هناك من يتعامل مع السياسة بمنطق ( سوق هرج ) ، أو ( السوق الشعبية ) في تعبير بعض الدول العربية والاجنبية ، أو أي تسمية لتوصيف هذه السوق ، في هذه الدولة أو تلك …
ويقوم التعامل عند البعض فيها على الغش والخداع والشطارة والضجيج والصوت العالي ، والربح السريع ، والحظ والنصيب والصدفة ، وليس فيه ضمان في الصلاحية للمادة المعروضة ، فقد يظهر ( وهو الاغلب ) من خلال الاستعمال
بان ( المادة ) غير صالحة للاستعمال ، وترمى في سلة النفايات ، بعد أن كان البائع قد أقسم له ( باغلظ الايمان ) أنها صالحة ، وجيدة ، وأقل من ثمنها الحقيقي ، وبذلك خدع المشتري ( المغفل ) أو ( صادق النية ، والظن الحسن ) بمنظرها الجميل في العرض ، وإدعاء جودتها وصلاحيتها فوقع في حبائله …
وهذا المنطق يجعل السياسة وكأنها ( عمل بلا قلب ) ، أو( حركة بلا عقل ) كما يرى البعض ، أوكأنها ( شطارة ) بلا ( عاطفة ولا ضمير ) ، أو سوق ( خردة ) تتعامل بالفرصة ، والاستغفال…
كلا … السياسة ليست كذلك ، وهذا خلاف المنطق القويم ، لأن مادتها وغايتها الانسان ، وقيمتها بما تقدمه للشعب والوطن من خدمة ، ولهذا ينبغي أن تتعامل بصدق وإخلاص ، وصراحة تامة ، وشفافية عالية مع الشعب ، لان بيدها مصائر البلدان ، وحياة الشعوب ، وأي خلل فيها يعرضها الى الخراب والدمار..
والشراكة في الوطن – وهي موضوعنا – ليست مثل الشراكة في السوق ، يمكن أن تنفض بين طرفين بسرعة ، أو برغبة أحدهما ، أو كليهما ، أو عندما لا يجدان مصلحة في استمرارها ..
لكن السياسة باخطائها ، ومصالح من يعمل فيها ، قد تفرغ هذا ( الرابط الوطني المقدس ) من معناه ومضمونه الوحدوي الحقيقي ، عندما تتعامل بلغة السوق والرغبة والشطارة والربح والخسارة بنزعة ذاتية ضيقة ..
فالشراكة الوطنية الحقيقية لا تنفصم مهما وصلت درجة الخلاف ، لأن المواطنة هي القاسم المشترك بين الجميع ، وتترجم في السلوك والتصرف تجاه القضايا المشتركة ، وفي مقدمتها الوطن الذي يشترك الجميع به ، على عكس الشراكة عندما تفرغ من ذلك المضمون الحقيقي ، وتصبح بمعايير غريبة كالمحاصصة والتوافق بحجة التوازن ، وما الى ذلك من ( مفاهيم تجزيئية ) ، وتسوق بادعاء غير صحيح على أنها الحل لمشاكل البلاد التي لا أساس لها في الواقع ، بحجة أنها تضمن الديمقراطية والعدالة والسلم المجتمعي ، والتقدم ، لتجميل المرحلة الجديدة ، وهي في حقيقتها ( مغانمة ) وتوزيع المناصب والامتيازات ، دون ان يضع ( المعنيون ) في حسابهم انها ستدمر البلاد وتتسبب في تجزئتها وتفضي الى التقسيم على الارض في يوم ما ، وليس في النفوس فقط بعد ان وصلت الخلافات بين الكتل السياسية وانعكست على الشارع الى درجة ظاهرة للعيان ، ولا يمكن اخفاءها مهما حاول السياسيون ، وتحولت الى علامة مميزة للعملية السياسية على مدى السنوات الطويلة الماضية ..
والشراكة الوطنية لا تعرف ( أبغض حلال الدستور ) ، او التفسير على الهوى والنوايا ، مهما وصلت درجة الخلافات بين الاطراف المعنية بالعملية السياسية ، أوالتهديد بالانفصال عن الوطن الام عندما ذهب الاكراد الى الانفصال والاصرار على الاستفتاء وتفسير الشراكة الوطنية على انها ( شريك مع العراق ) ، وليس جزءا منه ، فيمكنه أن ينفصل عنه ، ويفض الشراكة متى شاء وأنى شاء ، على وفق هذا المنطق غير الصحيح ، المغاير للحقيقة ، دون حساب العواقب والنتائح على الجميع ، والحنث بالقسم بالحفاظ على وحدة العراق ، وهو لا يختلف عن قسم الحفاظ على مال العراق …
واليمين لا معنى له ان لم يكن نابعا من القلب ، ويترجم باليد …بنظافتها …وخشونتها بالعمل ، والسهر على وحدة الوطن وأمنه وراحة المواطن ، وليس قلقة لسان ..
وبخلافه يشبه يمين البائع في سوق الهرج …