22 ديسمبر، 2024 10:35 م

السياسة والتسييس

السياسة والتسييس

خلط الأوراق وتضليل المُجتمع، أحد أهم وأبرز أسلحة دول الإستكبار والإستبداد العالمي ضد الدول النامية، دون الحاجة لجيوش وصواريخ وقنابل، تُساهم في تأليب الرأي العام العالمي، سلاح بحاجة فقط الى خُطط مُمنهجة ومُبرمجة بدقة.
أصبح مُصطلح السياسة، مثاراً للإشمئزاز بين أغلب أوساط المُجتمع، على الرغم من كونه يُشير الى تنظيم الفكرة وترتيب التشريعات والقوانين، كُل فكرة في أصلها تحتاج سياسة تُنظمُها، لتُصبح مُكتملةً وناضجةً وقابلةً للتطبيق، للخالق سياسة مع عباده، أنزل قوانينها وتشريعاتها في كتابه، لرب الأُسرة سياسةً خاصة بالتعامل مع أسرته، توضحت لهم من خلال التعامل، بذلك صار لكل شَيْء سياسةً تُنظمهُ، الغريب إن الثقافة السائدة في المُجتمع الأن، مُحاربة ومُخاصمة هذا التنظيم، بالترويج لمُقاطعتهُ ولعنهُ ومواجهتهُ بالإمتعاض والإشمئزاز، وهو عَصّب الحياة وديمومتها وصيرورة البناء الإنساني، عن طريق تسييس الثقافة المُجتمعية، بدءاً من تشويه المُصطلح والترويج لنبذه.
التسييس، هو الآفة الأخطر التي تُصيب مُجتمعنا اليوم، كونه يُعنى بالترويج للأفكار المُنحرفة، خدمةً لمصالح وأهداف الجهة المُروجة، بإضفاء طابع سياسي على الخطأ بهدف تصويبهُ، وإضفاء طابع سياسي على الرذيلة بهدف طرحها كفضيلة، إتفقنا إن السياسة تعني تنظيم الفكر، مما يعني إن الخطأ والرذيلة تم تصنيعهما ومُعاملتهما وتسخيرهما بطريقة إحترافية، فصُدرتا على إنهما صواب وفضيلة، هُنَا مكامن خطورة التسييس، ودوره السلبي في التضليل الفكري.
كُل السياسيين فاسدين، لا مجال للتغيير وإنتخاب شخصيات نزيهة، كما وإن الإنتخابات مزورة، والحل الوحيد هو مُقاطعة الإنتخابات، ولا شك إن إستغلال المنصب الوظيفي، والإنتفاع منه بصورة غير شرعية، لا يُعد سرقةً بل ذكاءً وحكمةً وحُسْن تصرف، وأعلم إن القذف والشتم الذي نوجههُ للناس في مواقع التواصل الإجتماعي، لا يُعد إحتقاراً للإنسانية وإهانةً لخليفة الله في أرضه، بل هو مُتنفس وحرية في التعبير عن الرآي، وتحريم السُباب والشتم في القرآن الكريم وَكُل الكُتب المُقدّسة، لا يشمل منشورات شبكات التواصل الإجتماعي، كما وإن الكلام البذيء والشتم وقُبح اللسان، لا يُعد مؤشراً للإنحطاط الأخلاقي نبذته كُل الأديان، إنما هو مُجرد أسلوب للمُزاح بين الأصدقاء، ولا شك إن تضييع ساعات العمل والخروج بإقل جُهدٍ مُمكن، ليس هدماً لقيم إحترام العمل وتقديسه وتعطيلاً لمسيرة التقدُّم، بل هو حنكة وفن ومهارة، كذلك رمي الأوساخ في الشوارع وعلى الأرصفة، ليس جهلاً وإساءةً للحضارة وتلويثاً للبيئة، هي مُجرد وسيلة سهلة وسريعة للتخلص منها، وَكُل ماذُكر ماهو إلا غيظٌ من فيض تشكيلات الوعي السلبي وأصنافه الوبائية الكارثية.
نشر الوعي السلبي في المُجتمع، وإنتهاج نمط سلوكي وثقافي وإجتماعي خاطئ، يُسبب إرتباكاً فكرياً بين الناس، ناتج عن الأيديولوجيات المُشكلة والمُستوحاة من سلبية الوعي، تُمثل نسقاً مُعبراً عن علاقة طردية بين الذين تواطأت عقولهم مع التسييس، وبين الخراب والدمار المُجتمعي، بإيقاع مُتسارع نحول الفشل، ومُعطيات إصابة مُجتمع ما، بفايروس التسييس المُصاحب لإنتشار الوعي السلبي، ناخراً في الجسد المُجتمعي، تُقاس بكُثرة النُقاد والمُشخصين للأخطاء، بشكل إنفعالي هدام وصورة سوداوية، تقتل الأمل وتبعث على الإكتئاب والتشاؤم، وقلة الباحثين عن حلول وبدائل، تُحيي الأمل وتبعث على الإنفراج والتفاؤل، فلا نستغرب أنَّ الديمقراطية لدينا في محنتها فورَ ولادتها، ولا نستغرب أنَّ القضاء على نهج التسييس لن يحققَهُ أيُّ تيَّار سياسي، ما لم يُركز على ترسيخ الهوية الوطنية، مُعززاً الإنتماء الوطني، فصناعة الإدراك والوعي الإيجابي، تُعد من مُكتسبات وفيوضات أنوار المواطنة.
يتعرض اليوم إرثنا الحضاري وتُرثنا الثقافي الى إنتهاكات، تُهدد عُمق النشئة الأخلاقية والإنسانية التي تربينا عليها، تعجز عن مواجهتها الإثنية والطائفية، وحدها الهوية الوطنية قادرة على ذلك، بتكاتف الجهود وتوحيد القلوب تحت خيمة الوطن، فترسم اللُحمة الوطنية أروع صور الوعي الإيجابي والإدراك المُجتمعي، فنحن مهد المبادئ والقيم ومنا صُدرَت الى العالم أجمع، لذا صار إلزاماً على الجميع، الوقوف في وجه الأفكار المُنحرفة بوعي ومسؤولية، لا سيما النُخب السياسية التي تتبنى المشاريع الوطنية، كونها الأكبر وعياً والأكثر دراية على تثمين القيمة الحقيقية للمواطنة والأقدر صُنعاً وإحداثاً للفارق.