس العالم المقامة في بغداد كما تأهل الرباع العراقي لنهائيات مسابقة 100 متر في اولمبياد برلين المقامة بألمانيا واحتراف قائد منتخبنا الوطني لكرة السلة في نادي ميامي هيت في (NBA) ليكون الاعلى اجرا مع اللاعب ليبرون جيمس افضل لاعب في الدوري الامريكي,
هذه الاحلام او الاحرى الاوهام لا يمكننا ان نعيشها اذا ماكنا نبقى واقع الصورتين الاوليتين “السياسي الانيق والفقير البائس” ولا يمكن لوطن ان يرتقي وولاة امره لا يشعرون ببؤس حال رعيته, ولا يمكن للعراق ان يتقدم مالم تنعدم تلك المشاهد المملة المتكررة, فبناء الانسان الحضاري هو طريقنا نحو الحضارة والتقدم, ولا تقدم بإنسان لا يشعر بكلمة الحياة .