18 ديسمبر، 2024 7:05 م

السياسة والأخلاق من يحكم من

السياسة والأخلاق من يحكم من

مدخل(1) لكتابنا؛ (السياسة والأخلاق من يحكم من)؟
جدليّة (الدّين و آلسّياسة):
سنقوم بإذن الله نشر كتاب آخر:[ألسّياسة والأخلاق؛ مًنْ يَحكُمُ مَنْ؟] لذلك نقدم لكم بتواضع هذا المدخل لعرض العناوين الأساسية فقط:
خلاصة ألكتاب الهامّ الموسوم أعلاه ضمن (السّلسلة الكونيّة) يضمّ سبعة بحوث مُكثّفة تمّ آلتركيز فيها على قضيّة جوهريّة مثّلت ولا تزال محنة الشعوب في العالم, خصوصا شعوبنا ألتي ضيّعت ألمشيتين(ألحضارة و المدنية) لفصلها الأخلاق عن آلسياسة, هذا أولاً.

وثانيا: لتشوّه وتبدل ألدّين نفسه لمصلحة دكاكين المُدّعين له, لينفرد السياسييون بآلحكم كيفما شاؤوا, ليضيع الحبل مع القارب.

إنّ آلدِّين وحدهُ يُمثل منبع الأخلاق والقيم الكونيّة, وفصلها عن سياسة وإقتصاد الناس والحُكم بآلعدل بينهم؛ قد سبّب الظلم و الفساد و الفوارق الطبقية كإفراز طبيعي, لأنه لم يُركّز لا على إصالة الفرد ولا المجتمع؛ بل إصالة المجموعة التي بيدها مفاتيح المال وآلعلم.

لقد سعى الحُكام منذ أكثر من 10 آلاف عام وفي مختلف ألظروف ألتأريخية .. ليس فقط لفصل (الدِّين) عن (السّياسة)؛ بل حتى سرقة تأريخ الأنبياء وأفكارهم وأدوارهم وتحويرها لأنفسهم و بطولاتهم وكما أثبتنا ذلك في قصص عديدة كقصة كلكامش و نبوخذنصر و حمورابي وسرجون وغيرهم من الفاسدين .. تلك الخيانة الأعظم من العظمى؛ كانت من أسوء أقدار ألبشرية في هذا الوجود وأكبر المفاسد ألتي إرتكِبت بحقّ السّماء و الأرض, لأنهُ سبّب مع الزمن تقويض و تخريب أرواح و عقول الناس ومبادئهم ومسخ قلوبهم بفصل الأخلاق عن حياتهم وإشاعة الشّهوات بدلها, لدرجة أغرت حتى “آلأدباء و المثقفين وأهل العلم” مُعتقدين بأنّ الدّمج بينهما مفسدة, لسطحيّة فهمهم لقضية الأنسان وفلسفة الوجود وأسباب الخلق بشكل خاص, فتركوا الجوهر و تعلقوا بآلمظهر و البشر!

وقد أثبتنا من خلال تلك البحوث ألمُعمّقة وغيرها(2) تلك الحقيقة المرّة المؤسفة و الداميّة بنتائجها التي أهدرت الكرامة الأنسانيّة ومسخت الشعوب التي تحولت لقطعان من الماشية .. لِتَسيّد مجموعة مستكبرة على الحقّ والقيم بفعل حكومات 255 دولة فاسدة في العالم, لا ترى سوى جيوبها ومتعلقاتها مستخدمة الشهوة والمادة وإستغلال ألدّين لذر الرّماد في العيون كأفضل وأقصر وسيلة للأثراء والتسلط وإستحمار الناس من قبل المجموعة الحاكمة في (المنظمة الأقتصادية العالميّة) المُسيطرة على منابع المال والأقتصاد والزراعة في العالم بدعم وغباء المثقفين وعلماء الدّين الذين سكتوا ودعموا الحكومات لِدُنياً بلا كرامة ومعنى فاقدين فيها إختيارهم وسعادتهم.

والأكثر إيلاماً وأسفاً أنّ الفلاسفة عبر التأريخ, و منذ المرحلة الفلسفيّة الأولى – أيّ زمن فلاسفة الأغريق السّبعة(3) وإلى الآن قد تنكّروا لفضل آلسّماء والدّين وإشارات بعضهم كانت هامشيّة, بحيث لا نرى أيّ ذكر أو تأريخ لدور الأنبياء ألعظام في أنظمتهم ومؤلفاتهم بشكلٍ واضحٍ, رغم إنّ أساس معلوماتهم بشأن القيم والأخلاق وفلسفة الخلق والغيب والعمران كانتْ مُستقّة من آلرّسالات السّماوية التي سبقتْ المراحل الفلسفية بآلاف السنين, إلاّ أنّهم لم يشيروا لتأريخهم و للمصدر الأوحد للأخلاق والقيم و الأيمان بالغيب و أسرار الوجود التي تتصل مباشرة بكرامة الأنسان التي تعادل الوجود, لأسباب قد تكون ذاتيّه (أنانيّة) و )مادّية( بحتة تتمحور حول طغيان النفس, وهكذا ظلمَ الفلاسفة أيضاً بجانب الحُكّام والسلاطين؛ ألبشر بتنكرهم لمبادئ ألدّين الذي عماده العدل ومن البداية و لحدّ اليوم وكأنّهم عين الشيطان, رغم توصّل الكثير من الفلاسفة العقلاء للحقيقة كشوبنهور و إسبينوزا و إبن سينا و الفارابي(4) و غيرهم بكون مصائب البشريّة اليوم إنّما ولدت بسبب (ذلك “الفصل” المُجْحِف بين الدين و السياسة), لعدم درك الناس حقيقة الدِّين وفلسفة الأسلام حتى يومنا هذا رغم وجود أكثر من ملياري مسيحي و نفس العدد من المسلمين تقريباً بضمنهم آلاف الأديان وأضعافها من الحركات و الأحزاب الأسلامية وأتباعهم بمئات الملايين المؤمنين بآلغيب الذين بدل أنْ يكونوا منطلقاّ لنشر المحبة و السلام و التواضع و الأخلاق الكونيّة؛ باتوا منطلقاً لنشر الفساد و النفاق و الخبث وآلشهوة و المظاهر والعنف والحرب, و يكفيك فتح كتبهم أو دخول مراكزهم و كنائسهم و مساجدهم و معابدهم مرّة لترى تجليّ تلك الحقائق المُرّة, بحيث يُمكنك رؤية كلّ شيئ فيها إلا (الله) هو الغائب الوحيد فيها!

فكيف يُمكن للمحبة وآلسلام و الكرم و التواضع وآلأيثار أن ينتشر مع غياب موجدها و حضور مُعاديها!؟

في كتابه (مناهج الفلسفة)، كتب المفكر الأمريكي (ويليام جيمس) قائلاً: [إنّ هناك أكثر من ستين ألف مادة قانونية يتمّ إضافتها سنويًّا إلى “القانون” في أمريكا]ٍ، و هكذا كندا و بقية الدول الغربية والشرقية لعدم معرفتهم بفلسفة القانون ألأنسب و الأصح لإصلاح المجتمع لجهلهم بحقيقة تكوين الأنسان و مكامنه النفسيّة التي لا يعلم خلجاتها وأسرارها وعوامل تحقيق سعادتها أو شقائها, و كل تلك الدول و بنظرة عابرة تحتاج للأخلاق لا القانون لوقايتها, و(الوقاية خير من العلاج) ولا نحتاج سوى (الفلسفة الكونيّة) لوعي فلسفة القانون, والأهداف التي يجب تحقيقها, و لعلّ هذه الإشكالية تقارب الإشكالية التي أرّقت الفيلسوف (شيلر)، حين أراد العودة إلى سياسة الذّات، فعكف في: [الرسائل الأولى من التربية الجمالية للإنسان] على فكرة الدولة كما كانت تتشكل في زمانه، حيث كان شيلر روسي الطبع، “كانتي” الفكر والتطبّع، فكَتَبَ قائلاً حين رأى إنهيار القيم الإنسانيّة على أعتاب الفظائع الدموية الوحشية للحزب الشيوعي السوفياتي:

[لا يأتي البناء من السياسي ولا من رجل الدّين(5)، ولكن من القدرة على الإرتفاء نحو الروح والجّمال، فعندما يضع السياسي أو رجل الدّين ألتقليدي في الواجهة العليا على سبيل الشهرة والنجومية؛ فهو يُهين نفسه باستخدامه لوسائل الإكراه والقهر والأحتيال والإبتزاز والترهيب والترغيب و الأثراء، بيد أنهُ عليه أن لا يقود .. بل أن يُصاحب ولا يقول هؤلاء تحت وصايتي و سلطتي الممتدة من السّماء، بل يقول هؤلاء إخواني وبجانبي وكلنا سواسية في الحقوق، فلا يتكلّم بمنطق الفَوقيّة والتكبر, بل بمنطق المَعِيّة و المحبة].

صحيح أن الفيلسوف أو النبي الذي يعجز عن أداء رسالته من خلال تسييس ذاته ثم فلسفته في المجتمع؛ فإنّ هذا لا يعني عجزهما – أو بتعبير أدق عدم جدوى فلسفتهما – لإنجاح وإدامة الدولة العادلة, بل الخلل و كما أثبت التأريخ مرّات و مرّات هو بسبب ميوعة الشعب نفسه والذين يحثون الناس أي – الأحزاب و المنظمات – بطرق خبيثة نحو مسالك الشيطان من فوق و التي تتجسد اليوم من خلال (المنظمة الأقتصادية العالمية) التي تحكم العالم عن طريق الأقتصاد بمعونة الأساطيل و التكنولوجيا و المال(الدولار).

نحتاج لأنجاح ألمشروع الكونيّ لِثلاث عوامل تعمل معاً لتحقيق الغاية من آلخلق والوجود, والتي لا بد وأن يُنَفّذ من خلال نظام إجتماعيّ يتساوى بظله الرئيس والمرؤوس؛ القائد و الجندي؛ الموظف والعامل, لتتحقق السعادة للجميع وليس شعب واحد, والعوامل الثلاثة هي:
الأول: وجود عارف حكيم على رأس الأمة لتطبيق مبادئ (الفلسفة الكونيّة).

ألثاني: وجود الفلسفة ألكونيّة كمنهج يضم المفاهيم والأهداف وطرق التنفيذ.

الثالث: وجود النُّخبة ألمرتبطة بآلحكيم من جانب وبآلشعب من الجانب الآخر.
و على الجميع وعيّ و إدراك أبعاد (الفلسفة الكونية ألعزيزية) و فنّ تحقيقها.

و بذلك يمكننا القضاء بشكل طبيعي على ظلم وهيمنة الرأسمالية و الطبقيّة بقيادة (ألمنظمة آلأقتصادية العالمية) التي أسّست أسس الفلسفة الظلامية البراغماتية السياسيّة، التي عرّفَتْ الحقيقة بكونّها؛ (الفكرة التي تنجح) و(الغاية تُبرّر الوسيلة)، وليست الفكرة ذات القيمة الأخلاقيّة التي تريد تحقيق السعادة للجميع، فصارالتخطيط لسرقة أموال الفقراء مسألة شرعية و قانونية و ديمقراطية متطورة لا يحقّ لأحد إنتقادها، وهو بنظرها أنجح وسيلة للثّراء الذي يصاحبه الظلم والقهر والإستبداد كنتائج طبيعية للحرية بآلمفهوم الرأسماليّ و تلك هي أنجح وسيلة لتحقيق السلطة، فالعالم مجرّد سوق، والإنسان فيه مجرّد بضاعة و أداة للإنتاج والإستهلاك، ولذلك و بسبب فقدان مبادئ الفلسفة الكونية؛ فقد ركبتْ الكثير من الدول الإسلامية رغم تأريخها وعقيدتها في المنطقة العربية؛ موجة البراغماتية (الرأسمالية) بغطاء الديمقراطية و بشيئ من الأسلام و كان العراق سبّاقاً في هذا المصير الأسود بعد ماعلّقت دواليب الحكم بتلابيب أمريكا ومن معها، ما جعلها تربة خصبة لخنق المقاومة و للإبتزازات المالية و الجيوستراتيجية، التي تثري خزائن النظام الدّولي، ليستمر التكبر والطغيان و الحروب في العالم، بحماية الأنظمة الأجرامية في المنطقة و العالم، حتى أنعكست وإنمسخت المفاهيم, بحيث أصبح (المقاوم إرهابيا) و (الأرهابي إنسانياً)، لتتحقق ألمقولة ألمشهورة: [عصرالتجارة بالكلمات، التخدير بالشعارات، التنويم المغناطيسي بالعبارات، وقيادة الشعوب المتخلفة بهذا الحذاء الساحر..], وقد سبقنا رسولنا الكريم بقول حكيم أدّق لخصّ المحنة بقوله:
[(يُوشك أن تتداعى الأمم عليكم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها), قالوا : أَ وَ مِن قلّة نحن يومئذ يا رسول الله؟ قال: (لا ، بل أنتم كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور أعدائكم المهابة منكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن ), قيل: وما (الوهن) يا رسول الله ؟ قال: (حُبّ الدّنيا وكراهية الموت؟)].

و اليوم أخمدت حركة الشعوب من قبل أنظمتها و إنتفاضاتها بدأت كأفلام الكارتون التي تتحكم بها الأحزاب و الأئتلافات و المنظمات التي تريد المال لرؤوسائها الذين يوقعون على الصكوك البيضاء بإسم الوطن و المواطن مقابل ضمان السيولة النقدية و الأرباح و الرواتب لجيوبها الخاصة على حساب جيوب و حقوق الشعب والأجيال المسكينة اللاحقة, لتعيش شعوب العالم ألأمرّين من الأنظمة الإستبدادية تحت غطاء و شعارات الليبرالية و (الدّيمقراطيّة المستهدفة) التي تهدف لتحكم الفاسدين بآلأموال و الأقتصاد و الرواتب و الجيش و الشرطة، و هذا هو مأزق النظام الدولي العاري من القيم الأخلاقية اليوم!

لقد وصلت الصّلافة و فقدان الحياء درجة باتت أعتى الدّول الدّيمقراطيّة في العالم تدعم الحكومات الأرهابيّة لقتل الناس وآلشيوخ و الأطفال الأبرياء لتحقيق مصالح الفئة الأقتصادية .. بل وتحتفل سنويّاً في (دالاس) بآلحروب المحلية و الداعشية و العالميّة الدّمويّة التي راحتْ ضحيّتها الملايين من البشر, ممّا يعني تجاوز اللابشرية إلى الوحشيّة, بدل أن تخطط للأنتقال بآلناس من حالة (البشريّة) إلى (آلأنسانية) و من ثم إلى الحالة (الآدمية)(6) التي معها يتحقق التواضع و الفناء في الحق للخلود, وهو أسمى درجات العلو الكونيّ بحسب الفلسفة الكونية العزيزيّة الذي يؤمن بآلتغيير كصفة إنسانية .. لكن بتزكيتها للأعلى لا بدسّها للأسفل عن طريق شحن النفوس بالأخلاق الفاضلة التي يؤكدها ألدِّين فقط لا المدارس الرأسمالية و السّياسية المختلفة التي تؤكد على الكذب وآلظلم و النفاق و التحالفات المشبوهة وقانون (الغاية تبرر الوسيلة) لأجل المال بسرقة الناس و ظلمهم! و لا حول ولا قوّة إلا بآلله العليّ العظيم.

الفيلسوف الكونيّ
ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) إضطررت وبسبب مشكلات الفهم والوعي الكوني لدى القُرّاء بمن فيهم المثقفين والأدباء والكُـتّاب؛ جعل أكثر من مقدمة ومدخل للبحوث لكثافة المفاهيم وتداخل الرؤى الفلسفية لتبسيطها وسهولة فهمها وهضمها, وإنتقال مضامينها لتعميم الفائدة بسهولة و يسر, رغم ما يُكلّفني من جهد ووقت, فإسلوب (الكتابة) ألمنهجية يحتاج بلوغ قمته لشهادة دكتوراه. (2) بآلأضافة لكتابنا الموسوم بـ [ألسّياسة و الأخلاق؛ مَنْ يَحْكُمُ مَنْ], ألّفنا كتاباً آخر يضاهيه في المعنى و يعلوه في التمدن كمتمّم, حيث نظّرنا للمستقبل من خلال معطيات عديدة, بعنوان: [مُستقبلنا بين آلدِّين و آلدِّيمقراطية].

(3) حكماء الإغريق السبعة: سولون الأثيني، خيلون الأسبرطي، طاليس، بياس البرييني، كليوبولوس، بيتاكوس، بيرياندر.

(4) أبو نصر الفارابي قسم الدول لـ: الدولة الفاضلة و الدولة الجاهلة, و حدد مواصفات لهما.

(5) لقد قاس الأمر على أساس الدين المسيحي المحرف طبعا و ليس على أساس ألدين الأسلامي ألكامل الخاتم ألسّمح.

(6) فلسفتنا: تُقسم ألرّقي ألبشري لثلاثة مراحل: البشريّة و الانسانيّة والآدميّة.