23 ديسمبر، 2024 8:43 ص

السياسيون المحترفون ومواقفهم المتذبذبة السياسيون المحترفون ومواقفهم المتذبذبة

السياسيون المحترفون ومواقفهم المتذبذبة السياسيون المحترفون ومواقفهم المتذبذبة

-1-
المعروف انّ مواقف الدول وقراراتها تدور –في الغالب- مدار مصالحها، والنتيجة الطبيعية لذلك ، أنْ تكون ” الاخلاق” أول ضحايا هذه “الاستراتيجية” ..!!

والسياسة على ما قيل – لا قلب لها – …!!

-2-

والغريب أنْ يحتذي السياسيون المحترفون، حَذْوَ الدول في تغليب (المصالح) على (المبادئ)، خلافاً لما تقتضيه الموازين الشرعية والقانونية والاجتماعية ..!!

ومن هنا يمكن القول :

اننا أمام خطّ بيانيّ شديد التذبذب يصوّر زئبقيتَهمُ ..!!

-3-

انّ أشد المعارضين لاقامة (الأقليم) –بالأمس- عاد اليوم ليكون في رأس قائمة الداعين الى إقامتها !!

وانّ المتشدقين بوجوب مقاومة القوات الأجنبية الموجودة على تراب الوطن ، بدأ صوته يلعلع بضرورة توجهها لأراضينا اليوم ..!!

والأمثلة في هذا الباب ، كثيرة معروفة لا حاجة الى استعراض المزيد منها .

-4-

ولعلّ هذا المنحى الحافل بتذبذب المواقف هو الذي أشاع القول بانّ المتغيرات في السياسة أكثر من الثوابت ..!!

-5-

وليست هذه الحالة ، حالة التذبذب في المواقف ، بجديدة على الاطلاق …

انها ظهرت منذ بداية عشرينات القرن الماضي ، في العراق .

-6-

ظهر التذبذب في المواقف على لسان العديد من الشخصيات العراقية البارزة

هذا الزهاوي – جميل صدقي – الشاعر الفيلسوف ، رثى الأبطال الشهداء في ثورة العشرين فقال :

ماذا بكثبان الرميْثة مِنْ غطارفةٍ جحاجحْ

ولِمَنْ أُقيمتْ في البيوت على كرامتها المناوحْ

ديوان الزهاوي /ص320

وحين وصل (السر برسي كوكس) الى بغداد في 11/11/1920 وقف الزهاوي مُرحبّا به ليقول :

عُدْ للعراق وأصلحْ منه ما فَسَدَا

وابثثْ به العدلَ وامنحْ أهلَه الرغدا

الشعب فيه عليك اليوم معتَمِدٌ

فيما يكون كما قد كان معتمدا

ديوان الزهاوي ص 176

وفي هذين البيتين من الملق والمجاملات الرخيصة على حساب الشعب والوطن ما فيهما ..!!

وأين هذا من ثنائه الحار على الابطال الشجعان ثوار الرميثة ابطال ثورة العشرين – ؟!!

-7-

واذا كان (الزهاوي) شاعراً يجري على ما جرى عليه الشعراء الذين قيل في شعرهم :

(اَعذبهُ أكذبُه)

فان هناك من هو أكبر من (الزهاوي) مكانة وشأناً ، تذبذبت موافقه أيضا

هذا النقيب الكيلاني عبد الرحمن : سألتْه (المس بيل) عن رأيه في اسناد عرش العراق الى أحد أنجال الشريف حسين أمير مكة فردّ عليها قائلا :

” أما بالنظر الى الحكومة العراقية فان مَقْتي للادارة التركية الحالية معروف لديكم إلاّ أني أفضّل عودة الترك ألف مرّة على أنْ أرى الشريف أو أحد انجاله يحكمون هذه البلاد “

تاريخ الوزارات العراقية/ج1/ص39

فالرفضُ لمجيء الشريف أو أحد أنجاله – وكان المرشح فيصل الاول بالذات – رفضٌ مطلق لا مجال فيه لمراجعة أو مداولة ..!!

ولكننا نقرأ في جواب (الكيلاني) على برقية أرسلها له الشريف حسين بتاريخ 17 حزيران /1921 ، بشأن قدوم ولده فيصل الى العراق ،شيئا آخر ، يُغاير كليّاً ما أجاب به (المس بيل) حين سألته عن رأيِهِ في الشريف!!

قال الكيلاني في الجواب :

” لحضور صاحب الشوكة والعظمة جلالة الملك حسين سلطان الحجاز أيد الله شوكته لقد أخذت بيد التكريم والاجلال برقيتكم المشعرة بتوجه سمو الأمير ، ذي القدر الخطير ، الأمير فيصل حفظه الله الى العراق، وقد ابتهجنا سروراً من هذه البشارة، ودعونا له بالسلامة، وصرنا ننتظر قدومه ساعة فساعة شوقا للقياه ،

فَبِمِنّه تعالى عند قدوم سموه ينادر الى القيام بالواجب علينا من خدمته ،

حيث اتحاد النسب والحسب القديمين يقضيان بذلك على الداعي .

وأما الأمر السامي الملوكي لهذا الداعي ، بالسعي جميعا فيما يستلزم راحة البلاد ، فهو واجب الامتثال ، على كل حال ، لاقتضاء الحس الوطني ، ونسأل الله التوفيق ))

إنّ (النسبة) بين جواب الكيلاني عن سؤال (المس بيل) والبرقية الجوابية التي بعث بها الى الشريف حسين هي (التباين) – على حد تعبير المناطقة – فمن الرفض المطلق الى الترحيب المطلق ، والعمل (بابتهاج وسرور) الى (القيام بالواجب) ..!!

-8-

ولعل هذا التذبذب في مواقف السياسيين المحترفين، هو الذي أدّى الى انخفاض مناسيب التفاعل معهم اجتماعياً، فثمة حاجز كبير يحجزهم عن النفاذ الى قلوب الناس، ووجدان الجماهير ، ذلك ان الجماهير تعشق المبدأييِن المُضحين لا الانتهازيين المتذبذبين ..

-9-

وشتان بين السياسة في أفقها الرسالي، حيث تكون بمثابة العبادة، وبين السياسة في أفقها الاحترافي، حيث تكون وسيلة للحصول على المكاسب والامتيازات الشخصية والفئوية ….

*[email protected]