الاقتصاد مرآة السياسة، والتطور الاقتصادي يؤثر في الوضع السياسي، والسياسة الناجحة تؤدي الى إقتصاد نامي، وكل منهما يخدم الآخر سلباً أوإيجابا، وعلاقة الاقتصاد بالسياسة لا فصل بينهما حسب الفكرة القائلة “إن الاقتصاد والسياسة توأمان لا ينفصلان” .
تعد العلاقة الوثيقة بين الأثنين ركنا أساسيا لعمل الدولة، وتدهور أحدهما يؤدي الى كارثة بالآخر.. فهناك بلدان تضع الإقتصاد هدفها فتكون السياسة بخدمته، وتجنبت بذلك صراعتها السياسية بدعامة الإقتصاد، لأن بعض السياسات الخاطئة، أدت الى تكاليف باهظة مادية وبشرية وإنهيارا إقتصاديا، فلا يمكن للإقتصاد النمو، في ظل سياسة متخبطة غير مدروسة.
ينعكس التطور الإقتصادي على الواقع السياسي ويؤثر فيه، فمع المشكلات السياسية تبرز الأزمات الإقتصادية، وتتخذ قرارات سياسية تظهر عجز السياسة عن تجنب تفاقم المشكلات الإقتصادية..
من جانب أخز فالأمن ركن مهم في تفعيل الإقتصاد وجلب الإستثمارات، وتوفير مدخولات قومية، كذلك يؤثر على جميع القطاعات، كالسياحة والزراعة والصناعة والتجارة وسوق العمل.. فيُقيم الوضع الإقتصادي على أساس المعطيات السياسية المتلازمة معه، كتعرض الدول لعقوبات دولية، أو ضعف علاقاتها الدولية فتؤدي الى شلل في السوق، وإغلاق فروع الشركات وتوقف الإستثمار، والوقوع في فخ المديونية الى درجة حرجة، تؤثر على وضع البلد السياسي والإجتماعي، ويتراكم سوء الإدارة ويتفشى الفساد.
تَسن الدول قوانين وتشريعات، تحظر التعامل الإقتصادي مع خصومها؛ رغبةً منها بإخضاعها الى إتخاذ سياسات معينة، وبذلك يحدد النظام السياسي القدرة على، تطوير القطاعات الأساسية للدولة وأهمها الإنتاجية، ويهتم علم الاقتصاد بدراسة التأثير على السياسة، وتسعى السياسة نظريا للتأثير على الناس عبر ممارسات السلطة.
يُعتبر الاقتصاد غير سياسي، ويرفض الإنحياز السياسي والمحاباة ليعطي معلومات محايدة وتوصيات غير منحازة، لتحسين الأداء الاقتصادي للبلد، والسياسيون المنتخبون يقومون لاحقا بتقييم هذه المعلومات الاقتصادية، واتخاذ القرارات على ضوئها، لكن هناك علاقة قوية بين الاقتصاد والسياسة.. والأداء الاقتصادي هو الميدان الرئيسي للمعركة السياسية، وقضاياه بطبيعتها سياسية لأنها تتأطر بالآراء السياسية، والعديد من القضايا الاقتصادية، يُنظر لها من زاوية المعتقدات السياسية، وبعض الناس يميلون بطبعهم للشك بتدخلات الحكومة، ويفضلون السياسات الاقتصادية التي تسعى، لتخفيض تدخلات الحكومة في مجالات الاقتصاد، وأمكانية تطبيق هذه السياسات يعتمد على الدعم السياسي لها.
علاقة السياسة المالية والنقدية للحكومة، والتي تضعها جهة مستقلة ( البنك المركزي) هي قضية جوهرية أخرى، وفي أغلب الدول تكون السياسة المالية تقليصية نسبيا، وفقا للوضع الاقتصادي للبلاد.. ومن مسؤولية البنوك المركزية تطبيق سياسة نقدية توسعية أحيانا، لتعويض العجز في السياسة المالية؛ فإذا كان الساسة يتبعون سياسة مالية تقليصية، فأن على البنوك المركزية تكييف سياستها النقدية تبعا لذلك، والبنك المركزي العراقي يرتبط بالحكومة كبقية الهيئات المستقلة، وهذا ما يفرض عملا سياسيا أكثر مما هو إقتصادي، وأن كانت بعض مجالات الإقتصاد متحررة من السياسة كالعرض والطلب، لكن الحكومة هي من يسيطر على الصناعات الأساسية والقطاعات الآخرى، وتستطيع أن تدفع بإتجاه مشاريع معينة دون غيرها بإتجاه سياسي.
الأولوية الإقتصادية لا تنحصر بالنمو الإقتصادي وتعظيم الرفاهية النقدية فحسب، بل بتهيئة البيئة المناسبة وتحسين السعادة الإنسانية، وترسيخ مفهوم القناعة المجتمعية بما تملك، وطبيعة الخلفيات البيئية والسياسية، تقف حائلاً أمام الرفاهية الإقتصادية، ومصدات أمام السعادة المجتمعية، وتضارب الأفكار يشعر المواطن بعدم القناعة بما يملك؛ لشعوره بوجود حقوق لم يحصل عليها، وعلاقة السياسية بالإقتصاد تأثير ومؤثر، وتأطير السياسة يجعلها بين قبول ورفض الرأي العام، وعندما يبتعد عن السياسة فأنه يحاط بسياج تخصصي يتقبله الرأي العام، وتقبل الشعب للقرارات الإقتصادية، وتضعه محل لمسؤولية تحمل فاتورة الإصلاح للخروج من الأزمة.
قرار تعويم العملة لابد أن يشرح بأنه قرار إقتصادي قبل أن يكون سياسي، وفعلها من قبل ونستون تشرشل أبان الحرب العالمية الثانية بقرارات سياسية لها تأثير على الإقتصاد وحياة الشعب الإنجليزي قائلاً: ” ليس لدى ما أقدمه لكم إلا الدم والعرق والدموع”
بعض الرؤوساء تراجعوا عن قرارات إقتصادية، بعد تظاهرات أو تحريض سياسي، وهذا ما يحدث في العراق، وتحديداً من تأثير وباء كورونا على الإقتصاد، ما تطلب إتخاذ قرارات سياسية لتفادي مزيد من الخسائر، وتبين تأثير الإقتصاد على صانعي السياسة، ويبدو أن الإقتصاد يدفع بالسياسة وبالعكس، وبعض الإجراءات الإقتصادية في الدول لم تكن إختياراً، بل قرارات مريرة من أجل أن لا تسقط الدولة، والعراق يمتلك الإمكانيات التي تؤهله للنهوض مرة آخرى.
رأى الرئيس فرانكلين روزفلت (1933- 1945)؛ أن الإحباط وانعدام الثقة والخوف هى أساس المرض فى فترة الكساد العظيم، وما بعد ذلك هو أعراضه.. فقدّم الدعم المعنوى قبل المادِّى، من تشريعات جديدة لبَثّ الطمأنينة والاستقرار، ثم طوَّر البنية التحتية، وتحقق بعد ذلك إنجازه الاقتصادى.