قد كنت احسبهم _ خاصة_ بعد تجربة العراق في ظل نظام البعث انهم اتعضوا ، وقد خييل لي وانا استعرض الاحزاب الدينية والشخوص المؤمنة التي ظهرت على الساحة بعد التغيير ان الله من علينا بقادة لم يسبق لهم مثيل في العراق ، فهم بعد كل هذه المعاناة والظلم الذي لحق بنا سيغيرون التاريخ وسيكتبونه من جديد بايادي واقلام مؤمنة بالله وحق الشعوب في العيش الكريم وبمالها الوفير ، وقد كنت اتوجس الخيفة بعد الاخرى من معاداتهم لانهم وحسب تصريحاتهم من انهم سيقيموا العدل في هذا البلد بعد ان فتك به النظام السابق، وسار الزمن مسرعا وبدا المسار يتجه صوبا اخرا وقد كنت مع نفسي وانا مراقب مهني للاحداث اوجد الاعذار لهم ، كونهم جدد على السلطة والحكم وان المشاكل الموروثة كثيرة ومعقدة جدا جدا. ولكن اول نقطة اثارت حفيظتي هي خضوعهم وهم اعداء الشيطان الاكبر لامر بريمر بتشكيل مجلس الحكم على اساس قومي وطائفي ، وتقبلهم نظام السوق على علاته وهم اتباع الامام علي كرم الله وجهه (وافكاره معروفة في العدالة الاجتماعية) وهنا بدا حماسي كالاخرين يفتر عنهم وسكوت الحكام الجدد على سرقة وزير الدفاع في حكومة السيد اياد علاوي للمال العام ولم يقلبوا الدنيا على السارق كان ذلك بمثابة جواز سفر مختوم لكل سارق من الجدد ليمر بسلام (والختم جاء من جميع الكتل والاحزاب الجديدة) وهنا بدانا ننفض مع الاخرين عن هذه الاحزاب وتلكم الشخوص، واخذ الراي العام تدريجيا يتشكل على نحو غير مؤييد لهذه الاحزاب ، وربما يسال احدهم لماذا توجه الناس للانتخابات ؟ ان توجه الناس للانتخابات جاء ليثبتوا للملا اننا مع التعبير الحر للارادة وكانت بمثابة التحدي للارهاب الذي بدا يضرب الدوائر الانتخابية ، كان على كل سياسي ان يقرا هذا التحدي بعلمية وامعان ، كما وان التوجه في كل مراحل الانتخابات كان لاعطاء فرصة تلو الاخرى للتغيير ولا يحسب اي منهم ان ذلك كان تاييدا مطلقا لهم وتوقيعا على بياض حتى ولافعالهم غير القانونية اولها الاستيلاء على دور صدام والسكن فيها او مصادرة الاراضي الخضراء في بغداد والمحافظات لتشييد دور او مكاتب عليها واخرها جعل عقارات الدولة مقرات لاحزابهم .
ان هذا الشعب صبور وصبره يقاس بالعقود ، فاذا فرغ صبره ، امتلات يده ، وهنا اذكر بيوم 14 تموز عام 1958 ، ويومها كنت في الثالثة عشر من عمري اتذكر وقد كانت الساعة العاشرة والنصف صباحا فجاءت سيارة بيكاب ماركوري موديل 58 ونزل منها شباب وكنت واحدا منهم وتوجهنا صوب تمثال الجنرال مود القابع امام السفارة البربطانية في الشواكة مقابل دار المرحوم توفيق السويدي وتم ربط عنق الجنرال وتم تكبيل راس الحصان وقامت السيارة بسحب الجنرال في الشوارع ، وكان الشارع يموج صائحا بالهتافات ضد العهد البائد ويؤييد الجيش على هذه الثورة الجبارة ، واني هنا لست بمعرض تاييد الثورة لكني انقل الاحداث بدقة وامانة رغم كوني صغيرا واني من مواليد الكرخ واصلي من كرادة مريم توجهنا الى دار نوري سعيد في الكرادة حيث كنا نسبح هناك بين فترة واخرى ، ودخلنا الدار الذي كان بحماية الجيش ، واطلعنا على اثاثه فكان والتاريخ يشهد اثاثا بسيطا يدل على متوسط حال الرجل ، وذهبنا في اليو م التالي 15 تموز الى قصر الزهور وقصر الرحاب ، والله كانا قصرين عاديين لا ابهة فيهما ، واعتقد انهما كانا مثل قصور تجار بغداد ، اني اردت بهذا ان اوضح للقارئ الكريم ان هذا حال حكام بغداد في العهد الملكي وحدثت الثورة فكيف بنا الان وحال الحكام على ما هو عليه ولا يتوقعون حدوث ثورة فاذا كانت الثورة عام 58 جاء بها الجيش وايدها الشعب ،فان الثورة القادمة سيقوم بها الشعب ويؤيدها الجيش ….وان شاء الله لا يحدث هذا وان يقوم الحاكمون باجراء التغيير المطلوب .