يقترب هذا العنوان من المعجم البحثي الأكاديمي أكثر منه للغة الصحفية ، إلا أن أمر الأزمة السياسية العراقية الراهنة ، و دور السلطة القضائية و تحديدا المحكمة الاتحادية العليا فيها ، فرصة مناسبة للحديث عن هذه الثنائية ؛ أي ( السياسة و القضاء ) .
مثل كل الأحداث الكبيرة شكلت المطالبات الجماهيرية و النخبوية بإجراء إصلاحات جوهرية و شاملة ، محطة تحول في مسارات العملية السياسية في العراق ، فيمكن اعتبار أن مرحلة بناء عملية سياسية بعد تغيير عام 2003 انتهت مع تظاهرات أب 2015 ، لتبدأ مرحلة إعادة البناء وفق المطالبات التصحيحية و النقدية للمرحلة الأولى ، إلا أن هذا التحول و لأنه مرتبط بالعمق السلبي للماضي القريب و البعيد لن يكون سهل المنال ، لتبدأ مرحلة المواجهة مبكرا في مرحلة التصحيح المفترضة ، تسببت الخلافات التي جاءت تحت عناوين الإصلاحات إلى ألان بتعطيل المؤسسة التشريعية في الدولة البرلمانية ، و هو الأمر الذي جعل الحكومة تسير هذه المدة بكابينه غير مكتملة ، فضلا عن الاضطرابات المستمرة التي بلغت حد إقتحام المؤسسات العليا في السلطتين التشريعية و التنفيذية من قبل المتظاهرين ، و كذلك حجم الخلافات بين الأطراف السياسية تمثلت بالمقاطعة كما هو حال تحالف الكتل الكردستانية ، و في غمرة هذه الأحداث وجد الجميع أن الملجأ للخروج من كل هذه الأزمات في السلطة القضائية ، و هو بالفعل ما بدأ عن طريق تقديم الدعاوى من قبل أطراف نيابية و وزارية للمحكمة الاتحادية لحل النزاع الجاري .
ليس هذا ما يهمنا فهذه سياقات إلزامية ، إلا أن حديثنا ينصب على بعدين :
الأول : تشكل المحاصصة الاثنية و الطائفية و الحزبية أساس كل الخلافات التي تسببت في الانسداد الذي تعاني منه مرحلة ما قبل أب 2015 ، و هي كذلك المسبب بالتعسر الذي تلقاه مرحلة ما بعد هذا التأريخ ، و الحديث عن تجاوز للأزمة من غير إعادة بناء بعيد عن المحاصصة لا يمكن اعتباره مشروع حل بأي شكل من الأشكال ، و هنا صار واضحا عند الجميع أن السلطة القضائية ليس بصفتها الوظيفية فحسب ، و إنما بتجربتها المهنية التي تعالت في بناء كيانها على المحاصصة ، كيف أمكنها أن تكون المأوى و الملجأ للخروج من أزمات المحاصصة .
الثاني : عسى أن يرسل اللجوء الى القضاء رسالة واضحة عن أهمية الكف في التدخل و التأثير على عمل السلطة القضائية من قبل الاخرين ، لحفظ هذا الحصن من التصدع ، و كذلك ضرورة قيام الاخرين بواجباتهم تجاه هذه السلطة ، خاصة ما يرتبط بواجب السلطتين التشريعية و التنفيذية .