السلطة السياسية التي تمتلك القوة وهي التي تقوم بتوزيع كافة أنواع القوى، سواء القوة العسكرية أو الاقتصادية والثقافية والدينية والإعلامية لصالح البلاد ورفاهيتها والاستخدام السليم لأوراق هذه القوة هو الذي يحقق الأهداف السياسية، لذلك قيل أن السياسة هي فن الحكم وفن إدارة الصراع.
أن السيطرة على الموارد الاقتصادية في المجتمعات الرأسمالية تعد مصدراً أساسياً من مصادر النفوذ والتأثير في هذه المجتمعات. فالذين يسيطرون على عمليات إنتاج وتوزيع السلع والخدمات يستطيعون أن يمارسوا ضروباً من التأثير على من يشغلون المراكز الحكومية الرسمية. ولهذا فإن فهم القوة في المجتمعات المعاصرة يقتضي أن نذهب إلى ما وراء التصرفات الرسمية للذين يشغلون مناصب حكومية وسياسية، ومن ثم ندرس أساليب ممارسة النفوذ خارج النطاق السياسي. ومع ذلك وعلى الرغم من إمكانية التفرقة بين النفوذ والسلطة على المستوى التحليلي، فإنه من العسير أن نقيم مثل هذه التفرقة على المستوى الواقعي. وهكذا ويمكن القول في ضوء هذه النماذج الثلاثة أن القوة هي القدرة على صنع القرارات المؤثرة في المجتمع، بل هي أيضاً القدرة على التأثير في أولئك الذين يصنعون هذه القرارات. ويمكن القول أنه في أغلب الأحيان بدون القوة لا تتحقق السلطة، وندلل على ذلك بالقول أن الوصول إلى السلطة في الدول النامية في مراحل التاريخ المختلفة وفي أغلب الأحيان كان يتم عن طريق القوة، ويمكن القول أن السلطة هي امتلاك أجهزة القهر والسيطرة. ونخلص إلى أن القوة العسكرية هي من مستلزمات السلطة السياسية، أهمية القوة وامتلاكها إلا أن على الدولة أو السلطة أن ترتكز على إدارتها على بسط المساواة والعدل والحريات المختلفة، سواء حرية الاعتقاد أو التفكير أو التعبير وأن نلتمس عنصر الحوار في طرح المفاهيم، على أن تبقى هذه القوة هي الراعية والحارسة لهذه القيم حتى لا ينفرط العقد وتعم الفوضى، أي أن استخدام القوة يحتاج إلى ضبط وتنظيم وقياس دقيق تخضع لموازنات سليمة وعادلة.
وفي واقع الأمر فإن عدم تنظيم العمل السياسي على أسس مدنيّة ديمقراطية(في اغلب البلدان النامية)، بحيث يطرح كل تنظيم سياسي برامج اقتصادية-اجتماعية مُعبّرة عن مصالح من يُمثلهم، أدى إلى عدم تطوير الحياة السياسية والديمقراطية، بحيث يكون هناك عمل سياسي حقيقي يستهدف المنفعة العامة، ويديره محترفون يمتلكون فهماً نظرياً ومهارات قيادية، وثقافة عالية وسعة اطلاع، وهو الأمر الذي ترتب عليه تدني مستوى الثقافة السياسية، وانخفاض الوعي العام لغالبية الناشطين في المجالين السياسي والعام، أو الممارسين للعمل السياسي، ومن ضمنهم أعضاء السلطتين التشريعية والتنفيذية . إن حالة غياب الثقة السياسية التي غلبت على الفاعلين داخل المشهد السياسي (العراق مثالا) كافة، قد دفعت بكل قوة من القوى السياسية بأن تكون حذرة من القوى الأخرى، بل أن تسعى إلى تعظيم مكاسبها في اللحظة الآنية خوفًا من إمكانية عدم تكرار تلك اللحظة مرة أخرى، الأمر الذي كرس من عمليات الإقصاء أو الإدماج الحذر في شكل صفقات مرحلية لم تدم أو تستمر طويلاً، وهو ما يعرف عمليًا في أدبيات علم السياسة بحالة ,غياب الثقة .
أن هنالك صراعاً قائماً بين العقلية الاقتصادية والعقلية السياسية،بين خلق الثروة وخلق السلطة مهما يكن من أمر فإن وجهتي النظر تتقاربان كثيرا حين تعتبران أن السياسة الحكومية تتحدد إما بواسطة العامل الاقتصادي أو العامل الثقافي.وحسب النموذج الماركسي فإن البنية الاقتصادية التحتية تمنح بعض الحرية إلى صانعي القرار،إذ تقوم الدولة أساسا بخدمة منطق التراكم الرأسمالي،وعلى العكس،ففي نموذج الوراثية الجديدة يكون الاقتصاد في خدمة السياسة،ويتمتع صناع القرار بمناعة ثقافية ضد العقلية الاقتصادية،وتكون السلطة الوراثية منسجمة تماما مع الثقافة السياسية الموروثة.
ومفهوم التكتلات الاقتصادية نشأ وتطور في ظل البلدان الصناعية وأصبح ينظر إلى هذه التكتلات على أنها ضرورة ملحة خاصة في مرحلة تطور القوى المنتجة التي وصلت إلى مستوى معين من التطور والتقدم وساعد في ذلك العلم والتقنية وتزايد الإنتاج والتعميق الحاصل في عملية تقسيم العمل الدولي. أن ظاهرة التكتلات الاقتصادية ليست بالظاهرة الجديدة إلا أن ظهورها كتجربة اقتصادية كانت بعد الحرب العالمية الثانية اتخذتها مجموعة من الدول سواء كانت نامية أو متقدمة، رأسمالية واشتراكية، وهذا لمواجهة مختلف التحولات التي شهدها العالم في تلك الفترة فظهرت هذه التكتلات كنتيجة للقيود في العلاقات الدولية وكمحاولة جزئية لتحرير التجارة بين عدد من الدول، فظهرت التكتلات الاقتصادية في صورة مشروعات فردية قدمتها أمريكا للدول الأوروبية ودول الشرق الأوسط، مثل مشروع “مرشال” الذي يهدف إلى تقديم المساعدات الاقتصادية المصحوبة بشروط سياسية وعسكرية، وقد كانت شعوب قارة أوروبا أول من ساهم في نشأة هذه التكتلات وذلك بحكم ما تعرضت إليه هذه الشعوب من أزمات اقتصادية نتيجة للحرب العالمية الثانية، فذاقت ويلات الهزيمة وأصبحت دول هذه الشعوب منهارة اقتصاديا وعاجزة عن النمو فأدركت بأنه لابد من تكتلها ومن جميع النواحي لإعادة بناء اقتصادياتها ومواجهة السيطرة المفروضة من طرف الولايات المتحدة الأمريكية ، ومواكبة مختلف التطورات الكبيرة في العلم والتكنولوجيا. من هنا تكتلت دول أوروبا الغربية في شكل سوق مشتركة سنة 1957، وكانت هذه الأخيرة صورة مثلى للعديد من الاقتصاديين والسياسيين الذين اعتبروها نموذجا يحتذي به بين مجموعات دولية أخرى، ثم انتقلت ظاهرة التكتلات إلى مجموعة أخرى من الدول، فنشأت منطقة التجارة الحرة لأمريكا اللاتينية، والسوق المشتركة لدول أمريكا الوسطى.
إن الاتحاد الأوروبي المنازع الأول للولايات المتحدة الأميركية تلتقي جميع دوله على طريق اقتصاد السوق والتبادل الحر, إلا أنها تمتاز عن الولايات المتحدة بخصوصيات ثقافية وفكرية وإيديولوجية وسياسية واقتصادية واجتماعية تعتبر إفرازا تاريخيا لتراكمات أوروبية مميزة. فباستثناء المملكة المتحدة التي تشيد بالقيم الفردية والتي تعتبر استنساخا للنموذج الأميركي, فإن الدول الأربع الأخرى لا ترى في النموذج الليبرالي الأميركي النموذج الذي ينبغي الاحتذاء به. ولبيان الاختلاف نجد في الاتحاد الأوربي مثلا النموذج الهولندي القائم على العدالة الضريبية الشبه كلية, إلى النموذج الفرنسي المتشبث بخصوصياته الثقافية والاجتماعية، إلى النموذج الألماني القائم على رأسمالية توفيقية ، إلى النموذج الإسكندنافي المبني على المساواة الاجتماعية المثالية. فالثقافة الليبرالية الأوروبية تجمع بين اقتصاد السوق من جهة وبين تدخلات الدولة في توفير الحماية الاجتماعية الضرورية، إذ تحرص على اقـتصاد الرفاهية وكذلك تحرص حرصا شديدا على الحفاظ على الهوية الثقافية والحضارية الأوروبية. فالأوروبيون ينادون بالنموذج الاجتماعي كبديل لنظام السوق المطلق وللرأسمالية الأميركية المتوحشة. فعلى الرغم من إعجاب الأوروبيين بالأداء الاقتصادي المالي والتكنولوجي في الولايات المتحدة, إلا أن ذلك غير كافي لأمركة النموذج الأوروبي.