الإنسان بطبيعته قد تأخذه العزة بالإثم أو الخطأ فيتمادى أكثر في الإيغال بالجريمة أو الذنب,والحياة عموما هي مختبر عظيم,
تبنى قناعات البشر فيها من خلال التجارب,والسياسة في بلاد الشرق طريق وعر لايعرف الوضوح,مليء بالتراثيات والخرافات والعادات والتقاليد البالية والحميدة,تغلفها تأويلات وتفسيرات بطانة الأديان المقدسة والوضعية,وكذلك كثرة انتشار الطوائف والاثنيات والعرقيات المختلفة ,الخ.
السياسة اكبر طرق التوريط للسياسيين في البيئات الاجتماعية الشرقية والعربية تحديدا,يندفع احدهم وفقا لرؤيته الشخصية أو بدوافع طائفية أو عرقية , أو حتى من خلال بعض مستشاريه المنتفعين من سياسة التوريط المطبقة عليه,فيصبح هذا السياسي أسير لتلك المفاهيم أو لهذه الأفكار المشحونة بالحقد والكراهية الموجهة للطرف الأخر,أو قد تكون جزء من الاعتقاد الشبه راسخ في أذهان هؤلاء الأشخاص المستشارين ,الذين يعتبرون أرائهم هي الحقيقة أو الأصح أو الصح المطلق!
اغلب الحكام العرب الحاليين ,والذين رحلوا إلى مزبلة التاريخ يؤمنون بسياسة طريق اللاعودة,ولكن بنسب متفاوتة,(عدا الرئيسين التونسي والمصري زين العابدين بن علي وحسني مبارك ,الذين تراجعا عند أول الصدامات الدموية),بينما رأينا صدام والقذافي وبشار الأسد وملك البحرين وغيرهم ,هم رواد هذه الأفكار المدمرة للبلاد والعباد,وهذا مايراد له أن يحدث في العراق,
فقد صعد الإعلام العربي والإقليمي والعالمي من لهجته ضد رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي (أول رئيس وزراء وصف المالكي بالدكتاتور هو اردوغان رئيس وزراء تركيا) ,
ولكن هل بالفعل المالكي أو حكومته أو كتلته هي المسؤولة عن كل هذه الفوضى التي حصلت في العراق؟
الحقيقة نحن نتكلم بنفس ورأي محايد ,ولكن هذا لايعني إن المحايد يكون دائما في الوسط ,لايمكنه تقيم الأشياء والأمور التي تحدث بطريقة عقلانية,أو لايستطيع ان يقول من المذنب ومن يتحمل مسؤولية الأخطاء(تحت مبدأ الثواب والعقاب,والخير والشر,وتمييز ألوان العمل السياسي والأخلاقي بالأبيض والأسود,الخ.),
إن حزب الدعوة والمجلس الأعلى والتيار الصدري(فضلا عن الأحزاب الكردية والعربية السنية)شجعت بقوة عودة المجتمع العراقي المدني إلى الوراء,لأنها كانت معارضة غير معروفة للشارع ,بسبب غيابها الطويل عن ارض الوطن,اعتمدت بعد عودتها على البنية العشائرية والقبلية في بناء النظام الديمقراطي الحديث,
وكان أول من أسس لمجالس الإسناد العشائري ومكاتب المصالحة الوطنية(التي اتجهت للعشائر تحديدا)هي كتلة دولة القانون,فصار عضو البرلمان أو المجالس المحلية مرهونة كرامته وسمعته بالعشائر التي ينتمي إليها أو المحتمي بها
(فجلبت قوائم التعيين إلى مضايف تلك العشائر لضمان كسب الأصوات, لان الناس ومن شدة الفقر يعتقدون إن رزق هذه العوائل جاء عن طريق هذا السياسي أو ذاك ,وليس عن طريق الله والوطن),ومن هنا أعطيت بعض السلطات الحكومية إلى العشائر العراقية المحترمة( لكنها لاتفهم بالسياسة قطعا لأنها لاتعنيها وليست من اختصاصاتها),
وبما إن اغلب العشائر العربية السنية لم تعاني أو تتأذى كثيرا من النظام البعثي البائد,وكان اغلبها مساندا له(ومنهم تعلمنا القشمر-ياول-وعجل-وروافض-وصفويين-وأقص رأسوا ولسانوا وأذنوا-الخ)وتأثروا كثيرا برحيله,
فهم غير معنيين بالدمار الذي لحق بالعراق جراء كوارث نزوات الحروب الثلاث(الخليج الأولى والثانية والثالثة-ايران1980-الكويت1990-الاحتلال2003-والحصار الاقتصادي-وعمليات الإبادة الجماعية بحق الشيعة والأكراد),لان الشحن الخارجي الطائفي لايجعلهم يستريحون ويريحون أدمغتهم من هذه التركة المتعبة لهم ولنا,
ولهذا لايستغرب احد عندما يجد عضوا في البرلمان أو مجالس المحافظات أو وزيرا أو مديرا عاما أو ضابطا (الخ.)متهم بجرائم الإرهاب, فقد جاءت به الآليات الديمقراطية الخاطئة(التي تعتبر المحافظة بأكملها دائرة انتخابية واحدة),
وللأمانة نقول إن العديد من عقلاء إخواننا السنة العرب يعترفون بذلك ,
هذه الحقائق لايمكن إغفالها أو الخجل من التطرق إليها,لان الامتيازات التي كانت ممنوحة لهم امتيازات كبيرة جدا تفوق مامنح للشيعة اليوم,وهي نفس الامتيازات الحكومية الحالية الممنوحة لبعض سياسيي المنطقة الخضراء(تتناقل ألأحاديث في الشارع عن طريق حمايات المسؤولين عن حجيات المنطقة الخضراء, بأن بس زوجة فلان المسؤول تصطحب خادمتها الأسيوية معها أينما ذهبت ,بينما تتشدد وزارة الداخلية على بقية المواطنين ,علما إن بلاد فقيرة كلبنان مثلا تنتشر فيها الخادمات الأسيويات ,ولكنها مظاهر البطر الجديدة)
بحيث تجرأ عدد منهم للحديث علنا مع الحكومة حول حقوق أجهزة النظام البائد التقاعدية(فدائيي صدام-أجهزة الأمن والمخابرات والاستخبارات-والرفاق البعثيين),
وجثث المقابر الجماعية لازالت محفوظة تحت بند مجهولة الهوية,بينما بعد عشر سنوات عجزت الحكومة العراقية(المتهمة بأنها شيعية)عن إعادة تعيين مجاهدي انتفاضة 15 شعبان,وإعطاء الحقوق القانونية والوظيفية والتقاعدية للمهجرين(في الداخل والخارج),وإنصاف ضحايا النظام البائد.
إن الاحتجاجات والاعتصامات المستمرة في المناطق الغربية,هي موجودة في كل بيت شيعي ولكنها مكبوتة وغير ظاهرة للعيان(عدا البيوت المستفيدة من الأحزاب والكتل الحاكمة,وقد اتضحت معالمها في نسب المشاركة المتدنية في انتخابات مجالس المحافظات الحالية),
والخلاف الوحيد الذي قسم الشارع وجعله غير متضامن مع الاحتجاجات القائمة, هو قائمة المطالب الغير شرعية, والأصوات الطائفية النشاز المنادية به,ولهذا قيل عن الفقراء إنهم وقود الثورات,
فالناس هناك ليست هذه مطاليبهم, ولكن صوتهم صادرته الحناجر الإرهابية المتطرفة,فجاءت نتائج أحداث الحويجة
(وهذه المنطقة معروفة للشارع العراقي بولائها السابق الشبه المطلق لنظام صدام)
كرد فعل غير مدروس من قبل الطرفين,كان الأولى بالمسؤولين عن ساحة الاعتصام السماح لقوات الجيش بالدخول ,وفقا لاتفاق مسبق يتم بين الطرفين ,للبحث عن المتهمين المفترضين,تجنبا للفوضى وإراقة الدماء (لاتوجد دولة ديمقراطية يواجه جيشها بالسلاح من قبل المتظاهرين)!
لقد استدرجت الحكومة العراقية ورئيس الوزراء المالكي إلى ساحات المواجهة,وهذه سياسة اتبعها المالكي منذ فترة,وكذلك المعتصمين المتواجدين في ساحات المناطق الغربية السنية,
الطرفين اتخذا من مبدأ طريق اللاعودة وسيلة للحوار والمواجهة فيما بينهم,وللأمانة أيضا نقول إن الحكومة العراقية هي كانت صاحبة المبادرة الأولى للتهدئة على طريق حل الأزمة,وشكلت لجان خاصة من اجل حل الأمور, ومتابعة وتنفيذ المطالب المقبولة..
الحرب الأهلية تعني انتهاء السيادة الوطنية المحلية,والدخول في دوامة الصراعات الداخلية القاتلة,
وتصبح البلاد مرتع لعبث المخابرات الإقليمية والدول المجاورة,ولكن تعديل مطالب المحتجين بحيث تشمل كل مطاليب الشعب العراقي دون استثناء,هي الوسيلة الحضارية الوحيدة للحوار مع الطرف الأخر الحذر من خطوات التأييد,
(مطالب تعديل بعض مواد الدستور,وقوانين الانتخابات المحلية والبرلمانية-السعي لتشريع قانون التوظيف العام لجميع الخريجين من قبل مجلس الخدمة الاتحادي,وإعطاء رواتب شهرية مجزية للعاطلين والعاجزين عن العمل-محاسبة الفاسدين-تنفيذ البرامج والوعود الحكومية-إنصاف ضحايا النظام البائد والعمليات الإرهابية-تعديل قانون المساءلة والعدالة ,الخ.)
ليس من صالح احد ان يفكر دائما بالحلول المدمرة والخطيرة,وعلى الجميع ان يعرف إن سياسة طريق اللاعودة ,تعني الانهيار الكامل للدولة والمجتمع والإنسان………………